ملكى اكثر من الملك

يجب الا يستغرب احد ان الاسلاميين من ابناء الهامش قد ساهموا بفعالية فى انقلاب الحركة الاسلامية الذى اوصل البشير الى سدة الحكم فى ليل يونيو المشؤوم . وقد كانت الحركة تدرك تماما ان الشعب السودانى لن يقبل بها لذلك عمدت الى استخدام اساليب الخداع والنفاق والتضليل ثم اساليب البطش والتدمير والتنكيل. والتدمير الاشد قسوة كان هو الذى طال البنية الاجتماعية فخرب الاخلاق والقيم وشرد الملايين وفتح ابواب الهجرة من الخارج بالتسهيل والترغيب حتى يجد اهل السودان فى اخر المطاف انهم اقلية فى وطنهم. نعم الاسلاميون يحلمون بان يتحقق هذا الحلم فى المستقبل القريب

فى عام 1993 اوكل عراب النظام حسن الترابى امر وزارة التخطيط الاجتماعى المنشاة لتوها الى على عثمان طه المحامى. ولان الغرض الاساسى لهذه الوزارة كان نسف بنية المجتمع السودانى ثم اعادة البناء من جديد, فقد اختير على عثمان لانه الاكثر خبثا ودناءة من بين الاسلاميين ولانه ينفذ بلا تحفظات وبلا رحمة كما تحدث وكتب البعض عنه وحمله المسؤولية عن العنف الدموى الذى صاحب فشل عملية اغتيال الرئيس المصرى الاسبق حسنى مبارك

ان اهداف التخطيط الديموغرافى او الاجتماعى لا تشمل فقط تنظيم المجتمع والتخطيط لمستقبل السكان وتنميتمهم الاجتماعية والسلوكية وتسهيل تنفيذ الخطط المركزية, انها تتعدى ذلك الى محاولات الحكومات الدكتاتورية تشريد السكان وطمس تاريخهم ومحو الاثار او نقلها بشتى الوسائل وتغيير اسماء الاماكن والمؤسسات. والجانب الاسوا فى الهندسة الديموغرافية هو الذى قام به اول وزير للتخطيط الاجتماعى فى السودان

لقد اكتسبت الهندسة الديموغرافية سمعة سيئة على مدى التاريخ لانها ارتطبت بالتدمير الفظيع للمدنيين وقراهم وتجمعاتهم السكانية والزراعية وغيرها. والامثلة الواضحة فى هذا المجال هى حروب الابادة الجماعية التى حدثت للارمن فى تركيا العثمانية ولليهود على يد النازيين فى اوربا وللتاميل فى سرى لانكا وللروهينجا فى ميانمار(بورما) وللاكراد على يد صدام حسين فى العراق وللافارقة فى رواندا والسودان. وفى كل هذه الحالات كانت تستخدم الة الدعاية الحربية لتجريم الضحايا اما ياعتبار ان سلوكياتهم غير اجتماعية كما حدث لليهود فى اوربا او انهم يريدون تدمير النخب الحاكمة ومحو الارث الحضارى والثقافى والدينى للبلد كما هو الحال فى اغلب النماذج

وفى السودان لم تستخدم وزراة التخطيط الاجتماعى اساليب التخطيط الديموغرافى الجيد الذى يعمر المدن والقرى ويرفع من مستوى حياة الافراد والجماعات ويحسن معيشتهم, بل عمدت الى استخدام الاساليب العنيفة ومنها اسلوب الصدمة. ان اسلوب الصدمة هو من افظع الاساليب المستخدمة فى فركشة المجتمعات وهو يعتمد على تاثير الصدمة التى لا تعطى فرصة للفرد لكى يفكر ويتدبر امره. ومن امثلة ذلك حروب الابادة والمشاريع الكبرى التى تشرد عشرات الالاف من الناس مثل مشاريع السدود والتخطيط غير المدروس وغير العلمى والواسع للمدن وقطع الغابات بهدف الزراعة الكثيفة. وفى كل الاحوال كانت النتيجة هى تشريد الناس من قراهم ومدنهم وتفرقهم ايدى سبأ. حدث هذا بدرجة اقل فى شمال السودان وشرقه والجزيرة لكن الكثافة كانت فى النيل الازرق ودارفور وجبال النوبة وما زال التشريد مستمرا

ان الولاء الاول والاخير فى الحركة السلامية هو للتنظيم لذلك نجد ان الكثير من ابناء الهامش قد ساعدوا فى تدمير مجتمات اهلهم بالقتل والتشريد. وتقلد بعضهم مناصب عليا فى وزارة التخطيط الاجتماعى سيئة الذكر. ومثال لهؤلاء احد ابناء جبال النوبة, هذه المنطقة التى وهبتنا اعظم النساء والرجال. ولد الرجل هناك لكن طموحه لم يقف عند حد فدرس حتى حصل على الدكتوراه ثم اصبح رئيسا لقسم فى جامعة الخرطوم. لكن سعادة الدكتورة اختار بعد ذلك الطريق الخطأ ورضى بالمنصب على ان يغمض عينيه حتى لا يشاهد مناظر الدم والموت والتشريد والدمار والابادة التى طالت ابناء منطقته

وليس غريبا ان يكون ابناء الهامش فى الحركة الاسلامية هم الاشد تطرفا والاكثر عنفا ودموية و ” شايلين وش القباحة” كما يقول المثل الشائع. وليس غريبا ان يتولى بعضهم مهمة المنافحة الخشنة واستخدام العنف اللفظى والترويج المبكر لحملة التمديد للرئيس البشير وترشيحة لفترة رئاسة جديدة رغم مخالفة هذا الامر للدستور مخالفة صريحة. ان الدافع الرئيسى لتشدد هؤلاء هو شعورهم بالنقص وان المطلوب منهم ان يثبتوا ان ولاءهم هو ولاء لا شك فيه ولا باطل يجرؤ ان يتقدم نحوه قيد انمله

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..