يحي فضل الله

الوزير و عصاته الغاضبة

في غمرة الحماس للتكاتف والتعاضد مع منكوبي الكوارث التي تسببت فيها السيول والامطار التي اجتاحت البلاد في العام1988م حاولت وزارة الثقافة والاعلام من خلال المجلس القومي للاداب والفنون ان تستقطب عدد من الفعاليات الفنية للمساهمة بعروضها الفنية في جمع اموال تعين المتضررين من الكوارث ، وصلت لجماعة السديم المسرحية دعوة لاجتماع بالمجلس القومي للاداب والفنون وكانت الدعوة بتوقيع وزير الثقافة والاعلام انذاك عبدالله محمد احمد ، كلفتنا جماعة السديم المسرحية ومعي الاخ الصديق الممثل الرشيد احمد عيسي لحضور هذا الاجتماع واعلان موقف الجماعة بعدم المشاركة كموقف ضد مواقف هذا الوزير تجاه العمل الثقافي والاعلامي وان هذا الوزير كارثة في حد ذاته ،كارثة اجتاحت العمل الثقافي والفني وتحتاج هذه الكارثة الثقافية لتضافركل جهودالفعاليات الثقافية لازالتها لان هذه لكارثة المتمثلة في هذا الوزير حرمت عافية الديمقراطية من الوجود داخل جسد الحراك الثقافي والفني وذلك من خلال قرارات منع ومصادرة الحرية الثقافية كعنصر مهم في ممارسة الديمقراطية ، ان ابتسامة الممثلة الاستاذة تماضر شيخ الدين من خلال اعلان مسرحية في التلفزيون تحرض ارادة القبح لدي الوزير فيامر بايقاف هذا الاعلان ، اغنية عذبة للمغني الراحل المقيم خليل اسماعيل تجعله يصرخ عبر التلفون في ادارة التلفزيون ويمنع ظهور هذا الفنان المتميز علي الشاشة الغشاشه في عهد وزارته وفي عهده ايضا توارت اعمال النحت الموجودة بالمجلس القومي للاداب والفنون خجلة وناجية من قرار تحطيمها وكان قد تم تجميعها في زقاق ضيق مجاور لدورة المياه بل ان بعضها قد حطم في عهده ، و في عهده ايضا فقد المهتمون بالثقافة والفنون احلامهم و امانيهم في حياة ثقافية كثمرة من ثمار الديمقراطية
مبكرا ذلك الصباح تحركنا ، قبلها كان الرشيد احمد عيسي قد بدأ يخستك بفكرة السيول و الامطار و الكوارث ، كان قد اشعل سيجارته بعد ان وضع كوب الشاي امامي
(( هسه نحن يا يحيي ياتو نوع من المتضررين ؟ ))
و اتمادي في تحريض الرشيد و رغبته في إنفلات صباحي متداعي
(( نحن بتاعين القطر ))
و تفرقع ضحكة الرشيد مجلجلة و يتجه نحو القطر والقطر هوصالون مستطيل طويل ، كان ملاذا في شتاءات ايام بيتنا في الجميعاب -امدرمان – ، في البداية كنا نصر وبنوع من الاتفاق الخفي ان يكون القطر خاليا من اي سراير او كراسي ، كنا نفصله فارغا ، كنا نستثمر هذا الفراغ في بروفة لفكرة مرتجلة وان نتوسد الجابرة ونحن في حالة قراءة لنص مسرحي محتمل و عمر الدوش مستلقيا يصطاد الافكار و يطالب بعد إستطرادت بتدوينها و تمادي قاسم ابوزيد ففرش القطر ببروش من دلالة الجمعة في السوق الشعبي امدرمان ، كان القطر فراغا نشكله نحن كم اتفق إلا ان جاء يوم وحشرنا بداخلة كنبتين من الخشب
، الكنبتان كانتا من ضمن ديكور مسرحية ( الزنزانة ) للكاتب هارولد كملاخراج الاخ الصديق عادل سعيد قمنا بعرضها انا و الرشيد في إحتفالية باليوم العالمي للمسرح في السابع و العشرين من المارس 1987م بمسرح الفنون الشعبية وبدخول الكنبتين داخل القطر دخلت فعاليات اخري في استخدام القطر خصوصا المزج بين الجلوس و النوم علي الكنبتين و البروش المرصوصة في اركان الفراغ يتوسطها منقد و عبد الله الشماسي يتوسل برقراق من ضوء الشموع و ينشل لحمة من الحلة البتجقجق ، قاسم ابو زيد هو صاحب فكرة هذه الشموع و قد إستأنسنا هذة الفكرة هاربين من توقع انقطاعات التيار الكهربائي المتكرر ، علي ضوء هذه الشموع تتخافت و تتعالي النقاشات و تشتبك العوالم و نتجسر فينا حد الشعر و الاقصوصة و حد المنلوجات التراجيدية النقية التي عادة ما تنتهي باغنيات و اغنيات
انهار هذا القطر في امطار وسيول العام 1988م ، قاسم ابو زيد هو من شهد هذا الانهيار العظيم فقد كان وحده في البيت وكنت انا في (قباتي) ، انهار القطر وطمرت الكنبتين و البروش و بعض دفاتر و اوراق و صور وبوسترات و شنطتي الحديدية وخافت ضحكنا و القهقهات وشموع لم تشعل و اخري في ذاكرة الاشتعال ، انهار القطر وحولناه الي رمز و مرموز لما لاكته اجهزة الاعلام وبتكرار عبثي لهذا الثلآثي من الكلمات – السيول و الامطار و الكوارث -، كان القطر مقاما حميما دمرته السيول و الامطار و الكوارث
وضع الرشيد كباية الشاي علي التربيزة بهمة واضحة
(( نقوم علي الجماعة ديل ))
نهضنا و قبل خروجنا من البيت انحرفت نظرات الرشيد نحو موقع القطر قائلا (( عوالم إندفنت هنا )) ، خرجنا مبكرين الي مباني المجلس القومي للاداب و الفنون – بالخرطوم شرق – حاملين قرار جماعة السديم بعدم المساهمة في مشروع يدعو اليه الوزير عبد الله محمد احمد
تناثر المدعوون لذلك الاجتماع في فناء المبني و محمد المهدي عبد الوهاب اكثر المتحمسين لذلك المشروع لعلاقته به كمقرر في لجنة تنظيمه و بحكم عمله بالمجلس ، في إنتظارنا لذلك الاجتماع وصل السيد الوزير ، يرتدي جلابية من الدمور و عمامة خيل لي و قتها انها تساهم بشكل من الاشكال في اسلوب تفكيره الجامد ، يحمل عصا ملوية ويقدل و خلفه تركض حاشية تعلمت كيف تتألف خطواتها مع الزيف و الكبكبه وحين مر الوزير و حاشيته المهرولة من امامنا همس الرشيد في اذني مستعيرا من المدرسة الابتدائية قصة الثعالب و مزرعة البطيخ – (( ها قد جاء صاحب المزرعة بعكازته الغليظة )) إتجه الوزير و حاشيته المهرولة نحو المبني المجاور للمسرح وهومبني ادارة الفنون التشكيلية بالمجلس وحين وصل الي هناك وقعت عيونه علي احد اعمال النحت في مدخل المبني ، العمل النحتي حمته ملامحه التجريدية من ان يقذف به في ذلك الزقاق الذي قذفت فيه باقي الاعمال المنحوتة ، نظر الوزير الي ذلك العمل النحتي المجرد و كنا قد إقتربنا من ذلك الموكب الزائف ، نظر الوزير الي ذلك العمل النحتي بعد ان توقف امامه و طبعا توقفت كل الحاشية تدعي الاهتمام و فجأة زمجر الوزير و التمع منه الوجه بغضب واضح و رفع تلك العصا وضرب بها العمل النحتي ضربة قوية وصاح في وجه الاستاذ مكي سنادة -(( ده شنو ؟ ، انا ما فاهم حاجة )) و لاذ الاستاذ مكي سنادة بحرج يتواري خلف إبتسامة من الصعب ان تعلن عن ملمح فيها فما كان من الرشيد احمد عيسي إلا ان اشهر ضحكته المجلجلة علي طريقة – فليمد ابو حنيفة رجليه – اشهر الرشيد ضحكته راكضا بها مبتعدا عن مسرح تلك الجريمة الثقافية النكراء و يبدو ان تلك الضحكة الواضحة و الصاخبة المرارة قد اصابت ذلك الوزير بالدونية فبدلا من يحضر ذلك الاجتماع الذي دعي هو اليه والذي جاء ليحضره كما هو معلوم و معلن ، بدلا عن ذلك تحركت به خطواته الي خارج المجلس القومي للاداب و الفنون تاركا للاستاذ مكي سنادة عبء ذلك الاجتماع الذي انتهي الي لاشئ وكنا قد اعلنا موقف جماعة السديم المسرحية من هذه المشاركة بخروج الرشيد السافر من الاجتماع و تبعته انا مؤكدا ذلك الموقف و لم تتوقف إسهامات الوسط الفني و الثقافي في تفعيل الدعم بمختلف وسائله من خلال العروض الفنية من اجل المتضررين من السيول و الامطار و الكوارث و لكن من خلال نشاط اهلي لايمت بأي صلة لوزارة عبد الله محمد احمد تلك اللاثقافية و اللا إعلامية ، ان الدهشة وحدها لاتكفي حين نراجع مواقف لوزراء في فترة الديمقراطية الثالثة و حتي لا انسي اذكر ان احد وزراء الثقافة والاعلام في العهد الديمقراطي الاخير اصر و فضل ان تصور كاميرا التلفزيون الابقار التي اهداها اهالي الجزيرة إسلانج لاحد الرموز الطائفية السياسوية بدلا من ان تصور هذه الكاميرا ندوة ثقافية مهمة كانت تقام بقاعة الشارقة

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. رغم القبح الذي اظهره الوزير المنافق.. اعظم ما في الديمقراطية ان الرشيد ضحك كما شاء ولم تصادر ضحكته او تدك اسنانه..كما انكم اعلنتم موقفكم وانسحبتم ولم تركض خلفكم الكلاب البوليسية الامنجية..ضحكتم وانسحبتم ونمتم امنين..

  2. ياخ والله انت زول تحفة تحسس الانسان بى نشوة غريبة ورغم انى املك عدم موهبة لكن كتير بغير منك بمصاحبتك لثلة من الادباء والموههوبين وبعدين قصة لو كانت عن تذكر موقف معين زى موقف الاجتماع ده الزول بحس انو الموضوع قصة او مسرحية لك التجلة

  3. الغالي يحي لك الحب والتحية انت يا من تعلمنا الكتابة . ايها الدرويش السائح . قلنا قديما يمكن للانسان ان يحيي بدون التشكيليين والفنانين وبدون مسرح ولكن اي حياة تلك . كادوقلي التي كانت تموج بالفرح والبشر الذين يحبون الفن لدرجة انهم يجعلون اجسادهم لوحات متنقلة من الوشم . وعندما يغطونها وهم كارهون تلم اللوحات , تحمل ثيابهم كل الوان الطيف. مدرسة كجا والكبيسة القديمة وكل ذلك الجمال الذي ياتي متمخطرا من اعلي الجبال . كل ذالك الفن والرقص حاربوه بأــسم الدين . حتي فريق السوق رحل اهله وماتت الحركة وموقف البصات واللواري صار موقفا للجيش . اكتب عزيزي نحن نحتاجك
    شوقي

  4. كلما اقرا للمبدع يحى فضل الله
    تنتابني نوبة بكاء
    -حزنا على ماض جميل عشت بعض سنواته
    -فخرا بانسان سوداني رمز نبيل مبدع
    -قلقا على مستقبل مجهول نحمل تشاؤماته..و يحمل اطفالنا بذر ازدهاره.
    لك الود والتحيةوللاحياء من اصدقاءك
    والرحمة لمن فارق دنيانا
    كل عام وانتم بخير

  5. ونزيدك كمان يا اخ يحيي العوض عن هذا الوزير الكارثه الذى اعلنها داوية فى سوابق القرون وسوالف ألأزمان وكانها اعظم منجزاتو فى هذا العالم الفسيح انه هو من قام بتجنيد الحبيب ألأمام الصادق المهدى للأنضمام لجماعة ألأخوان المسلمين فى كلية الخرطوم الجامعيه سنة 1953
    * من عجابو وغرائب تصرفاتو عند جلوسه على كرسى وزير التربية والتعليم كثانى وزير تربيه فى العهد ألأنقاذى البئيس والذى سعى للوصول اليه سعيا حثيثا مستغلا انتماءه ألأخوانى منذ اايام دراسته فى حنتوب التى جاءها بشهادة تسنين (تقدير السن) تفيد انه من مواليد سنة 1932 (تاريخ ميلاد الترابى) بينما حقيقة انه يكبر الترابى وابناء دفعتو باربعة سنوات حسوما اذ هو اساسا مولود عام 1928. جاءت به ألأنقاذ باعتباره احد كوادر”ألأخوان” القدامى ومكافأة له على لعب دوره فى حزب ألأمه بكووول مهاره واتقان التصاقا بالحبيب ألأمام ايام فترة الديموقراطيه التالته بعد ألأنتفاضه هذا فضلا عن انجازه العظيم بتجنيد سيد شباب ألأنصار واكبر احفاد السيد عبدالرحمن المهدى (الصادق الصديق المهدى) ابوه (الصديق) لم يكن فى اى وقت من الاوقات من المساندين او المؤيدين لجماعة ألأخوان) الى الجماعه سنة 1953 فى كلية الخرطوم الجامعيه كما ورد دكره سابقا..
    نرجع ال اول منجزاتو فى وزارة التربيه التى كانت منتهى مشتهاه ومبتغاه بعد ألأنتفاضه وهاهو قد ظفر بها بعد سعى حثيث طوال سنوات الديموقراطيه .. جلس المدعو عبدالله محمد احمد على كرسى كان يجلس عليه الرجل الضرب عبدالرحمن على طه .. اول قرار اتخذه واصدراول فرماناتو كان تخفيض حصص تدريس اللغة ألأنجليزيه فى المدارس الوسطى والثانويه مع توجيه معهد SELTI (معهد تدريس اللغة ألأنجليزيه) بألأنصراف الى تدريس اللغات ألماليزيه والسواحيليه ولغة الهوسا) بحسبان ان الأنجليز لم يقدموا للسودان شيئا بل انهم كانوا “بياخدو قطنّا لتشغيل مصانعم فى لآنكشبر” او كما قال – فض فوه-
    * من اغرب غرائب تصرفاتو ان هذا العبدالله محمد احمد فر من روما (حينما ارسلته ألأنقاذ سفيرا لها وضلع فى فضيحة ماليه ) ذهب الى “اين؟الى بريطانيا – اللى امر بالتقليل من تدريس لغتها – ذهب اليها طالبا اللجوء السياسى احتماءا بها من عضب جماعته ومساءلته عن افعالو فى سفاره السودان فى روما… فتأمل!!!

  6. أستاذ الأجيال المبدع العفيف الشفيف المتواضع كم نحبك ونحب كتاباتك أتزكر يا أستاذ يحي عندما إلتقيتك بالصدفة والساعة تقترب من منتصف الليل وأنت راكب على تلك الحافلة المتهالكة القادمة بالقرب من شارع المشتل لم ألتقي بك من قبل لكن كنتا ألتقي بك يومياً في كتاباتك(أسئلة ليست للإجابة)(مصطفى سيد أحمد) سألتا صديقي وصاحبي وأخي صخر أتعرف ذا الشخص الذي يركب معنا هذه الحافلة قال لي من تقصد؟ قلتا له الذي يرتدي القبعة المميزة– قال لي أراه قلتا له أتوقع أن يكون الأستاذ يحي فضل الله فهل أتجرأ وأسأله؟ فقال لي أسأل البسأل ما بتوه!!! فسألته فقلتا له هل أنت الأستاذ يحي فضل الله فقال لي نعم في هذه اللحظة تمنيت ألا ينتهي بي المشوار حتى أتأمل في تلك الشخصية الجميلة…. متعك الله بالصحة والعافية ي رقيق القلب ي إنسان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..