“بركة ساكن أيقونة الرواية السودانية”

عاطف الحاج سعيد: صدر في شهر يناير من هذا العام 2018 كتاب “بركة ساكن أيقونة الرواية السودانية” الذي اشرفت على اعداده وشارك فيه بالكتابة أكثر من عشرين كاتباً من السودان ومن عدد من الدول العربية. الكاتاب مطروح للبيع في القاهرة وفي موقع نيل وفرات الالكتروني. سيتاح الكتاب في الخرطوم في معرض الخرطوم الدولي للكتاب القادم كما يمكن تصفح الكتاب على google books, فيما يلي الاستهلال الذي قدمنا به للكتاب. يمثل هذا الكتاب الجزء الأول من سلسلة تسعى للتوثيق للسرديات السودانية وسيصدر الكتاب الثاتي قريبا وهو عن تجربة الروائي السوداني الكبير أمير تاج السر.

استهلال أول
تستحق التجربة الروائية للكاتب السوداني الكبير عبد العزيز بركة ساكن الاحتفاء والتوثيق. ذلك لأنها من التجارب القوية والمتماسكة والمستمرة التي عرفها المشهد الثقافي السوداني. يمكننا اجمال الاهداف التي من أجلها عملنا على تحرير هذا الكتاب المرجعي في النقاط التالية:
أولاً:تجميع أهم الدراسات والمقالات التي تناولت بالدرس التجربة السردية لبركة ساكن من مظانها المختلفة: المواقع الاسفيرية، الصحف والمجلات والاصدارات العلمية المحكمة والاوراق العلمية التي قدمت في المؤتمرات وكذلك الدراسات التي لم تنشر من قبل وتكرم أصحابها بقبول نشرها في هذا الكتاب. نرى أن تجميع هذه المواد في كتاب واحد سيشكل قيمة مضافة لها وسيجعل الوصول لها يسيراً خصوصاً بعد نشر النسخة الالكترونية من هذا الكتاب.
ثانياً: تصنيف هذه المواد تصنيفاً يساعد الباحثين في الاستفادة من المادة العلمية بصورة مثلى، وقد اعتمد هذا التصنيف علي المعايير التالية:
– ترتيب فصول الكتاب وفقاً للأسبقية الزمنية لتاريخ نشر العمل الروائي موضوع الدراسات والمقالات. وهكذا وضعنا في الفصل الأول من الكتاب المقالات التي تناولت ثلاثية البلاد الكبيرة (الطواحين، رماد الماء وزوج امرأة الرصاص وأبنته الجميلة) بوصفها الاعمال الروائية الاولى لبركة ساكن والفصل الثاني لرواية الجنقو بوصفها العمل التالي لهذه الثلاثية والفصل الثالث لرواية الرجل الخراب والفصل الرابع لرواية “منفستو الديك النوبي”.
– في الفصل الخامس والسادس من الكتاب أوردنا دراسات تتخذ من نصوص بركة ساكن متناً لها أو دراسات تناولت ثيمات معينة في مجمل المنتج السردي لبركة ساكن.
– خصصنا الفصل السابع للحوارات الصحفية.
ثالثاً: التوثيق الدقيق لمكان وتاريخ نشر المادة المعينة حفظاً للحقوق الأدبية ومساعدةً للباحثين في العودة للمصادر الأصلية إذا اقتضت الضرورة بذلك.
رابعاً: تجميع اهم الحوارات الصحفية التي أجريت مع بركة ساكن، ذلك لأن هذه الحوارات اتاحت لبركة ساكن تقديم اضاءات شخصية حول تجربته الروائية وحول المنطلقات الفكرية والايديولوجية التي شاد على اساسها عالمه السردي وهو أمر مفتاحي للولوج لعوالم بركة ساكن. اتاحت هذه الحوارات كذلك لبركة الدفاع عن تجربته ضد هجمة المصادرة والمنع لمؤلفاته من التداول.
يتكون الكتاب من سبعة فصول. يتضمن الفصل الأول الموسوم ب “على تخوم البلاد الكبيرة” دراستين علميتين كتبهما الدكتور عبد الغفار الحسن ونُشِرَتا في مجلات علمية مُحَكّمَة وتناولتا روايتي رماد الماء وزوج امرأة الرصاص وأبنته الجميلة. تضمن الفصل كذلك مقالتين نقديتين، الأولى للناقد المصري محمد السباعي عن رواية الطواحين والثانية لمولانا صلاح الدين سر الختم عن رواية رماد الماء.
تتناول دراسات ومقالات الفصل الثاني الرواية الأشهر لبركة ساكن “الجنقو مسامير الأرض” وهي رواية نالت صيتاً مقارباً لذلك الذي نالته موسم الهجرة للشمال. اسمينا الفصل “الجنقو… عبقرية السرد والمكان” احالة للاتفاق شبه التام على أن عنصر الادهاش في الجنقو يكمن في التقنيات السردية التي استخدمها بركة ساكن وفي تميز الفضاء المكاني الذي دارت فيه أحداث الرواية، فهو فضاء بكر ومجهول للقارئ السوداني والاجنبي على السواء ونجح بركة في تقديم مقاربة فنية مذهلة لهذا الفضاء. يتكون الفصل من خمس مقالات. نفتتح بمقال للدكتور كمال الجزولي يقدم فيه مقاربة اقتصادية لرواية الجنقو وهو من أجمل المقالات التي تناولت هذه الرواية وأشدها عمقاً من المنظور الذي حاولت أن تستقرأ به نصها. يقدم الدكتور عمر بادي دراسة مقارنة بين الجنقو ورواية مئة عام من العزلة للروائي الكولومبي غابريال غارسيا ماركيز كأنه يذكرنا بأن أول لقب ناله بركة ساكن عند بروزه على سطح المشهد الأدبي والثقافي السوداني هو ماركيز افريقيا. يتضمن الفصل كذلك مقال للكاتبة هيا صالح ومقال اخر للصحفي والاعلامي طلحة جبريل يحتفي فيه بالجنقو على طريقته الخاصة. يتضمن الفصل كذلك دراسة نقدية عن المكان في الجنقو كتبها الناقد الشاب خليل جمعة جابر. يختتم الفصل بمقال عن شخصية ود أمونة وهي شخصية روائية باهرة تنحفر عميقاً في ذاكرة من يقرأ الجنقو.
يتناول الفصل الثالث ” تعرية الذات المتناقضة للرجل الخراب “رواية “الرجل الخراب” وهي أول رواية ينشرها بركة ساكن بعد هجرته إلى النمسا، وتظهر فيها مؤثرات هذا المنفى بتناوله لثيمات جديدة مرتبطة بموضوعة الهجرة والاندماج الاجتماعي. نفتتح الفصل بمقال للناقدة التونسية ابتسام القشوري والذي نشرته بعد ايام قليلة من نشر الرواية من مؤسسة هنداوي. يعقبه مقال كتبتهُ عن البنية السردية للرجل الخراب بوصفها من الاشياء المميزة للرجل الخراب ومقال آخر أقدم فيه اضاءات عن الشخصية الرئيسة في الرواية. ويتضمن الفصل كذلك مقالات لكل من الناقد التونسي عبد الدائم السلامي والكاتب السوداني مصطفى مدثر والاديب والناقد الشاب منهل حكر الدور الذي يقيم حالياً في الدوحة القطرية. تجسد هذه المقالات الاحتفاء الكبير الذي قوبلت به الرجل الخراب عند صدورها في بداية العام 2015.
في “توقيعات على المنفستو النوبي”، وهو الفصل الرابع من الكتاب الذي خصصناه لآخر أعمال بركة ساكن “منفستو الديك النوبي” الذي صدر عن دار ميسكلياني بتونس في العام 2016، ندرج دراسة علمية أكاديمية للد كتور عبد الغفار الحسن عن توظيف الاسطورة في منفستو الديك النوبي يتبعها مقال للكاتب والصحفي السوداني محفوظ بشرى بعنوان ” منفستو الديك النوبي … قراءة لعنة التاريخ”.
يحتوي الفصل الخامس من الكتاب على دراسة نقدية طويلة للناقد السوداني عبد اللطيف على الفكي المقيم حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية وهي دراسة لسانية اتخذت من قصة بركة ساكن “أنا، الأخرى وأمي” متناً لها.
يحتوي الفصل السادس “صورة المرأة والطفل في ادب بركة ساكن” على دراسة نقدية قدمتها الدكتورة مواهب محمد إبراهيم أستاذة الادب والنقد بجامعة الملك خالد بالمملكة العربية السعودية في مؤتمر التعددية الثقافية والادب الذي عقد في العام 2015 بالعاصمة الأردنية عمان. يحتوي الفصل كذلك على مقال للدكتورة لمياء شمت عن ثيمة هدر الطفولة في اعمال بركة ساكن.
في الفصل السابع والأخير قمنا باختيار بعض الحوارات الصحفية التي اجريت مع بركة ساكن في مراحل مختلفة من مسيرته الابداعية. تعكس هذه الحوارات الاهتمام الكبير الذي لقيته التجربة الروائية لبركة ساكن في مختلف بقاع العالم العربي. أجاب بركة في هذه الحوارات عن كثير من التساؤلات التي دارت حول مشروعه السردي ومنطلقاته الايديولوجية.
نشير إلى أن الكتاب لم يغطي كل الاعمال السردية لبركة ساكن. صدر لبركة ساكن تسع روايات: الطواحين، رماد الماء، زوج امرأة الرصاص وأبنته الجميلة، الجنقو مسامير الأرض، مسيح دارفور، مخيلة الخندريس، العاشق البدوي، الرجل الخراب ومانفستو الديك النوبي. كما يلاحظ القارئ أننا خصصنا فصول لخمس منها فقط ويعزى ذلك لأمرين: الأول هو أن بعض روايات بركة لم تدرس بصورة كافية وتركزت معظم الدراسات حول بعض منها. الأمر الثاني هو أن كتاب واحد لا يسع كل الذي كتب، لذا رأينا أن نجعل هذا الكتاب في ثلاثة أجزاء. نخطط حالياُ أن نخصص الجزء الثاني لترجمة المقالات التي كتبت باللغات الأوروبية: الإنجليزية، الفرنسية والالمانية، وهي مقالات كثيرة وغنية كتبها كبار النقاد الادبيين في أوروبا خصوصاً تلك المقالات التي تناولت رواية “مسيح دارفور” في ترجمتها الفرنسية. سيشارك في الترجمة عدد من المترجمين السودانيين. ونخطط لأن نخصص الجزء الثالث لبقية المساهمات النقدية التي لم يسعها هذا الكتاب.
في أخر هذه التقدمة أود أن أشكر الاستاذ عبد العزيز بركة ساكن على تعاونه المستمر وصبره الطويل على مراجعاتي المستمرة له. كما أشكر جميع الكُتّاب الذين حوى الكِتاب أعمال لهم، أشكرهم على كريم تفضلهم علينا بالسماح بنشرها هنا دون قيد أو شرط. كما أشكر جميع النقاد والكتاب والادباء الذين اتصلت بهم مستوثقاً من معلومة ولم يبخلوا على الإطلاق. وأشكر كذلك دار رفيقي للنشر بجنوب السودان بتفضلها بالإشراف على طباعة وتوزيع الكتاب في جميع انحاء الوطن العربي.
أتمنى أن يحقق الكتاب المقاصد المنشودة منه وأن نوفق ويوفق غيرنا كذلك في التوثيق للحياة الأدبية المعاصرة في السودان فما نراه اليوم متاحاً من معلومات ودراسات سيصبح بعد وقت قصير صعباً وربما يضيع في الاضابير وفي الفضاء الاسفيري الكبير.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..