أخبار السودان

دبلوماسية الهاتف تبقي الجيش السوداني في مفاوضات جنيف

كشف المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيريلو الجمعة عن لجوئه إلى دبلوماسية الهاتف للتواصل مع الجيش يوميا بشأن المحادثات، التي دعت لها واشنطن في جنيف والتي تستهدف تحقيق اختراق على صعيد تقديم المساعدات للمتضررين من الحرب، بالتوازي مع الاجتماعات التي تتم مع ممثلي قوات الدعم السريع في سويسرا.

وقال بيريلو “نقوم بإجراء الاتصالات الهاتفية بكثافة… يمكن للجميع في هذا التحالف الدبلوماسي (ممثلو السعودية ومصر والإمارات والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وهيئة إيغاد) التحدث إلى قيادة القوات المسلحة وقيادة قوات الدعم السريع”. وأعلن نائب قائد الجيش الفريق أول شمس الدين كباشي الخميس أن الحكومة لن تذهب إلى جنيف لاستئناف المفاوضات مع الدعم السريع إلا لوضع جدول زمني لتنفيذ إعلان جدة ولن تستطيع أي جهة أن تملي عليها ما تفعله.

وكانت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية (تقدم) أعلنت الخميس أن من المتوقع أن يشارك وفد من الجيش في محادثات جنيف، وأن رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان “وافق على لقاء الوسطاء الدوليين برئاسة الولايات المتحدة لوضع الترتيبات والآليات اللازمة لتنفيذ اتفاق جدة 2”. وشدد المبعوث الأميركي الخاص على أن محادثات جنيف تحقق بعض النجاح وأنها أتاحت تسليط اهتمام دولي على الحرب في وقت بدا اهتمام العالم ينصرف بعيدا عنها.

وأكد أن المصريين والسعوديين والإماراتيين والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي “يساعدون في قيادة جزء كبير من (جهود) الوساطة”، إلا أنه أقر بأن تحقيق تقدم بشأن وقف النار والمساعدات الإنسانية كان “أسهل… حضوريا. لكن بفضل سحر الهواتف وأمور أخرى، رفض الحضور (من قبل الجيش) لم يؤد إلى تراجعنا”.

وتستخدم واشنطن سياسة العصا والجزرة في التعامل مع حكومة بورتسودان، فهي بدت ليّنة في التعامل معها سياسيا عندما قبلت بعقد اجتماع في جدة قبل أيام، وأخرجت من الأدراج قرارا خشنا سابقا بشأن تقديم مكافأة بقيمة خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن القيادي السابق بحزب المؤتمر الوطني المنحل أحمد هارون، لردع قيادات الجيش بأن هذا الملف يمكن فتحه وتوسيع نطاقه إذا لم تستجب للانخراط في مفاوضات جنيف مباشرة أو عن طريق الاتصالات الهاتفية.

ونشر برنامج مكافآت العدالة الجنائية العالمية التابع لوزارة الخارجية الأميركية تغريدة على حسابه بمنصة إكس دعا من خلالها إلى المساهمة في تحقيق العدالة لضحايا هذا المجرم (أحمد هارون) المطلوب من جانب المحكمة الجنائية الدولية بسبب اتهامه بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور إبان فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير.

ويعني التلويح بورقة هارون أن إصرار الحكومة السودانية الموالية للجيش على تطبيق اتفاقات جدة الخاصة بانسحاب قوات الدعم السريع من المدن، مرتبط بتسليم الجيش قيادات المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية ممن هربوا من سجن كوبر بعد اندلاع الحرب، وتمسك الجيش بشرطه يعني تمسك الدعم السريع أيضا بتسليم هؤلاء.

وأكد المحلل السياسي السوداني حاتم إلياس أن الجيش، أو في الواقع “ميليشيا الحركة الإسلامية”، وضعت كل المواطنين “رهينة” لتفاوض بهم الضمير الأممي المنحاز إلى قضية السلام والشعب السوداني، وأتى ممثلو جهات ودول عدة إلى جنيف مدفوعين بموقف تضامني مع الشعب في مأساة هذه الحرب الكارثية.

وأضاف إلياس في تصريح لـ”العرب” أن ميليشيا الحركة الإسلامية التي ترتدي بزة الجيش وجدت في مأساة الشعب فرصة عظيمة للظفر بأكبر قدر من المكاسب السياسية، وقد حققتها بالفعل باعتراف المنظومة الدولية (الولايات المتحدة) بشرعية الجيش السياسية وبموقع البرهان كرئيس لمجلس السيادة والوضع العسكري للجيش في التفاوض.

وأوضح المحلل السياسي السوداني أن الجيش رفض الذهاب إلى جنيف، لأنه بحث عن وصف واعتراف سياسي دولي أكبر من أنه جيش فقط وطرف في المعركة، وقد تكون الحركة الإسلامية حققت مكسبا سياسيا، لكنه غير أخلاقي إطلاقا، وهي أصلا غير معنية بما هو أخلاقي.

وقال إلياس لـ“العرب” سواء حضر أو لم يحضر وفد البرهان إلى جنيف، فقد وضع والحركة الإسلامية في تاريخهم نقطة سوداء تؤكد إمكانية التضحية بكل شيء حتى معاناة الشعب من أجل البقاء في السلطة، لافتا إلى أن الخطأ الذي وقعت فيه المعارضة السودانية أنها تحدثت عن اختطاف الجيش ولم تسم الأشياء بمسمياتها، وهو أن الجيش بات “ميليشيا الحركة الإسلامية وجزءا من تطور تنظيمات الإسلاميين”.

وبدا إعلان الجيش الخميس عزمه على فتح معبر أدري الحدودي مع تشاد في غرب السودان لمدة ثلاثة أشهر للسماح بإدخال المساعدات، إشارة إيجابية من جانبه للمجتمع الدولي، ودليلا على إمكانية أن تحدث دبلوماسية الاتصالات الهاتفية تقدما. وأكد المبعوث الأميركي الخاص للسودان أن فتح المعبر “كان مطلبا أساسيا على مدى أشهر، للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى بعض أنحاء دارفور التي واجهت أقصى ظروف الجوع والمجاعة”.

وقال الباحث السوداني الشفيع أديب في تصريحات لـ”العرب” إن العقوبات الأميركية التي فرضتها على أفراد وقادة من التنظيم الإسلامي من قبل يمكن أن يكون اللجوء إليها له تأثير كبير في تغيير سلوكهما وإنهاء القتال، وقد يعود الجيش إلى المفاوضات، كما أن واشنطن ترمي من وراء التلويح بها إلى وقف الاقتتال وإعادة المسار الديمقراطي.

وأشار إلى أن الجيش السوداني سيتضرر من فرض المزيد من العقوبات الأميركية، باعتبار أن لديه مصالح ومؤسسات تحتاج إلى تعاون دولي، ويمكن أن يصبح تأثير هذه العقوبات أكبر على تحرك قادة التنظيم الإسلامي في صفوف الجيش.

وشدد أديب على أن قبول البرهان بالتفاوض مباشرة أو عبر اتصالات هاتفية يعبر عن استجابة للضغوط الأميركية، خاصة أن الرجل ليس لديه موقف ثابت، فتارة يدعم الحسم العسكري، وأخرى يعلن القبول بالتفاوض والسلام، وغالبية مواقفه مركبة ولا يعرف ماذا يريد بالضبط وأن جماعات إسلامية وضعته في مواقف ضبابية، متوقعا حدوث اختراق في ملف التفاوض والسلام قريبا.

العرب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..