خطبة الجمعة التي ألقاها الحبيب آدم أحمد يوسف نائب الأمين العام لهيئة شئون الأنصار بمسجد الهجرة بودنوباوي

بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة التي ألقاها الحبيب آدم أحمد يوسف
نائب الأمين العام لهيئة شئون الأنصار بمسجد الهجرة بودنوباوي
21 أغسطس 2015م الموافق 8 ذو القعدة 1436هـ
الخطبة الأولى
الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على حبيبنا محمد وآله مع التسليم، قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . قال الإمام مسلم ابن الحجاج في صحيحه:- حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة:- قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا، ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت عني فسألت أبي. ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال كلهم من قريش.) رواه البخاري من حديث شعبة عن عبد الملك بن عمير وفي رواية لمسلم أنه قال ذلك عشية رجم ماعز بن مالك. يقول ابن كثير في هذا الحديث دلالة على أنه لا بد من وجود اثنا عشر خليفة عادلا وليسوا هم بأئمة الشيعة الاثنى عشر، فإن كثيرا من أولئك لم يكن لهم من الأمر شيء ثم لا يشترط أن يكونوا متتابعين بل يكون وجودهم في الأمة متتابع ومتفرع وقد وجد منهم أربعة على الولاء وهم أبوبكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ثم كانت بعدهم فترة ثم وجد منهم من شاء الله ثم قد يوجد منهم من بقى في الوقت الذي يعلمه الله تعالى ومنهم المهدي الذي اسمه يطابق اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنيته كنيته يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، هكذا ورد في تفسير ابن كثير. المهدية فكرة قالت بها كل المدارس الإسلامية على اختلاف توصيفاتها وتواقيتها. ونحن أنصار الله أحباب الإمام المهدي عليه السلام جاءت مدرستنا المهدية- مهدية وظيفية لإحياء الكتاب والسنة المغبورين حتى يستقيما على حد مقولة الإمام المهدي عليه السلام (إنما أنا عبد مأمور بإحياء الكتاب والسنة المقبورين حتى يستقيما). وبدأت المهدية بالدعوة حيث طاف الإمام المهدي بكل المشايخ ودعاهم لإقامة الدين في حياة الناس وبعد الدعوة كانت الثورة التي بدأت بمعركة الجزيرة أبا الأولى حيث هجم المستعمرون على أنصار الله وهم يومئذ قلة وعزل إلا من سلاح الإيمان ورغم ذلك كان النصر حليفهم وهنا تحضرني مقارنة للبروفيسور موسى عبد الله حامد وهو يجتر ذكريات الصبا مقارنا بين ثورات البلاشفة وثورة الإمام المهدي عليه السلام، يقول البروفيسور موسى عبد الله حامد (وإني لأذكر كيف أننا على أيام الجامعة كنا ننشد التبصرة ونجتلي أمثلة القدوة من وراء الحدود. ولم نكن ندري أو لعلنا كنا نتجاهل من فرط الاستلاب الذي أصاب منا الفكرة والوجدان. أن تحت أقدامنا، وعلى امتداد رحاب تراب وطننا، تكمن كنوز غالية من معاني التضحية والفداء، وتتناثر وتتلألأ شواهد وأمثلة مضيئة للعبقريات الفذة الصادقة النبوءة. كننا نردد في انبهار مقولات البونابرت ونولسون وكرومول! كنا نعجب من قول لينين عن ثورة البلاشفة قبل وقوعها بأكثر من عام وكيف أن نبوءته كانت صادقة ودقيقة عندما قال “أمس كان مبكرا وغداً سيكون متأخراً” وهو يعني أن الظروف قد نضجت لإحداث الثورة والتحول المطلوب. وقد استغرق إحداث التغيير زمنا طويلا بعد هذه المقولة، وجاء بالطريقة التي جاء بها. أين هذا من ثورة الإمام المهدي التي بدأت بالآحاد من الضعفاء الحفاة وحققت من النصر ما هو أقرب للمعجزات. بل أين هذه المقولة النبوءة من مقولة الإمام المهدي ونبوءته الصادقة الدقيقة قبل معركة شيكان الشهيرة؟ لما رأى أصحابه عظمة جيش هكس أشفق بعضهم من ذلك فاقترحوا التوجه للأبيض حتى لا يأخذها العدو من وراءهم بغتة وعنوة. فقال الإمام المهدي نحن كالأرض والترك “أي جيش العدو” كالبصاق ونحن كالأرض والترك كالطير أيها الناس أثبتوا واطمئنوا وانزلوا رواحلكم واستريحوا فإن الترك لا قدرة لهم مع قدرة الله ثم قال غداً يوم الأحد نتوجه إليهم وفي صبيحة يوم الاثنين بعد أمرنا لكم بمحاربتهم إذا تأخر أحدكم لإصلاح نعله لا يدركهم أحياء. وقد صدقت هذه النبوءة بحذافيرها. وأما خطابه لغردون فيكفي دلالة على صدق نبوءته قوله له فيه وأقول لك في ذلك كما قال سليمان عليه السلام لبلقيس وقومها “أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ”. فكان أن فعل وصدقت نبوءته أيما صدق وأبان عن مقدرة فائقة في دقة الاستشهاد بالقرآن فهذا وأمثاله كامن في تاريخ بلادنا ولكنا كنا نلتمسه من غير هذا التاريخ ونستلهم ما هو أدنى منه من غير تراثنا إما جهلا أو غفلة وانسياقا وراء معاني شُغفنا بها طويلا حتى أُنسينا مكونات تراثنا القومي الرائعة على غير وعي منا أو بصيرة مستنيرة. فأعطينا غيرنا حقوقهم وزدناهم عليها وبخسنا ذوينا حقوقهم وانتقصناهم لها أسرفنا هنا وأقترنا هناك وأقل درجات الإنصاف أن تكون بين ذلك قواما). هكذا قارن البروفيسور العلامة بين هذه المدارس التي تدعي التقدمية وبين مدرسة المهدية فكان القِدح المُعلى لمدرسة المهدية التي نبعت من تراب هذا الوطن مجددة الدين في حياة الناس. ونقول إن المهدية حين ظهورها كان العالم الإسلامي كله مترقب ظهور ذلك المنقذ حتى أن أحد المسلمين في لاهور بالباكستان قال لو كان محمد أحمد دجالا لوجب علينا أن نتخذه مهديا منتظرا كل ذلك يعكس أشواق المسلمين وانتظارهم للمخلص ومقولة القائل: (كان مهدي جيت لينا وكان ما مهدي شين لينا). ومقولة البقارية التي قالت: (أبو فلجة داعور الفقرة سليتا كان مهدي تبعناك وكان فحل رجال فحولية تبعناك)، كل هذه تؤكد ضرورة ظهور منقذ للمسلمين فقد كان حال المسلمين في جميع أنحاء العالم الإسلامي يُنبئ عن احتياجهم لرجل يتقدم الصفوف ليمحو ما لحق بالمسلمين من عار وكانت الخلافة الإسلامية في تركيا قد أصبحت ذيلا للاستعمار بل تركيا نفسها كانت تكنى برجل أوربا المريض أما الخلافة العثمانية فقد كانت لعبة في يد الإنجليز حتى أن البابا العالي في استانبول هو الذي استنجد بالجنرالات الإنجليزية لإطفاء نور المهدية وكان شارلس جورج غاردون النمساوي الأصل اليهودي الديانة كان يمثل الساعد الأيمن للسلطان عبد الحميد التركي. بل كل هذه العوامل مشتركة جعلت كل المسلمين مترقبين ظهور المهدي وكان في السودان عدد كبير من مشايخ الطرق عدوا أنفسهم لتحمل هذه المسئولية وعندما أعلن الإمام المهدي مهديته والتف الناس حوله بايعه أغلب المشايخ بل أصبحوا أمراء في المهدية فكانت المهدية وعاءً جامعاً لكل أهل السودان وكان لسان حالهم يقول:
هواي هواي نسيروا للمهدي في قديرو
المهدي اب نورا ضوة الهزم ترك الكوة
المهدي نور البقعة في كتف خت رقعة
المهدي جاب جوابة منع الخمر والتابا
فكان الكل أنصار لله وصار الكل خلف مهدي الله، أما الإنجليز فكانوا هم الذين تسيدوا العالم وصارت بريطانيا تكنى بالامبراطورية التي لا تغيب الشمس عن مستعمراتها فقد حكمت بريطانيا الصين في أقصى الشرق ونيجريا وغانا في أقصى الغرب وامتد نفوذها حتى قارة استراليا كل هذه القوة تهزم أمام جند الله في أبا الأولى وفي معركة راشد بك أيمن وفي معركة الشلالي وفي جبل الجرادة وفي شيكان ثم يتوج كل ذلك النصر بفتح الخرطوم وقتل الجنرال شارلس جورج غردون فقد كُسر كبرياء بريطانيا. وظلت دولة المهدية ثلاثة عقود من الزمان دولة كاملة السيادة لها حدود جغرافية بلغت مليون ميل مربع من توشكي حتى أمادي الآن داخل الأراضي اليوغندية ومن سواحل البحر الأحمر وحتى منطقة وداي داخل الأراضي الشادية الآن وهذه الدولة لها عملة ولها جيش نظامي ولها علم ولها بيت مال ولها نظام دواوين، إذن كانت المهدية دولة بكل مقاييس الدولة في ذلك الزمان وظلت قائمة تقاوم العدو المشترك فكانت فرنسا من الغرب وكانت بلجيكا من الجنوب وكانت إيطاليا من الشرق وكانت بريطانيا العظمى من الشمال هكذا كانت أوربا بغضها وغضيضها مطوقة دولة المهدية إحاطة السوار بالمعصم ورغم هذا بقت الدولة ثلاثة عقود. وكان عبد الله بن السيد محمد هو رأس تلك الدولة وكان تقيا ورعا عابدا زاهدا عالما لكل تلك الصفات اختاره الإمام المهدي عليه السلام خليفة له. فلم يجمع بينه وبين الإمام المهدي صلة رحم ولا قبيلة ولا جهة ولكن كانت تلك الصفات الحميدة هي التي أهلته لأن يكون الخليفة الأول لذلك عند سقوط الدولة وجه المستعمر قلم مخابراته للنيل من مكانة ذلك الرجل القامة وذلك ردا على الهزائم المتكررة فقد صبوا جام غضبهم في النيل من شخصية خليفة المهدي وتلك هي حال المغلوب دائما وبعد سقوط الدولة جند المستعمر جيشا جرارا للنيل من المهدية فكانوا هم أعداء المهدية فاليوم منهم من كتب الروايات المسيئة والمليئة بالأكاذيب المضللة والتي استقوها من كتب المخابرات المهزومة.
أيها الأحباب اتصل علينا نفر كريم من أهلنا الجعليين الذين كانوا هم ضمن الوفد الذي زار منطقة السروراب الأسابيع الماضية لتعزية أبناء عمومتهم الجموعية وقالوا أن الشخص الذي تحدث حديثا مسيئا لخليفة المهدي لم يكن متحدثا باسمهم كما أوردت صحيفة الخرطوم. ونحن نحمد الله أن المتحدث لم يكن متحدثا باسم تلك القبيلة العظيمة التي رفدت المهدية بالأمير عبد الرحمن النجومي والأمير محمد الخير والأمير عبد السلام حاج بلة والأمير عوض الكريم كافوت وغيرهم من قادة الجعليين الذين أسهموا إسهاما عظيما في الدعوة المهدية وما زال أحفادهم على العهد باقين يحتفلون بذكرى أبي طليح كل عام في 17 يناير والجدير بالذكر أن سيدي خليفة المهدي قد صاهر الجعليين في منطقة العكد. وقال الذين حضروا اللقاء أنهم قد استنكروا على المتحدث حديثه المسيء لسيدي خليفة المهدي ونحن نجدد استنكارنا وشجبنا لذلك الحديث الذي لا يليق بمقام أولياء الله الصالحين وعلى رأسهم سيدي خليفة الصديق المقلد بقلائد الصدق والتصديق قائد جيش المهدية والمشار إليه في الحضرة النبوية سيدي عبد الله بن السيد محمد حمد الله عقباه في الدارين ولله در من قال في حقه:
دوب للبندورهم
دوب للبنزورهم
دوب للبنشورهم
وسماع منشورهم
دوب للمو ساهي
دوب للمو ملاهي
سيدي عبد الله تاج أهل الله
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً }
وقال تعالى في حديث قدسي**من آذى لي ولياً آذنته بالحرب)
الخطبة الثانية
أيها الأحباب، وفي نشاط هيئة شئون الأنصار الدعوي والفكري شارك الحبيب الإمام الصادق المهدي والحبيب الأمير عبد المحمود أبو في ندوة المؤتمر الدولي للمنتدى العالمي للوسطية وذلك تحت عنوان الإسلام في إفريقيا ومواجهة التطرف الديني في دولة نيجريا في مدينة لاغوس هذا وقد قدم الحبيب الإمام محاضرة عن التطرف والغلو وأضراره كما قدم الحبيب الأمين العام أيضا كذلك ورقة في ذات المعنى، كما شارك المكتب التنفيذي للهيئة في ندوة ظاهرة التطرف والغلو وسط الشباب- الواقع والتحديات التي أقامها الاتحاد الوطني للشباب السوداني بالاتحاد مع جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا وكانت كلمات أغلب المتحدثين هي عبارة عن تبريرات لا تساعد في حل المشكلة بل تحدث متحدث حديثا صريحا ومؤيدا لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) حيث قال أيهما أفضل لابنك أن يذهب إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أم إلى جماعة المخدرات. وهكذا بكل بساطة وضع فلذات الأكباد بين هذين الخيارين بل ذهب إلى أكثر من ذلك حيث قال من يذهب للالتحاق بالتنظيم سوف يتقاضى راتب شهري ما بين 1000 دولار إلى 5000 دولار شهريا ثم قال وإذا قُدر له أن يعود إلى أرض الوطن في المستقبل سيكون موعودا بحكم هذه البلاد. بهذا الوضوح وبهذه الصراحة كان حديث المتحدث الذي دُعي للحديث عن ظاهرة الغلو والتطرف وهذا يذكرني بالذين يشجعون الحرب في دارفور بقولهم (الحي مستفيد والميت شهيد) وكانت مشاركة الهيئة في تلك الندوة بهذه الكلمة:*
قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) . وقال صلى الله عليه وسلم (أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما). الإسلام دين الوسطية ويدع دائما للاعتدال ورسول الله صلى الله عليه وسلم كانت حياته كلها تدعو إلى ذلك النهج حيث قال (يسروا ولا تعسروا بشروا ولا تنفروا) ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال للسيدة عائشة رضي الله عنها (يا عائشة ما دخل اللين في شيء إلا زانه وما خرج من شيء إلا شانه) وقد أُنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) والنصوص في هذا الصدد تفوق حد التواتر إذاً الإسلام هو دين الاعتدال والوسطية والمتتبع لحياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم منذ البداية في مكة وحتى هجرته المباركة إلى المدينة كانت كل هذه الفترة الزمنية لم يغلظ رسول الله صلى الله عليه وسلم قط في حياته على أي إنسان مهما كانت شدة الخلاف معه بل حتى الذين آذوه وأخرجوه من دياره عندما عاد فاتحا ومنتصرا وقادرا على أن ينال منهم كانت كلماته هي ما تظنون أني فاعل بكم قالوا أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا أنتم الطلقاء. والسيرة على طولها وعرضها لم تذكر قط يوم أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه أغلظ أو تشدد في فعل مهما كانت شناعة الفعل بل كان يقابل السيئة بالحسنة ويدعو إلى الله بالتي هي أحسن لذلك دخل الناس في دين الله أفواجا اقتناعا وسماحة والله عز وجل يطلب من نبيه أن يدعو إليه بقوله (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) . والقرآن يدعو أهل الكتاب إلى الحوار والمقارنة (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) . بل القرآن يذهب إلى أكثر من ذلك فيدعو المخالفين إلى الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن في أسمى صور الحوار الموضوعي قال تعالى (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) واستمر هذا النهج خلال فترة الخلفاء الراشدين فكان ابن الخطاب على الرغم بما وصف به من حزم إلا أنه كان يبطن تلك الرحمة قال عنه شاعر النيل حافظ إبراهيم كلمات تؤكد هذه المعاني:*
في طي شدته أسرار مرحمة للعالمين ولكن ليس يفشيها
وبين جنبيه في أوفى صرامته فؤاد والدة ترعى ذراريها
وأيضا يصفه حافظ إبراهيم في أروع صور الرحمة واللين حيث قال:*
ومن رآه أمام القدر منبطحا خلف الدخان وفوه غاب في فيها
رأى هناك أمير المؤمنين على حال تروع لعمري الله رائيها
يستقبل النار خوف النار في غده والعين من خشية سالت مآقيها
وقد ظهرت ظاهرة التطرف والغلو عندما خرج نفر من أولئك الذين تشددوا حتى كفروا إمام المتقين علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه ومن ثم قاموا بقتله وظنوا أنهم بفعلتهم الشنيعة تلك قد تقربوا إلى الله قال قائلهم مادحا قاتل علي:
يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إنـــــــــي سأذكره يوما فأحسبه أوفــــى البرية عند الله ميزانا
ورغم غلوهم وتشددهم وتنطعهم هذا لم يكفرهم علي كرم الله وجهه وعندما سئل عنهم قال إخوتنا بغوا علينا، فكانت تلك هي أول ثلة خرجت عن المسلمين بتطرف وغلو وتشدد.
وفي عهدنا الحديث تعرضت بعض الجماعات الإسلامية لاضطهاد النظم الشمولية فأثر هذا التعامل على سلوكهم فأصبحوا جماعة متطرفة وهم داخل سجون النظم الشمولية ومنهم جماعة مصطفى شكري في مصر. وأيضا إبان فترة حكم جمال عبد الناصر فقد تعرض تنظيم جماعة الإخوان المسلمين للملاحقة وامتلأت بهم سجون نظام عبد الناصر وقد أثر هذا الاضطهاد في نهج بعض قادة الإخوان المسلمين وعلى رأسهم الشهيد سيد قطب. والداعية الإسلامي أبو الأعلى المودودي لم ينجُ من التأثير في نهج التشدد لذلك كانت تلك المدارس وإضافة إلى المدارس السلفية كل هذه كانت بيئة صالحة لنمو الفكر المتطرف الذي نما وازداد يوما بعد يوم حتى انتظم المنطقة العربية والإسلامية فتأثر كثير من الشباب المتحمسين لإحياء الدين ولكن هذا الحماس وجد مرجعيات تكفر الآخر لمجرد الاختلاف في الرأي أو الاجتهاد فصار الصدام بين المختلفين في الرأي بالقوة وظهرت ظاهرة السيخ وتطورت إلى السلاح الناري داخل حرم الجامعات والمعاهد العليا وبلادنا السودان لم تكن بدعا من تلك الديار التي انتظمت فيها ظاهرة التطرف والغلو وسط الشباب فقد كانت جامعة الخرطوم مسرحا للصدام بين الطلاب وأيضا جامعة القاهرة فرع الخرطوم وجامعة أم درمان الإسلامية وذلك في عهد مايو حتى سمي أحد الطلاب باسم السلاح الذي كان يحمله. واليوم أصبحت الظاهرة أكثر خطرا من ذي قبل حيث عمت جميع الجامعات الإقليمية فما من جامعة أو معهد علمي إلا وفيه معارك ضارية بين الطلاب وقُتل العشرات إن لم يكن المئات من الطلاب في هذه الأحداث المؤسفة التي عمت كل جامعات السودان فالواقع اليوم مرير يحكي عن ظاهرة ما كان ينبغي أن تكون وسط فئة مستنيرة مثل فئة طلاب الجامعات والمعاهد العليا ولكن هذه هي الحقيقة. ونقول إن حل تلك الأزمة لا يكون أمنيا إنما هو حل فكري وسياسي أما الناحية الفكرية فالمطلوب من علماءِنا الأجلاء الذين ينهجون نهج الوسطية عليهم أن يكثفوا من البحث في هذا الموضوع وكتابة العديد من الكتيبات والعمل على الندوات والمحاضرات وذلك لتوضيح نهج الإسلام الوسطي والمتسامح والداعي إلى الله بالحسنى والطريقة المثلى أما من الناحية الأمنية على النظام ألا يتعامل مع الطلاب والشباب المخالفين في الرأي بالسجن والتعذيب والتنكيل فالعنف لا يولد إلا عنفا أشد وكما هو معلوم في قانون الفيزياء لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومضاد له في الاتجاه لذلك إن التعامل الأمني مع المخالفين في الرأي لا يجدي بل يزيد من شدة اشتعال القضية فصاحب القضية وخاصة الدينية لا يثنيه الموت بل هو يبحث عن الموت لينال الشهادة في معتقده لذلك أجدر أن يكون نقاشه وحواره حتى يصل الجميع إلى كلمة سواء. فإن لم يقتنع عليه أن يعمل بحكمة الإمام الشافعي اجتهادنا صواب يحتمل الخطأ واجتهاد غيرنا خطأ يحتمل الصواب. فليعذر بعضنا بعض فيما اختلفنا فيه ولنعمل سويا فيما اتفقنا عليه حتى نصل إلى القواسم المشتركة، فلا يحق لك أن تكفر غيرك لصواب اعتقدته وهو يعتقد أنه خطأ ولنا في كتاب الله أسوة حسنة فعندما طلب القرشيون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعبد معهم آلهتهم ويعبدوا معه إلهه فكان الجواب (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ 2 وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ 3 وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ 4 وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ 5 لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) . على الرغم من أن القرآن لا يقر بدين قريش إلا أنه اعترف به كواقع ولكنه باطل إذاً علينا ألا نستعمل العنف وسيلة ولتكن وسيلتنا هي الحوار والمقارنة فإذا وصلنا إلى مشتركات فبها والحمد لله وإن لم نصل فليعمل كلا على شاكلته (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً) .*
الواقع والتحديات:
الواقع مرير ومؤلم وحزين نقول ذلك وإن أرتالا من الشباب من الجنسين وهم ينهجون نهجا متطرفا يكفرون المجتمع حولهم وظاهرة التحاق بعض الشباب من الجنسين بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يؤكد صحة ما ذهبنا إليه فالذين ذهبوا يعتبرون أن استشارة آبائهم وأمهاتهم ليست من الضرورة لأنهم لا يشاركونهم قناعاتهم في نهجهم لذلك سمعنا وقرأنا عبر وسائل الإعلام أن عددا من آباء وأمهات أولئك الشباب قد تفاجئوا بذهاب أبنائهم والالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية والسبب في ذلك كله هو البيئة التي نشأ فيها هؤلاء الشباب والجرعات التي تناولوها في منهاجهم وبعض الندوات والمحاضرات التي تحث على الأفكار المتطرفة، ونظام الإنقاذ في أيامه الأولى كان له القِدح المعلى في زرع تلك الأفكار المتطرفة فقد كانت أجهزة الدولة كلها تسير في طريق تعبئة الشباب للانخراط في صفوف المقاتلين والذهاب إلى الجنوب لنيل الشهادة. وعند عودة الكثيرين من أولئك الشباب لم يستطيعوا الاندماج في حياة الناس العامة بل جاهر أغلبهم بأفكاره المتطرفة حتى أودعوا السجون وأذكر أنني التقيت بالمدعو عباس الباقر الشاب الذي قتل المصلين في مسجد الجرافة التقيته في سجن كوبر وكلانا ضحية الحكم الشمولي إلا أنه كان يكفر الذين سجنوه ويكفرنا نحن لأننا لم نكفر الذين كفرهم وكانت له أفكار غريبة جدا تكفر كل المجتمع حتى أنه كان يعتقد أن أبواه وكل أقاربه كانوا كفارا لأنهم يحملون أوراق ثبوتية والعلة هي لأنهم تحاكموا إلى الطاغوت أي أنهم رضوا بأن يستخرجوا تلك الأوراق الثبوتية من دولة في نظره كافرة. فهذا هو الواقع علينا جميعا على اختلاف مذاهبنا ومدارسنا الفكرية أن نتحد ونتفق على أن الملزم لكل المسلمين من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القطعي ورودا ودلالة، فالقرآن كله قطعي الورود ولكن هناك آيات يختلف المسلمون في تفسيرها ودلالتها والأحاديث الملزمة هي المتواترة والمشهورة ولكن الظنية فليعذر بعضنا بعض في الفهم والاستنباط ولندعو إلى الاجتهاد المؤسسي والذي يكون فيه أهل التخصص في كل الشؤون الحياتية ولنتفق على أن وحدة المسلمين هي وحدة الهدف والمقاصد لا أن نكون صورة طبق الأصل من بعضنا بعض كل منا له أسلوبه في الدعوة فقط فلتكن الدعوة بالتي هي أحسن (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)*
أيها الأحباب، في الاسبوع المنصرم طالعتنا الصحف السيارة بعناوين رئيسة:*
فتيات سودانيات يلجئن إلى الشرطة السعودية*
ومفاد الخبر أن فتاة سودانية مغتربة بالمملكة تعرضت للضرب والتحرش الجنسي من قبل كفيلها وأبناءه وهي تعمل معهم في المنزل وكذلك أخريات تعرضن لمثل ما تعرضت له تلك الفتاة.
إزاء هذا الخبر نقول. في عهد الإنقاذ سمعنا وقرأنا ورأينا ما يُشيب رؤوس الولدان فقد كان المواطن السودان في المنطقة العربية والإفريقية المحيطة به يعتبر سيد الموقف بل كان يُشار إلينا بالبنان فقد عُقدت أول قمة عربية في الخرطوم وتصالح الزعماء العرب المتخاصمون في الخرطوم ورئيس وزراء السودان الأسبق السيد محمد أحمد المحجوب رُشح لرئاسة الأمانة العامة للأمم المتحدة وكان السودان قبلة أنظار العرب والأفارقة ولكن اليوم أصبحنا في ذيل الأمم بل أصبحت حرائرنا تُنتهك حرماتهن وذرارينا ما بين داعش والمخدرات وشبابنا هائمون على وجوههم فمنهم من لجأ إلى إسرائيل ومنهم من أكله البحر ومنهم من هو أسير أو قتيل في صحراء ليبيا وهكذا تفرقنا أيادي سبأ الله نسأل أن يلطف ببلادنا. اللهم جنب بلادنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
جزاك الله خيرا شيخنا ادم يوسف ،،
وجزى اللله خيرا المهدي وخليفة لمهدي وجميع من اصطفاه الله لتك المرحلة ،،
ونسال الله ان يجمعنا معهم ويجعلنا على سيرتهم و اعمالهم ،،
فذلك هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم
بارك الله فيك ،، اللهم اجمعني بالصالحين ولست منهم ،