عربي | BBC News

ذكرى ولادة بوذا: من هو وكيف عاش؟

يحتفل البوذيون في 19 مايو بالذكرى 2565 لميلاد سيدهارتا غوتاما، الفيلسوف والمعلم الروحي الذي يعرف ببوذا، أو “المتنوّر”.

تستعاد هذه الذكرى من قبل الملايين حول العالم، في الهند والصين وبنغلادش وكمبوديا وكوريا وغيرها، من خلال اضاءة المصابيح المستوحاة من شكل زهرة اللوتس.

ويسمى يوم بوذا أيضاً يوم “فيساك”، وهو يوم ميلاد بوذا، واليوم الذي بلغ فيه حالة التنور، واليوم الذي توفي فيه كذلك، في عمر الثمانين. وفي بعض البلدان، يصادف مهرجان “فيساك” في 26 أيار/مايو هذا العام.

تختلف المراجع التاريخية حول الموعد الدقيق لولادة غوتاما، خصوصاً أن التدوينات الأولى التي تشير إلى ذكره في التاريخ، كتبت بعد وفاته بمدة زمنية طويلة.

كذلك، فإن الفروق بين التقويمات المعتمدة اليوم، والتقويمات الشمسية والقمرية القديمة في جنوب شرق آسيا، تجعل من الصعب تحديد عام ميلاده على وجه الدقّة.

لكن هناك ما يشبه الإجماع على أنه ولد عام 563 قبل الميلاد في سفح جبال الهيمالايا النيبال، ابناً لأودودانا قائد قبيلة شاكيا، وزوجته مايا.

ويعتقد أيضاً أنه تنقل خلال حياته بين عدّة مدن في شبه الجزيرة الهندية حاملاً تعاليمه، ثم توفي في الهند في عام 483 قبل الميلاد.

تمثال ليشان بوذا العملاق عند نقطة التقاء ثلاثة أنهار في الجزء الجنوبي لمحافظة سيشوان، بالقرب من مدينة ليشان في الصين
تمثال ليشان بوذا العملاق عند نقطة التقاء ثلاثة أنهار في الجزء الجنوبي لمحافظة سيشوان، بالقرب من مدينة ليشان في الصين VCG

ولد سيدهارتا في مجتمع يعتنق الديانة الهندوسية، وكان لتعاليمها أثر كبير على حياته، ولاحقاً على مساره الروحانيّ.

بحسب الأساطير، يعتقد أن الملكة مايا، والدة بوذا، رأت في المنام أنها ستلد معلماً روحياً أو قائداً عظيماً، ولذلك منح اسم سيدهارتا الذي يعني “الإنجاز المثالي”.

أراد والده الملك أن يصير ابنه حاكماً وليس معلماً، لذلك حماه خلال طفولته من كل أشكال الألم والأسى. عاش سيدهارتا حياة من الترف، وحرص والده على تأمين كل متطلباته كي لا يرحل.

كبر سيدهارتا، وبات شاباً كريماً وطيباً. وفي سن السادسة عشرة، تزوّج من قريبته ياشودارا. هنا، بدأت رغبته برؤية العالم تكبر، وعندما بلغ التاسعة والعشرين، بات يخرج في رحلات قصيرة بعيداً عن القصر، ليكتشف أحوال الناس في المدينة حيث عايش تجارب أثرت على حياته وفلسفته.

رأى سيدهارتا رجلاً عجوزاً للمرة الأولى، ومريضاً للمرة الأولى، وجثة للمرة الأولى. كذلك التقى برجل مقدس يبحث عن الحقيقة، وعن سبل تخفيف شقاء الناس.

تلك المشاهدات تسببت بأسى عظيم لسيدهارتا، لأن حياته المترفة حالت دون معرفته بالشيخوخة والمرض والموت، ولذلك أراد البحث عن سرّ المعاناة، ليضع حداً لها.

هكذا، قرر أن يترك قصر عائلته وزوجته، وينطلق في رحلته بحثاً عن الإجابات. تخلى عن كل مقتنياته، وعن ملابسه الباهظة، لكي يحاول أن يفهم أكثر معنى الشقاء.

بائع متجول يفرز الفوانيس لبيعها قبل مهرجان فيساك، الخاص بذكرى ولادة غوتاما بوذا وتنويره وموته، في العاصمة السيرلنكية كولومبرو، في 18 مايو/ أيار 2021.
بائع متجول يفرز الفوانيس لبيعها قبل مهرجان فيساك، الخاص بذكرى ولادة غوتاما بوذا وتنويره وموته، في العاصمة السيرلنكية كولومبرو، في 18 مايو/ أيار 2021. AFP

زهد سيدهارتا غوتاما بالملذات، وعاش حياة بسيطة خالية من الممتلكات والمتع، وجرب التأمل المنضبط، وصام لفترات طويلة. لكنه كسر صومه مرة، ليأكل بعض الأرز، ما جعله يلاحظ أنه لم يجد بعد حلّاً للغز القضاء على المعاناة. من هنا، رأى أن الطريقة المثلى للحياة هي ما بات يسمّى “بالطريق الوسطى”، أي إيجاد نقطة وسطية بين الاسراف والحرمان.

واصل غوتاما التأمل لفترات طويلة، ما جعله يبلغ مرحلة التنوّر، ولقب حينها بالبوذا، أو “المتنوّر”.

أسس بوذا جماعة الرهبان البوذيين الأولى أو السانغا، وتضم أشخاصاً يسعون لتكريس حياتهم للانضباط ولتعاليم الدارما أو حقيقة الوجود.

نقل بوذا فلسفته وتعاليمه للرهبان الأوائل شفاهياً، ولم تجمع في نصوص مكتوبة الا بعد مئات السنوات من وفاته.

كورية تحتفل بمولد بوذا في معبد جوغي في سيول في 19 مايو/ أيار 2021
كورية تحتفل بمولد بوذا في معبد جوغي في سيول في 19 مايو/ أيار 2021 GETTY IMAGES

الهدف من تعاليم بوذا انهاء الشقاء البشري، من خلال النظر السليم، والنية السليمة، والكلمة السليمة، والعمل السليم، وكسب الرزق السليم، والجهد السليم، والذهن السليم، والتركيز السليم.

هذه الأفعال تشكل عجلة دارما الثمانية الأضلع، وهي واحدة من حقائق البوذية الأربعة. أما الحقائق الثلاث الأخرى فهي: أن المعاناة حتمية، وأن البشر يعانون لأنهم أسرى للرغبة، وأن الحرية تنتج عن التحرر من الرغبة.

وقد شرح بوذا هذه الحقائق في العظة الأولى بعد بلوغه الاستنارة الكاملة.

تتطلب هذه التعاليم الممارسة، وليس إيماناً بفكرة غيبية ما، لذلك ينظر إلى البوذية كفلسفة حياة أكثر من كونها ديانة، لأنها لا تحيل إلى وجود خالق ماورائي أو آلهة.

ومن أبرز تعاليم بوذا، أن الحياة عبارة عن حلقات متتالية من الولادة والحياة والموت والبعث، بمعنى ألا شيء يبقى على حاله.

يسعى البوذيون من خلال تعاليهم لكسر حلقة الشقاء تلك، وبلوغ الحرية الكاملة المتمثلة بالنيرفانا.

سيدهارتا غوتاما أو بوذا هو الوحيد بين مؤسسي الديانات الكبرى المتبعة إلى اليوم، الذي لم يختبر حالة غيبية، بل بنى تعاليمه وفق تجاربه الخاصة، وبعد سنوات طويلة من التفكير والتأمل.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..