سوق الخُرد..!

في طريقي الى سوق الخضار (الملجة) بالسوق الشعبي أمدرمان، استوقفني صوت رجل ستيني يُدين ويشجب وضع السوق الشعبي أمدرمان وسوق الخُرد، بعدما استسلمنا لنفايات ومياه الأمطار جاءتنا فرِّيشة الخرد، فقال “والله فترنا من أمدرمان ووسخها وقرفها وعدم التزام مسؤوليها”.. نتمنى لو أتى صحفي وكتب وصوّر هنا بدل حاجاتهم دي.. وساقني الفضول الصحفي لذلك الستيني ووقفت جوار سيارته وأدخلت رأسي داخل نافذة السيارة.. دون أيّة مقدمات… ما بك ياعمي؟ ارتبك قليلاً لتصرفي الذي أدهشه وأدهش من معه في السيارة.. والصحافة معك ليطمئن لي.. أخرجت هويتي الصحفية وسريعاً ابتسم وعرّفته بنفسي.. فقال لي أين أنتم يا ناس (التيَّار) تعالوا شوف الدنيا الحاصل فيها شنو؟! فدعاني لجولة بسيارته لنطوف منطقة السوق الشعبي أمدرمان والخُرد والملجة.
تحقيق: محمّد الخاتم الحلاب
الذكري المنسية.!!!
عند ذكر الملجة أمدرمان (سوق الخُضار) تأتي إليك صورتها الذهنية الملوثة في الفوضى والعشوائية والإهمال الإداري المُريع، فمنذ أكثر من أربع سنوات ظلت المجلة قابعةً في مكانها هذا وتدعي المحلية بأنّها مُؤقّتة، وانّها تشيد مبان جديدة، حتى كاد ينفد مداد الصحف لتطرقهم الكثير لهذه القضية ولا حياة لمن تنادي، “والحال ياهو نفس الحال وفي جوّاي صدى الذكرى”.. فهنا الكل غاضب ولم يعجبه الوضع المُزري، فالتجار يجأرون بالشكوى ويطالبون بتدخل عاجل لفك الارتباط بين الخضار والقاذورات والنفايات التي باتت تُحاصره من كل جانب وتنظيم السوق حتى يليق بالمُواطنين الأكارم، ويستنكر المواطن نصر الدين الفاتح الفوضى العارمة التي تجثو على السوق، ويرفض بشدة افتراش الخُضار على الأرض ووضع البهائم والكلاب الضّالة “والحمير والكواري” داخل السوق، ويتحدث نصر الدين بحدة تتسق مع وضع السوق الكارثي، قائلاً: تُعتبر الملجة أمدرمان أكبر رافد للخضار في ولاية الخرطوم بعد السوق المركزي، يتبضع منها محليات “أمدرمان وكرري وأمبدة” ويأتي إليها الخُضار من كل ولايات السودان ويُوجد بها الخضار المُنتهي الصلاحية.
العشوائية تمشي على قدميْن!!
فدُون تردد ركبت بجواره في سيارته، وقُمنا بجولة داخل الملجة، حيث الخضار يفترش في الأرض وغير موضوع على ترابيز عالية، ويوجد فيه الذي تعفن من الإهمال وسُوء الحفظ الجيد، وفي الجانب الآخر هنالك سوق الخرد والمناطق المجاورة لها، فرأيت بأم عيني العشوائية المريعة التي تجثو على هذا السوق الكبير نسبةً للاعتداء على الشوارع الرئيسية والفرعية من قبل الباعة الجائلين والفرّاشة وأصحاب البهائم، التي بدأت تظهر في الشوارع الطرفية للسوق الشعبي وتكاثرت أعدادها مع اقتراب عيد الأضحى، بجانبها ازدادت كمية المياه الراكدة أمام المستشفى الصيني بأمدرمان الذي يقع في حدود محليتي أمدرمان وأمبدة، وتقع المستشفى الصيني فى جزيرة من البهائم مع تخمر روث الحيوانات أصبحت الرائحة لا تُطاق، والغريب في الأمر أن هنالك محلات للأكل والكل يأكل مُستمتعاً دون أن يشعروا بالغثيان، أعتقد أن هذا يؤدي الى كارثة بيئية وصحية في المنطقة كما قال أحد التجار بالسوق.
ذبح الخرفان في السوق..!
بالقرب من المستشفى الصيني أمدرمان، هنالك عدد كبير من أصحاب البهائم الخراف على وجه التحديد التي تكاثرت مع اقتراب عيد الأضحى، الكثير منها نفق ووضع في مجاري الصرف الصحي والبعض تتناوشه الكلاب الضالة وانبعثت منها رائحة كريهة لا تُطاق، والمارة يغلقون أنفوهم ويطلقون في الكلمات النابئة ويلعنون من تسبب في هذا وترك البعض يتأذون منه، وفي الاتجاه الآخر نصبت خشبة ضخمة فى راكوبة متينة وعلق فيها خروف مذبوح والدم يسيل، وبالقرب منه هنالك خروف على وشك ان يسلخ.. شَدّني المنظر واقتربت منهم وبادرتهم بسؤال مباغت، لماذا تذبحون في السوق؟ ردّ عليّ أحد الذين كانوا يساعدون فى الذبح، قال دخل الخروف في حالة غريبة ولم نستطع أن نجعله يتعذب في ألمه.. قاطعه أحدهم قائلاً: “كل هذا بسبب الملح الذي يُخلط مع الماء كَي يَشرَبَهُ الخروف وينتفخ ويبدو سميناً حتى يدر مبلغاً مُحترماً”.

سيادة قانون الغاب..!
لا يُمكنك السير ما لم تضع كمامة حول أنفك وربما تدمع عينك من الروائح النفاذة، اعتداء الفرّيشة وأصحاب الخرد على الشارع الرئيس والمَنفذ الوحيد المُؤدي من شارع الامتداد بغرب الحارات الى السوق الشعبي والمستشفى الصيني بأمدرمان، وكان لأصحاب الشاحنات دورٌ في إغلاق الطرقات جراء غسيلهم للعربات في العراء مما كان سبباً رئيسياً في عرقلة الحركة المرورية وضاق لدرجة حتى الدرداقات لا تستطيع الدخول وسط تلك الشوارع وبين فرّيشة الخرد، وشَكَا عَدَدٌ من المواطنين لـ (التيَّار) من الفوضى العارمة التي تعم السوق دون رقيب او حسيب، وطالبوا محلية أمدرمان للوقوف على الأوضاع الكارثية بالسوق وإحداث تغيير جذري بالسوق بدلاً عن تركيزها على الجبايات والضرائب.
النفايات تسيطر على السوق..!!
وخلال تطوافي بالسوق، رأيت النفايات في كل موضع وكل زقاق ومجاري الصرف الصحي مُمتلئة بالمياه الآسنة وتعوم فيها الأوساخ والقاسم المشترك في ربوع السوق.
سُوق الخُرد..!!
سُوق الخُرد يقع شمال الملجة ويختص ببيع قطع الغيار المُستعملة للسيارات، الحديد الصلب يغلق الطرقات ويدع ممرا صغيرا للمارة، كل الظواهر السالبة والإهمال الإداري قابع بهذه الرقعة من السوق.
مَشهد ثانٍ
شاحنات وجرارات وبقايا المواد الحديدية لا أدري ما فائدتها لكنها أغلقت الشوارع بصورة ازعجت المارة، فكانت سبباً مباشراً في شكاوى أصحاب المحلات التجارية التي دفع أصحابها ضرائبهم وكل الجبايات الأمدرمانية بمسمياتها المُختلفة مُقابل أن ينعموا بتجارتهم دون عراقيل من أي نوع.
ولكن لجشع الوحدات الإدارية لمحليتي أمدرمان وأمبدة كانت السبب في الفوضى التي يعيشها سوق الخُرد.. أغلقت واجهات المحلات التجارية بسبب التصاديق المؤقتة ولأغراض وأساليب غابت عنا.. فكتب اصحاب المحلات الشكاوى والمذكرات الى الجهات المسؤولة ولكن لا حياة لمن تنادي..!
أوضاع مأساوية
الزائر لمنطقة السوق الشعبي أمدرمان والملجة والخرد والأحياء المجاورة، يشاهد الاعتداءات على الشوارع وتدهور مُستوى البنية التحتية وبرك المياه وفريشة الخرد يفترشون الزلط ببضاعتهم وأكوام الحديد التي أغلقت الطرقات من كل الاتجاهات، ويشاهد أيضاً الترابيز وسط الشوارع مما جعلها منطقة خارج السيطرة عليها ويزداد الوضع سوءاً في قلب شارع المُؤدي من بداية شارع الامتداد غرب الحارات الى المستشفى الصيني بالشعبي أمدرمان.. اعتداء كامل على الشارع وبعلم محليتي أمدرمان وأمبدة وهو الشارع الفاصل بين تلك المحليتين..
فمن الصعب جداً أن تجد شارعاً نظيفاً خالياً من الفريشة والخُرد في تلك المنطقة، وزاد الأمر سوءاً عندما يقومون بإيجار دراجاتهم الى الصبية مقابل بضعة جنيهات.. وأصحاب الطبليات وترابيز السندوتشات والعصائر.. فلا تعلم مَن البائع ومَن المشترى من شدة الازدحام..!
سُؤال
طَرَح المُواطن تساؤلات عن أسباب غياب الرقابة في تلك المنطقة التي اختلف شكلها عن بقية أسواق العاصمة.. الى متى يكون سوق الخُرد بهذه الصورة..؟ حملنا تساؤلاتنا واتجهنا صوب الوحدة الإدارية للسوق الشعبي وحي العرب.. وعند وصولنا كان اليوم تجاوز نصف اليوم بساعة او قليل، فسألنا عن الموظفين فلم نجد من يجيبنا.. وعند خُروجنا وجدنا أحد العمال بالوحدة الإدارية للسوق الشعبي جلس جوار المدخل الرئيسي، فبادر بسؤالنا عن مَن نبحث..؟ فقلنا عن الموظفين.. أها اليوم الخميس وكل الموظفين بخرجوا بدري لأن عطلة نهاية الأسبوع ولم يعودوا الا يوم الأحد (فاذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت الرقص والطرب)، اذا كان يخرج الموظفون منذ الساعة الثانية عشرة ظهراً فمن المراقب والحسيب..؟ فالكل يعمل على هواه فخرجنا واتجهنا صوب إدارة النظام العام بداخل الملجة فوجدنا أحدهم يحتسي في القهوة مع البخور، والآخر يتمدد على مقعد ورجليه على تربيزة.. فمن تسأل النائم أم الذي يحتسي القهوة بالبخور..؟!
لا جدوى لهم
كل يوم يتضح لنا بأنه لا جدوى من تقسيمات ومسميات الوحدات الإدارية لأنّهم لا يقومون بواجباتهم وكل شخص فيهم يتلهى بحاجاته الخاصة الى متى..؟!
سوق الخُرد والملجة..!!
قال العم نور الهدي إنّ حالة السوق كارثية وروائح كريهة وشوارع مُغلقة واعتداءات على الشوارع، افتقد السوق الشعبي أمدرمان كل المقومات الأساسية البسيطة للأسواق، ناهيك الناحية الجمالية للأسواق فإنها كارثة حقيقية يا والي الخرطوم ويا معتمد أمدرمان وأمبدة..!
من هنا، ندعوك يا والي الخرطوم إلى زيارة السوق الشعبي أمدرمان والملجة وسُوق الخُرد وتكون الزيارة مُفاجئة دون علم المعُتمد نفسه حتى لا يُغيِّر وجهتهم ببرامج مختلفة..
وكشف الصنايعي أحمد محمّد عن الحملات الدورية الثابتة في بداية العام، وأضاف احمد عندما يأتي شهر واحد من بداية كل عام لا تجد السوق في هذه الحالة، لأننا أصبحنا نعرف متى تقوم المحلية بالحملات، وعند انتهاء الموسم يرجع كل منا الى مكانع ويعود حال السوق كما رأيته انت.
غضب التجار..!!
شَكَا تاجر الخُرد حسين الأمين من الوضع الكارثي داخل السوق، وقال: “والله نحن أصبحنا لم نستطع أن نعمل جراء إغلاق الطرقات والشوارع كلها مغلقة ولا حتى ندخل محلاتنا من الفرِّيشة.. رفعنا شكاوينا للمحلية والجهات المختصة ولكن لا حياة لمن تنادي.. الصباح بنوقف عرباتنا بعيداً جداً من محلاتنا الحالة دي ليها زمن طويل، واستغلوا الزلط، والمواصلات بتقيف في نص الشارع مما شكلوا عبئاً علينا في عيشتنا ومعيشة أولادنا”…
كما شَكَا محمد حسن من وضع السوق بأكمله وعاب على محلية أمدرمان عدم مقدرتها على تأهيل وتنظيم السوق.. وأنهى حديثه قائلاً: “السوق لا تستطيع الدخول اليها.. للمياه الراكدة والشوارع محفرة والأوساخ في كل مكان.. قدمنا بشكاوينا كثيراً وندفع رسوم النفايات والعوائد ولا توجد أيّة خدمات”.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..