أفرقة السودان.. وعربنة الـ (دهان)

لماذا يتعفف الكثير من السودانيين من (عربنة) السودان ـ ليس من العربون ـ ويميلون كل الميل إلى (أفرقتها) ويذروها كالمعلقة.. أين المشكلة من سيرهما (العربنة والأفرقة) في خطين متوازيين لا يلتقيان أبداً دون إيذاء أحدهما الآخر وحفظ كامل الاحترام المتبادل لخصوصيتهما.. أن تجمع بين الاثنتين في قطر واحد كالسودان فخر ومدح وليس مذمة وقدح.. وإن كان لابد من الاختيار الصعب والمر، فنحن أقرب للعربية باللسان العربي المبين.. أكثر من الافريقية.. نفتخر بالانتماء للغة القرآن.
باستثناء دول معدودة ومحددة ماذا جنينا من التبعية الافريقية؟! ما هو حجم الاستثمار للقارة السوداء لدينا؟!.. ما حجم العمالة السودانية وطلبة العلم؟! حجم التبادل التجاري؟! حتى سفاراتنا وقنصلياتنا بها كما هي حكومة الداخل تمول من مغتربي الدول العربية.. من يتعذر علاجهم داخلياً لا يمكن أن تكون وجهتهم افريقية.. افريقيا أكثر قارات العالم تخلفاً وفقراً وجوعاً ومرضاً مع أنها ليست لديّ معيبة.
بسبب هذا التوجه وهذا الاعتقاد السائد والخاطئ نسيّ أهل السودان لغة القرآن.. أتذكر جيداً ونحن في المرحلة الابتدائية كنا نعيد ونكرر (القطعة) من كتاب المطالعة لتحسين خطنا وإجادة النحو والإملاء، لم يكن بيننا صاحب خط (شين) أو أقل ما يقال (غير مقروء) كما نشاهده الآن من بعض أساتذة وبروفات ودكاترة ووزراء ومسؤولين كبار ومذيعين ومقدمي برامج ومحاورين لا يجيدون اللغة ولا فن التحاور وغير ملمين بالحد الأدنى للثقافة التي تؤهلهم لتبوء هذه المناصب.. الضيف والمحاور الفطن هو من يدير دفة الحوار بدلاً من مقدم البرنامج كيف شاء..
بالأمس القريب كالعادة تجولت وتنقلت في ثلاث قنوات فضائية هي: الأم السودانية.. أم درمان.. الخرطوم، وجدت ورأيت فيهم العجب العجاب؛ على سبيل المثال أساتذة جامعات ودكاترة ورؤوساء تحرير ومسؤولين مرموقين وقعوا كالعادة في شرك الأخطاء الإملائية والنحوية والتقديرية السمعية وعدم المعرفة واستخدام ووضع الكلمة المناسبة في المكان المناسب والفرق بين المكاييل والموازين والمقادير والأعداد كما علمونا في بداياتنا الدراسية: (ضع الكلمة المناسبة في الأماكن الخالية أو مكان النقط)، تصوروا حجم الكارثة والخطأ عندما يأتي من قدوة وممن تسبقهم الحروف الرنانة ( الألف.. والدال.. والميم والرتب الكبيرة……….. إلخ) والمصيبة الكبرى أن معظم هؤلاء من المعتقين والذين عاصروا الخلاوى وليس الأولية أو الابتدائية.. تصوروا هؤلاء يضعون الأشخاص في غير موضعهم أو بالأصح في مكان الأمطار (كمية من الناس.. كمية من الجامعات والكليات والمدارس) ليتهم قالوا عدد من الجامعات والمدارس.. مجموعة من الناس.. في قناة الخرطوم الفضائية تكرر الخطأ أربع مرات، تحدثاً من المذيع وكتابة عبر الشريط الاخباري مناصفة وكما قلت في مقال سابق الخطأ في الكتابة أكثر جسامة من الحديث، حتى لا أنسى وأنتم مكمن الخطأ عبارة: (فريق أول مهندس ركن عبدالرحيم محمد حسين)، والصحيح هو (فريق أول ركن مهندس عبدالرحيم محمد حسين) لأن الركن صفة للرتبة وليس للمهنة والتخصص (مهندس).. كثيراً نشاهد كتابة اسم الشيخ الجليل عبدالجليل النذير الكاروري بالزين (النزير)، إن شاء الله (إذا شاء الله.. بمشيئة الله) الكثيرون يكتبونها هكذا (إنشاء الله) والإنشاء هو فرع من فروع مادة اللغة العربية أو أن تنشيء شيئاً من بناة فكرك ويقابلها في الإنجليزية (الكمبوزيشن).. والأخطاء المشابهة والمماثلة كثيرة عبر جميع وسائلنا.. الذين لم يحالفهم الحظ لظروف كثيرة بالالتحاق بالروضة ناهيك عن المدرسة يحرصون كل الحرص على حفظ بعض المصطلحات الإنجليزية وآخرين ربنا فتح عليهم بشوية قروش دخلوا معاهد لتعليم الإنجليزية ليتباهوا بها أمام الناس.. والأمثلة لا حصر لها ولا عد.
وينطبق على هؤلاء هذا البيت:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا *** مضر كوضع السيف في موضع الندى
هذه الأخطاء الجسيمة ربما نتاج محاولة تخلصنا وتملصنا من (الحديقة العربية) وإصرار دخولنا إلى (الغابة الافريقة)، لذا لم ولا ولن أتوانى وأتردد في استخدام كل حروف العلة والصحة والمرض والجزم لنصرة وإنصاف الدكتورة ناهد التي نعتها أحد الأشخاص أن جدها السابع عشر من أصول (نيجيرية)، إن كنتم جميعاً مع (أفرقة) السودان.. سأكون وحيداً مع (عربنة) الـ (دهان) الاسم الجديد لناهد.. أعتز أيما اعتزاز بها وهي سبب رئيس في عودتي الجبرية للكتابة بعد أن نزغ ونزع الكثيرون مني حبل التواصل الكتابي نتيجة أخطائهم القاتلة التي تتعارض مع صحتي ووجع قلبي وعقلي.
لن أتخلى عن إعجابي المطلق للدكتورة المجيدة لكل عمل وتخصص من (طب.. لغة عربية ونوبية.. كتابة.. فكر.. تراث.. ثقافة.. حوار مجتمعي وطني…… إلخ، كثيرون مثلها في القامة والمكانة يصعب عليّ حصرهم.. إن كانت نيجيرية على ذمة المدعي فهي أفصحنا لساناً وأوضحنا بياناً.
ادعى الفريق دانيال كودي رئيس حزب الحركة الشعبية تيار السلام هيمنة الشمال على السلطة والثروة ووصفهم بالاستعلاء والاقصاء.. وأن النوبة في الشمال، حلفاويين وسكوت ومحس لو كان عندهم غابة لدخلوها وحملوا السلاح.. أقول له ولغيره قولي في أكثر من مقال: نحن كشماليين لا نملك يداً ثالثة لحمل السلاح، فقط واحدة تحمل الكتاب والأخرى تحمل القلم.. ثم من أين وصلت لهذه الرتبة الرفيعة في ظل الإقصاء لجبال النوبة؟!
أتمنى من الحكومة ألا تضطرنا وتجبرنا على حمل السلاح لأننا لم نعهد ولم نتعود حتى على العنف اللفظي وتربينا على المحبة والسلام والسلم واحترام الآخر.. دعونا هكذا مهمشين، ومنذ النشأة الأولى لم نعرف غير (العون الذاتي).. في حين ترفل كل الولايات التي حملت السلاح في النعيم المقيم بل المترف.