مقالات سياسية

إنشاء مفوضية مكافحة الفساد من أجل سودان نزيه وديمقراطية مستدامة (2-3)

 عبد الرحيم خلف الله محمد علي

كما سلفت الإشارة في الجزء ١/٣ من هذا المقال ،فإن النظام البائد عندما إلتفت إلى هذه الموضيةعسى ولعل أن تنجيه من الطوفان ، كانت براكين الثورة قد فاض بها الكيل وتفجرت حمماً ملتهبةفي وجه الإستبداد والفساد غير آبهة بمثل هذه المسرحيات والمناورات السياسية المستهلكة !!

بإستعراض مدى إمتثال الإطار القانوني السوداني legal framework للفصل الثالث من إتفاقيةالأمم المتحدة لمكافحة الفساد “التجريم و انفاذ القانون” يمكن القول فيما يتعلق بالتجريم أن كافةالجرائم المنصوص عليها في ذلك الفصل مضمنة في عدد من القوانين السودانية تتمثل في قانونمكافحة الثراء الحرام والمشبوه والقانون الجنائي وقانون مكافحة غسل الأموال والإرهاب وقوانينأخرى ، وتشمل تلك الجرائم الرشوة والإختلاس والإثراء غير المشروع وغسل العائدات الإجرامية ،ولكن تكمن المأساة في عدم ” انفاذ القانون” لانعدام الإرادة السياسية في مكافحته و يتمثل ذلكفي وضع النصوص القانونية التي تعيق الملاحقة و العقاب مثل التوسع في منح الحصاناتالقضائية و التعسف و التعقيد في اجراءات رفعها، بالرغم من أن هذه الحصانات لا أصل لها فيالشريعة الأسلامية التي يتشدق النظام البائد بتطبيقها!! لذلك ان كان لابد من الحصاناتالقضائية فانه يتعين إعادة النظر في الحصانات القضائية المنصوص عليها في القوانين الحاليةلتتسق مع إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تنص على أن تتخذ كل دولة طرف، وفقاًلنظامها القانوني ومبادئها الدستورية ،ما قد يلزم من تدابير لإرساء أو إبقاء توازن مناسب بينأي حصانات أو إمتيازات قضائية ممنوحة لموظفيها العموميين من أجل أداء وظائفهم وإمكانيةالقيام ، عند الضرورة ، بعمليات تحقيق وملاحقة ومقاضاة فعالة ضدهم في حال إرتكاب أي منالأفعال المجرمة وفقاً لتلك الإتفاقية. أيضا من النصوص القانونية التي تعيق ملاحقة المفسدين ومعاقبتهم المادة 13 من قانون مكافحة الثراء الحرام و المشبوه لسنة 1989 و التي تجيز لكل فاسدأثرى ثراءا حراما أن يحلل نفسه أو زوجه أو أولاده القصر في أي مرحلة قبل فتح الدعوى الجنائيةضده و ذلك برد المال موضوع الثراء، و للمفارقة فان الشرط الذي وضعته هذه المادة ليستفيد منهاكل فاسد هو فقط أن يوضح الكيفية التي تم بها الاثراء !!! و السؤال الذي يثور: بما أنه لا يتم فتحدعوى جنائية و بالتالي لن تأخذ التحريات مجراها من قبل النيابة المختصة ، فكيف اذا يجوزعقلا الأخذ بما يدلي به ذلك الفاسد حول حقيقة قيمة المال الذي أثرى به ؟ و كيف يتسنى الركونالى مصداقيته حول بيان الكيفية التي تم بها الأثراء ؟ لاشك أن هذه المادة بنصها الراهن تفتحثغرة كبيرة للعبث بالمال العام أذ أنها توفر ملاذا آمنا لكل فاسد في حال انكشاف أمره ، و قدشاهدنا تطبيقا سيئا لها فيما عرف بقضية مكتب الوالي.

كذلك من المسائل التي تتطلب إعادة النظر مدة التقادم المنصوص عليها في قانون الإجراءاتالجنائية بحيث تتسق تلك المدة مع ما نصت عليه اتفاقية الامم المتحدة بأن يتم تحديد فترة تقادمطويلة فيما يخص الجرائم المنصوص عليها في تلك الإتفاقية وعلى أن تحدد فترة تقادم أطول أويعلق العمل بالتقادم في حال إفلات المتهم من يد العدالة .

أختم بالقول أن تجريم القوانين السودانية لكل أفعال الفساد المنصوص عليها في إتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد رغم أهميته، إذ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، إلا أن مجرد النص علىتجريم تلك الأفعال لا يكفي لمكافحة الفساد ما لم يقترن برغبة صادقة وإرادة سياسية أكيدةلتطبيق وإنفاذ تلك النصوص في الممارسة العملية ، وهوما كان يفتقره النظام البائد مما أدى إلىتفشي الفساد بصورة هيكلية جعلت السودان يتذيل مؤشرات الفساد العالمية حيث إحتل السودانالمركز 172 من182 دولة وبمعدل درجات 16 من 100 وفق مؤشر منظمة النزاهة الدوليةTransparency International عن العام 2018م .

في مقال لاحق – باذن الله – سأتناول إسترداد الموجودات/الأصول المتأتية من جرائم الفساد وفقاًلإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، مع إستعراض لمذكرات أمانة مؤتمر الدول الأطراف في تلكالإتفاقية بخصوص تنفيذ بنود الإتفاقية المتعلقة بـ “التعاون الدولي” و “إسترداد الموجودات” من قبل الدول التي يعتقد على نطاق واسع أن رموز النظام البائد حولوا إليها عائدات جرائمالفساد التي إرتكبوها .

عبد الرحيم خلف الله محمد علي
مستشار قانوني،،،
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..