لحية “بن قنة” وبرقع “الريان” لغز قناة (الجزيرة) القطرية!

بعد أن أسفرت قناة الجزيرة الإخبارية القطرية عن وجهها الإخواني بلا خجل وخلعت برقع الحياد والمهنية وجاهرت بالانحياز أرجو أن تسمحوا لي بإعادة نشر مقال” قناة (الجزيرة) وهوية المرحلة القادمة!!” والذي نشرته في عدة صحف إلكترونية في شهر نوفمبر من عام 2011م وقدمت من خلاله رؤية تحليلية عن طبيعة نشأة وتوجه هذه القناة الفضائية المثيرة للجدل وذلك لفائدة القارئ الكريم وكل عام وانتم بألف خير.

لمصلحة من تعمل قناة الجزيرة؟!! وما هو الدور الموكل لإمارة قطر لتلعبه ؟!! ولمصلحة من تقوم قطر وقناتها الفضائية بهذا الدور الذي يتخطى إمكانياتها ووزنها السياسي في المنطقة؟!

هناك مؤشرات معتبرة تشير إلى أن الثورات التي اندلعت في المنطقة العربية وأطلق عليها اصطلاحا (الربيع العربي) قد تم السطو عليها من قبل تحالف غير معلن بين الامبريالية العالمية -التي تعيش دولها أزمات اقتصادية خانقة- وتيارات الإسلام السياسي -التي وجدت نفسها فجأة ودون عناء أو مجاهدة وجه لوجه أمام فرصة ذهبية لامتطاء ظهر الشعوب الثائرة وصولا لمراميها- في غياب تام للتيارات السياسية الأخرى التي تغط في نوم عميق مشابه لنوم أهل الكهف؛ مما قد يودي لإحباط هذه الثورات وتحول ربيعها لصيف قائظ جراء تحويل مسارها من محاولة جادة للتغيير وصياغة وأقع جديد يلبي طموحات شعوب المنطقة لمجرد عملية ترتيب أوراق برموز وعناوين جديدة تخدم أهداف ومصالح النظام العالمي الجديد الذي نخرت عظامه الأزمة الاقتصادية.

تلك المؤشرات تجلت في التحاق جماعة الإخوان المسلمين المصرية المتأخر بركب الثوار في ميدان التحرير وفي الظهور الخجول لحركة النهضة الإسلامية التونسية في الأيام الأولى للثورة والعودة المتأنية لزعيمها الشيخ راشد الغنوشي من منفاه في فرنسا، أما في ليبيا فاختلاط الحابل بالنابل لم يدع فرصة للتمييز بين تيار بالحاج الإسلامي المنتمي (لتنظيم القاعدة) وبقية أطياف المشهد الثوري الليبي وأي منهم كان الأسبق في الانطلاق على مضمار الثورة حيث تظل الحالة الليبية حالة خاصة لغياب الأحزاب والتيارات السياسية طوال أربع عقود من حكم (الكتاب الأخضر).

ما لبثت التيارات الإسلامية في تلك الدول بعد أن استوثقت من انتصار الثورات أن استغلت حالة الإرباك السياسي السائدة بسبب ضعف تنظيم شباب الثورات وانعدام الخبرة في صفوفهم واحتلت واجهة الأحداث وتسيدت الموقف بمعاونة قناة (الجزيرة) الفضائية القطرية التي سقط برقع الحياد عن توجهها وأسفرت عن الوجه (الإخواني) حتى يكاد المرء يرى لشاشتها البلورية (لحية) رغم جمال وفتنة مقدمات البرامج، فقامت بتوفير مساحة إعلامية غير محدودة وما زالت لتلميع صورة تلك التيارات الإسلامية وأقطابها وإظهارها أمام الشعوب الثائرة بمظهر ينافي الحقيقة الماثلة على أرض الواقع في حين تم تجاهل وتغيب صناع الثورة الأساسين من الشباب والتنظيمات الأخرى!! مما يطرح أسئلة بديهية أمام المراقب للأحداث: لمصلحة من تعمل قناة الجزيرة؟!! وما هو الدور الموكل لإمارة قطر لتلعبه ؟!! ولمصلحة من تقوم قطر وقناتها الفضائية بهذا الدور الذي يتخطى إمكانياتها ووزنها السياسي في المنطقة؟!

يبدو من مجموع هذه الأسئلة الحائرة أن وراء الأكمة ما ورائها خاصة حين نلحظ تسارع خطى التيارات الإسلامية للالتحاق بركب الربيع العربي ومحاولتها المستميتة وفق خطة محكمة لفرض وجودها وتسيد المشهد الثوري مستغلة إمكانياتها المادية الكبيرة ومقدراتها وخبرتها التنظيمية الطويلة مقارنة بشباب الثورات والتنظيمات السياسية الأخرى في مسعى حثيث وبمباركة النظام العالمي الجديد بل بمساعدته أحيانا كما في الحالة الليبية لاحتواء الحراك الثوري وتوجيهه الوجه التي يريدها الغرب الامبريالي وليس الوجهة التي تريدها الشعوب الثائرة وعلى ما يبدو أن مخططات التحالف (الامبروسلامي) يسير دون عثرات تذكر نحو مراميه .

قد يبدو مستغربا وغير مفهوم للبعض موقف الدول الغربية التي ساعدت على إزالة نظم حكم حليفة وخاضعة لإرادتها مثل النظام المصري والتونسي وحتى النظام الليبي بمواقفه التي توافقت مع الغرب في سنواته الأخيرة ولفهم هذا الالتباس لابد من إعادة النظر في شكل العلاقة الخفية بين قوى الامبريالية العالمية وتيارات الإسلام السياسي منذ نشأة وتأسيس تلك التيارات في المنطقة العربية وإمعان النظر في الأساس والفكرة التي قامت عليها والهدف الرئيس الذي من أجله أنشئت وأدى للتلاقي الدائم بين مصالحها ومصالح الغرب الامبريالي وخلق الأرضية الملائمة لقيام التعاون المبكر بينهما والذي أفضى في نهاياته (للتحالف) الذي يراد له أن يكون عنوانا لحقبة ما بعد (الربيع العربي) في ظل المتغيرات الدراماتيكية التي يشهدها الوضع الدولي وما يجتاح العالم من أزمات اقتصادية ومالية دفعت بالجماهير في معاقل الرأسمالية للتظاهر والمطالبة باحتلال رمز الاقتصاد والتجارة الدولية (وول استريت).

فالمتتبع تاريخيا لتلك العلاقة يرى أن الامبريالية العالمية تعود دائما للتحالف مع تيارات الإسلام السياسي كلما احتاجت لمعالجة منعطف من منعطفات السياسة الدولية (تم هذا من قبل في الحرب الأفغانية السوفيتية) وليس هناك منعطف أخطر من الذي يمر به النظام والفكر الرأسمالي اليوم، فالغرب الامبريالي يعاني اقتصاده من أزمات ماحقة تكاد تعصف بمسلماته الفكرية ونظرياته الاقتصادية وهو بحاجة ماسة للسيطرة على ثروات وخيرات المنطقة العربية -التي تسبح في بحر هائل من الذهب الأسود- للخروج من أزماته وفي نفس الوقت يعلم أن أمر السيطرة على شعوب المنطقة التي هبت من غفوتها لن يتثنى إلا في وجود أنظمة خاضعة تماما لتوجهاته ولها في نفس الوقت السيطرة المحكمة على شعوبها بقوة فوقية يخضع لها العقل الجمعي طوعا ويرهب نقاش برامجها المستمدة من الدين ويحرسها علماؤه الذين عادة ما يكونون طوع بنان السلطان وأوامره مهما خالفت نهج الحق، وعلى هذا الأساس الخبيث رسمت الامبريالية العالمية إستراتجيتها الجديدة للسيطرة على المنطقة وتم اختيار تيارات الإسلام السياسي التي رضع معظم شيوخها من الضرع الامبريالي حد الارتواء حين تلقوا التعليم الجامعي أو فوق الجامعي ونهلوا من نهجها البروغماتي وثقافتها القائمة على المصلحة من دون واعز ديني أو أخلاقي.

هذه الإستراتيجية الامبريالية ليست وليدة اليوم ولا هي بدافع من اللحظة التاريخية الآنية التي تعصف بالمنطقة العربية ويندح فيها الربيع بل هي سابقة لكل هذا ومعدة منذ انتهاء الحرب الأفغانية السوفيتية في أوائل ثمانينات القرن الماضي والتي خرجت منها المنظومة الاشتراكية بجروح غايره تنذر بتفككها وذهاب إمبراطوريتها كقطب موازن للسياسة الدولية وما سيجره ذلك من تأثيرات على أنظمة الحكم العربية التي كان ولاؤها منقسمًا بين القطبيين العالميين (الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي)، فهي إستراتيجية معدة أساسا لتلافي التأثيرات السالبة لعملية انهيار المنظومة الاشتراكية التي قد تقود لتمرد

الأنظمة العربية التي كانت تدور في فلكها (العراق/ليبيا/سوريا/الجزائر) وترفض التسليم بهيمنة النظام العالمي الجديد فيعيق هذا من انتشار نهجه الاقتصادي وثقافة العولمة.

لإعداد هذه الإستراتجية التي نلمس أثرها اليوم أخضعت كافة نظم الحكم العربية لدراسة معمقة من قبل مراكز الدراسات الملحقة بالدوائر الأمنية لحلف الناتو وذلك بعد انتهاء الحرب الأفغانية السوفيتية مباشرة وتم تصنيفها وتحديد طرق التعامل مع كل نظام لاحتوائه أو التخلص منه، وباندلاع حرب الخليج الثانية وغزو العراق للكويت رسخ الاعتقاد -السائد في أغلب الدوائر الغربية- بأن الأنظمة التي كانت على علاقة تعاون مع المنظومة الاشتراكية وحلف (وارسو) يصعب إخضاعها وستظل (خميرة عكننة) تعكر صفو المخططات الامبريالية الرامية للاستفادة القصوى من ثروات المنطقة العربية فشرع في تفعيل الإستراتجية التي نلمس اليوم محصلتها في المحاولة الجادة للانحراف ببوصلة (الربيع العربي) وإفراغ المد الثوري من مضامينه والسطو عليه بتهميش القوى الثورية الرئيسة من الشباب وتسليم مفاتيح اللعبة لتيارات الإسلام السياسي التي ثبت بالتجربة أن مصالحها مع مصالح الامبريالية رغم شعارات العداء المرفوعة لذر الرماد في العيون.

بدأ وضع أطر التحالف (الامبروسلامي) الذي يقع على عاتقه تنفيذ هذه الإستراتجية، بإطلاق قناة (الجزيرة الفضائية) عام 1995م بإمكانيات مادية مهولة وفرتها دولة قطر الغنية وبخبرات غربية عريقة وحشد واستقطاب كوادر إعلامية لا يشق لها غبار من كافة دوائر الإعلام العالمية خدمة للأهداف التي من أجلها أنشئت وعلى رأسها تهيئة الملعب للإستراتجية القادمة وذلك بإحداث صدمة في وعي المواطن العربي الذي ظل لعقود يعاني من تضليل وسائل الإعلام الرسمية الخاضعة لإرادة الأنظمة القهرية الحاكمة ولفت نظره للجرائم التي ترتكبها تلك الأنظمة ومدى الفساد المستشري بين قادتها، وهنا يبدو الهدف نبيلا ومتسقا من رسالة الإعلام وفق المعايير المهنية ولكن لم يكن هذا هو الهدف الأساسي المنشود من إطلاق قناة (الجزيرة) فالهدف الرئيس ظل طي صدور بعض الدوائر الامبريالية ذات الصلة وقيادات إسلامية بعينها في مركز قرار التنظيم (الدولي للإخوان المسلمين) وانحصر في العمل المتأني على تحسين صورة تيارات الإسلام السياسي في المنطقة وتلميع شيوخها وذلك بإتاحة الفرص الإعلامية الغير محدودة أمامهم لتقديم أطروحات فكرية جديدة مواكبة لروح العصر عوضا عن تلك العتيقة التي ثبت بالتجربة فشلها فرأينا في هذا الصدد المراجعات الفكرية التي قدمتها قيادات التيارات السلفية المسجونة في مصر وشهدنا (المفاصلة) الشهيرة التي تمت في صفوف الحركة الإسلامية السودانية بين التيار المتشدد الرافض لبسط الحريات وتقديم تنازلات وتيار زعيم الحركة الشيخ حسن الترابي العليم بخبايا الأمور ويحاول جاهدا دفع النظام لتحسين صورته الشائنة اتساقا مع خطوات الإستراتجية الجاري التمهيد لها، كما شهدنا حراكا ونشاطا متصلا وسط شيوخ التيارات الإسلامية في كافة الأقطار العربية بتقديم برامج وأطروحات جديدة في لبوس عصري مقبول وعلى رأس هؤلاء الشيخ الترابي -الذي تحول لمعارض شرس لنظامه الذي أنشأه (نظام الإنقاذ) وبرنامجه الحضاري الذي سكب فيه عصارة جهده الفكري وأفنى في صياغته وإعداده زهرة شبابه- والشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية وعصام العريان القيادي في حركة الأخوان المصرية ومن خلفهم المنسق العام للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين الشيخ القرضاوي الذي منح الجنسية القطرية ومعها أعطي الحقّ الحصري للإفتاء على قناة (الجزيرة) فلعب الشيخ دورا محوريا في إضفاء الشرعية على أنظمة حكم وقادة دول مرضي عنها وتجريم تلكم المغضوب عليها وتحليل دماء قادتها وكل هذا وفق المخطط له من الإستراتجية المتفق عليها!!.

بانطلاق قناة (الجزيرة) امتلكت إمارة قطر التي اختيرت لقيادة التحالف (الامبروسلامي) ضلعين من مثلث القوة هما (القدرة المالية والإعلامية) وتبقى الضلع الثالث المتمثل في القدرة العسكرية وهذا ما وفرته الولايات المتحدة الأمريكية بتحويل مركز قيادة قواتها في الخليج من قاعدة (الخفجي) بالمملكة العربية السعودية إلى قاعدة (السيلية) القطرية وبهذا اكتمل الظروف الموضوعي لنجاح الإستراتجية الجديد وتبقى الظرف الذاتي المتمثل في نجاح تيارات الإسلام السياسي في تسويق نفسها وبرامجها كبديل للأنظمة القائمة خاصة في الدول (العاصية) أو تلك التي انتهى دور قادتها العملاء وأضحوا كروتا محروقة.

كان اختيار قطر كربان لسفينة التحالف (الامبروسلامي) صادما لكثير من الدول ذات الحجم خاصة السعودية مما أدى لتوتر في العلاقات بينهما لم يهد ألا بتدخل سيدة العالم الجديد (أمريكا) التي حبذت الإمارة الصغيرة (قطر) لعدة أسباب أهمها تمتعها بقيادة بروغماتية شابة ذكية وشجاعة تحسن اللعب على كافة الحبال دون أن يطرف لها جفن فهي من ناحية لها علاقات وطيدة مع تيارات الإسلام السياسي وصلت حد التبني ومن ناحية أخري منفتحة في علاقاتها مع الغرب ومطيعة لدرجة استقبال أميرها الشيخ حمد لوزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة (زيفي ليفني) وفتح مكتب تمثيل تجاري كخطوة أولى نحو التطبيع، هذا بجانب توفر فائض من الأموال القطرية التي يمكن توظيفها لنجاح الإستراتجية دون أعباء مالية تقع على عاتق الدول الغربية، أضف إلى كل ذلك استقرار نظام الحكم وعدم وجود معارضة قطرية تعيق قيادتها للتحالف.

** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.

تيسير حسن إدريس 19/11/2011م

تعليق واحد

  1. هذا السؤل يجب اتوجهه الى نفسك لمصلحة من تعمل انت ولمصلحة من تحاول أن تضلل وتكذب لاجود شخص ينظر ان توجهه لمصلحة من تعمل قناة الجزيره

  2. عزيزي الكاتب , بعد التحية
    السياسة في كل مجتمع تتبع و لو ظاهريا قيم و اعراف ذلك المجتمع و بالتالي فان المجتمعات الاسلامية و بحسب طبيعة الدين الاسلامي الذي يحكم كل صغيرة و كبيرة في حياة المسلم , فان هذه المجتمعات لا بد ان تدخل الدين في السياسة و في كل اوجه الحياة

    الدول الغربية تعرف هذه الحقيقة و تعرف ايضا ان النخب و الاحزاب العلمانية التي حكمت بعد زوال الاستعمار كانت مفروضة على هذه المجتمعات و علماء الاجتماع لدى الدول الغربية يدركون هذه الحقيقة , لذا لا يوجد اي تحالف بين التيارات الاسلامية و الحكومات الغربية و كل ما في الامر ان التجارب اثبتت للحكومات الغربية ان الاحتواء افضل من المواجهة و هذا ما يحدث

    من الطبيعي ان يكون لاي قناة مثل الجزيرة اهدافها و سياساتها التي ربما كانت مصلحية بحتة تصب فقط في مصلحة اصحابها و تصدق جماهيرها احيانا و تخدعهم بين الفينة و الفينة و لكن لا يمكن ان تقوم اي قناة بما نراه من تغيرات في العالم العربي
    القنوات عبارة عن ادوات مساعدة على انجاح الحدث و لكنها لا تصنع الحدث

  3. المصريين اذا كانوا اخوان او مجموعة الانقاذ هم اللذين فرضوا انفسهم علي القنوات لكي تنحاز كل الي فئة وبدلا ان نتباكي علي انحياز الجزيرة افرضوا انفسكم على القنوات بالاعتصامات والمظاهرات ودعوا الجزيرة وشئنها هل اذا تحولت الجزيرة 180درحة وانحازت الي الفئة الثانية هل سيفيدنا في شيئ

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..