لا تستفزوا الشعب.. فمعظم النار من مستصغر الشرر!!

المتابع في سجل الاعتصامات والعصيان المدني في الدول التى تغيرت أنظمتها الظالمة من حولنا سيدرك أن الاساءات و” الاستحقارات ” التي مارستها انظمة تلك الدول كانت وقود لتلك التطورات التي قد وصلت بهم الى قاع سحيق ولم تشفع لهم من بعد كل المعالجات و المداركات !!
فالإصرار على ” التصلب ” ، أو توجه بعينه في تفسير الحراك الاجتماعي قد يصرف الثلة المتمسكة بالحكم دائما عن مكمن الخطر، وقد تؤدي الاستهزاءات ، وتقليل شأن المطالبات للحق المشروع الى الضد فالمجتمعات ليست شيئا ثابتا، بل هي المتغير الاكبر. إنها الحاضن المتنوع الابعاد الذي تتحرك وتتفاعل داخله عوامل ومؤثرات قد لا تظهر على السطح في حالات قد يعدها النظام بأنها متفرقة.. إلا أنها تعلن عن نفسها بموجات أو أطوار تظهر بين الحين والآخر، وما تلك الوقفات القوية من شباب وشابات السودان في يومي العصيان المدني ومن قبله المظاهرات المتفرقة الا اكبر دليل على ذلك !! وكلما تكالبت ايدي النظام بالقمع والبطش تعاظمت قوة الشعب وازدادت وحدته وصلابته !!
فسبحان الله !! لم يكترث أو يلتفت حتى اللحظة النظام الحاكم في الخرطوم إلى أن منطق الاستهزاء واستخدام القوة والرفض والعنف والتجاهل والتكذيب أدوات لم تعد مجدية في وقت أصبحت فيه التراكمات لا تسمح بالمزيد منها..بل ” تبلد “احساسه وكأن ثمة شيئاً كبيراً لم حدث، وان العصيان والاعتصام ومن قبله التحركات الشعبية والطلابية ، ” فرفرة ساي ” وذلك بما يطلقه زعماؤه من تصريحات بتقليل شأن ما اقدم عليه الشعب الواعي ، والادهى من ذلك ظل يمضى بإ صرار على عدمية الاعتراف بتحرك الشعب !!
إن أطوار ومسارات كل الثورات في عصرنا الحديث كان يمكن أن تنجو من تلك العواقب والنهايات الحزينة لو أنها استشرفت مبكرا الخطر، وعالجت بواعثه. إلا أن العلاج وقت الازمات الخانقة كثيرا ما أثبت ضعف فعاليته، فكيف إذا كان علاجه هو مصدر بواعثه وامتداده!!
فمسألة النظام ” الانقاذي في السودان ” لم تعر او تفطن لتلك المواجهات الشرسعة بل قابلتها بمزيد من العنف الذي تمثل في الاغتقالات التي طالت حتى النساء والطلاب والمعلمين ورموز الاحزاب ، الامر الذي سيؤدى وسوف تكون مثابة القشة التي تقصم ظهر النظام!!
إن تلك “الشرارت” التي اتقدت هنا وهناك ، من الممكن احتواؤها قبل ان تندلع النار الكبرى في هشيم 27 عاما من الجور والطغيان؟ وعلى النظام الحاكم الذي حكم عليه سواد الشعب ب “صفرية” الاستمرار عليه أن يعي الدروس ويتعلم استثمار العبر ، ويجب عليه ان يتنازل عن السلطة ويقدم رموزه لمحاكمات عادلة ، تزيل الغبن من النفوس وتعيد ثقة المواطن بالوطن ، والا فليدركوا ان كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر !!
وربما يكون سؤالا متأخرا، ولكنه قد يلقي الضوء على دور تطبيب الجرح الذي لم يألفه نظام القسوة والبشاعة .. هل لو حاول هؤلاء المتحكمين بطريقة او اخرى أن يعالجوا تلك الشرارة بشيء من الهدوء والحكمة وانصرفوا بأجهزتهم الامنية البشعة بعيدا عن المشهد وتركوا لغيرهم من العقلاء الامر ، وسلموا السلطة لحكومة انتقالية من كفاءات الشعب وخياره ، اليس بخير لهم ولنا اجمعين !!!وعلى الاقل يستطيع السودان فتح صفحة جديدة مع العالم ومع شعبه !!!
إن مسار المواجهة والتحدي الذي يعيشه السودان اليوم امر مكلف للطرفين،طرف الرافضين لهذا النظام من سواد شعب السودان وطرف الثلة الباطشة الحاكمة ، ولكنه بلا شك أشد وطأة على النظام الحاكم ، لأن هذا التحرك والعصيان المدني من جموع الشعب اليوم ايقظ فيهم شعور ثوري بأن نضال واستبسال ايام اعظم من حياة طالت في قبضة نظام استمر اكثر من 27 عاما دون ان يخلق تجانسا وعدلا في البلاد !!!
الله المستعان وعليه التكلان
وهو حسبنا ونعم الوكيل
[email][email protected][/email]