مدرسة رئيس الوزراء الجديدة

خطاب السيد رئيس الوزراء أمام البرلمان وردوده على مداولات النواب كانت تعكس مؤشرات مهمة لفهم ما في ذهن الحكومة من أفكار وخواطر لمواجهة تحديات إصلاح الحال أمام آمال عريضة كانت قد بنتها الحكومة في خيال المواطنين قبل رفع العقوبات..
إفادات السيد رئيس الوزراء كانت ما بين الوعد والوعيد.. لكننا التقطنا من وعدها ما يختصر علينا تكرار حديثنا بضرورة استبدال الطاقم الذي يدير الاقتصاد.. لأن السيد رئيس الوزراء عبر عن ذات الفكرة ربما بصورة أوسع حين تحدث ليس فقط عن استبدال رجال الاقتصاد الغارقين في إحباطات الفشل كما طالبنا بل هو يرى ضرورة تغيير ذهنية ادارة الإقتصاد في بلادنا بشكل كامل ويقول (إن الاقتصاد في البلاد بحاجة إلى مدرسة جديدة بعد فشل كل المساعي السابقة)، وهذا ما طالبنا به في أول مقالات ما بعد رفع العقوبات منذ أسبوعين وكررنا المطالبة به قبل يومين..
كما أن الجملة المفيدة الكاملة التي قدمها السيد رئيس الوزراء كانت صريحة ودقيقة تستبق نهاية سنوات البرنامج الخماسي بحكم استباقي لكنه موضوعي وعملي جداً وهو يقر نصاً بـ(فشل كل المساعي السابقة)..
هذا باب جيد للانتظار المأمول والترقب الحافل بأفضل التوقعات لو تمكنت الحكومة بالفعل من اعتماد مدرسة جديدة كلياً في إدارة اقتصاد السودان.. جديدة في ذهنيتها وأسلوب عملها وقيمة أفكارها وعلمية خططها وبرامجها.. مدرسة يقودها خبراء الاقتصاد السوداني بعيداً عن معايير الولاء السياسي أو الموقف الفكري.
هناك عدد لا يستهان به من خيرة خبراء الاقتصاد السوداني أصحاب العقول المبتكرة والخبرات والنجاحات خارج السودان لا نريد أن نروج لأسماء محددة منهم لكن مرحلة الانفتاح الاقتصادي بعد رفع العقوبات تستوجب انفتاحاً كاملاً في عقلية التعيين والتكليف والاختيار للمناصب.
الحكومة التي تريد أن تحدث نهضة حقيقية يجب أن تستفيد قيادتها من جميع الإمكانيات الوطنية المتاحة.. وحين نستخدم كلمة (متاحة) فإننا لا نتحدث عن إطار الموجود في المتناول من خبراء الاقتصاد الذين من السهل على الحكومة استدعاؤهم من حولها، بل نتحدث عن ضرورة توسيع مجال الاختيار ورفع سقف الخيارات ليشمل كل خبير سوداني مهما كانت مواقفه الأخرى وانتماؤه السياسي لأن مجرد إقرار الحكومة بمبدأ إتاحة الفرصة وتقديم الدعوة لجميع هؤلاء ليأتوا ويساهموا بفكرهم وخبرتهم في خدمة البلد، هو في حد ذاته يمثل دليلاً عملياً على تغيير حقيقي في ذهنية السلطة وتغيير مهم يكفي لجعل كل محب لهذا البلد من هؤلاء الخبراء يتجاوز من جانبه ما تجاوزته الحكومة معه من اختلافات سياسية أو فكرية في مستوى المشاركة في خدمة البلد وهي تقدم دعوتها له كخبير اقتصادي وطني ليتولى موقعاً من مواقع المسؤولية في القطاع الاقتصادي.
المدرسة الجديدة سيدي رئيس الوزراء تحتاج لذهنية جديدة لإيجادها وتوفيرها وتحتاج لرجال اقتصاد جدد.. وقد جربتم كل من هو موجود ومتاح أمامكم خلال الفترات السابقة فلم يتحقق النجاح المطلوب حسب إقراركم الصريح الذي تفضلتم به.
اجعلوا خيارات المدرسة الجديدة خيارات جديدة أو على الأقل خيارات يتمازج جهدها وفكرها مع أفضل من هم في الداخل من خبراء اقتصاديين حتى يحدث تكامل وتلاقح يحقق هذا الهدف الطموح.
والمدرسة الجديدة التي تحدثتم عنها لو تكونت بهذه التشكيلة المتنوعة من أفضل خبراء الاقتصاد السودانيين فستجعل المسؤولية التاريخية عن الأداء الاقتصادي في المرحلة القادمة ليست مسؤولية فكر محدد أو تنظيم سياسي حاكم بل مسؤولية يتحملها الجميع .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
اليوم التالى