هم ظاهرة صوتية «2»

لم يَبِع، أو يقدم لنا ساستنا منذ منتصف خمسينات القرن الماضي سوى الكلام السخيف عبر المنابر ووسائل الإعلام لاستعباط الناخبين، من غير القطعان التي لم تكن بحاجة إلى كلام لتصوت لجماعة «سيدي»، وكي لا نغمط ساستنا أشياءهم، فإن فترة الديمقراطية الأولى لم تخل من إنجازات، وكانت على درجة لا بأس بها من الانضباط بقواعد اللعبة الديمقراطية، وإن كانت بدايتها لحس الكلام عن الاتحاد مع مصر والتنكر للوعود التي تم تقديمها لأهل الجنوب.
وبدأت فعاليات سوق عكاظ السياسي بقوة غير مسبوقة بعد ثورة أكتوبر 1964، فقد جاء ما يعرف بميثاق أكتوبر زاهي العبارات، وحابلا بالوعود بأن تصبح العتبة قزاز والسلم نايلو في نايلو، ثم انفتحت الحلاقيم، وتم استحداث أسلحة «الشمار» الشامل، عندما أقبل قادة كل حزب على بعضهم البعض يتلاومون، وكان شاعري النقائض «جرير والفرزدق» هما محمد احمد محجوب والصادق المهدي، بعد أن قرر الأخير دخول المعترك السياسي، بأن دخل الجمعية التأسيسية، ثم طالب برئاسة الوزارة بدلا من المحجوب.
وتأكد للناس منذ يومها أمر بات معروفا اليوم لكل ذي لب، وهو أن مصائب السودان التي جعلته يتقدم الى الخلف بخطى واسعة، نجمت عن أن قيادتنا السياسية كانت تتصارع حول من يحكم البلد، وليس كيف يُحكم البلد، ولهذا قامت شكلة بين الصادق المهدي وعمه الهادي المهدي، أدت إلى تقسيم حزب الأمة إلى كومين «أ» و»ب»، ثم تصالحا لتقاسم الكعكة: الهادي لرئاسة الجمهورية والصادق لرئاسة الحكومة، والمحجوب «أكل هوا»
والحزب الشيوعي حسب ان اكتساحه لدوائر الخريجين، في أول انتخابات بعد ثورة أكتوبر، في ظل نفوذه في النقابات الكبيرة، يعطيه حق تطبيق برنامجه السياسي: خطوة نحو التطبيق الاشتراكي، وتطهير الخدمة المدنية والتأميم بدءا بالإصلاح الزراعي ضربة لازب، ومن العجائب أن حزب الأمة هو من بادر إلى الى تأميم مشاريع النيل الأبيض، فكانت القاضية، إذ لم تشم تلك المشاريع العافية الى يومنا هذا، لأن الإصلاح الزراعي «كما لاحظ منصور خالد في كتابه «النخبة السودانية وادمان الفشل»»، لم يكن يتعلق بتقسيم الثروة والأرض على فقراء المزارعين، بل بتقاسم المناصب في هيئة الإصلاح الزراعي التي صارت عبئا على الزراعة.
وبالمقابل كان الصديق عبد الرحمن المهدي «والد الصادق»، وهو الرجل الذي لم شعث حزب الأمة بعد وفاة الأب المؤسس، وأحد أصلب القيادات في مقاومة حكومة عبود، ارتضى بعد انتخابات عام 1965، أن يجلس في البرلمان كنائب عن دائرة كوستي و»خشمه عنده»، تاركا محمد احمد محجوب يتولى التحدث باسم الحزب في البرلمان
أما الإسلاميون، «جبهة الميثاق الإسلامي»، فقد أسعدهم تصدر الدكتور حسن الترابي لقائمة الفائزين بدوائر الخريجين، وشرعوا في اللعب على التناقضات داخل حزب الأمة وبين الأخير والاتحادي الديمقراطي، ثم حولوا تطاول شوقي محمد علي على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، في ندوة في معهد المعلمين العالي، ليملأوا الأرض ضجيجا بأن الشيوعيين كفار، فسيروا المواكب الهادرة، وهم يدركون أنه لا يجوز أخذ حزب كامل بجريرة عضو واحد «وعلى مسؤوليتي فقد كان شوقي شيوعيا على الأقل خلال المرحلة الثانوية في وادي سيدنا».
ولأن السياسة السودانية تعتمد على الحلاقيم، بالشكل الذي وصفه أحد شخوص نص مسرحي للشاعر المصري صلاح عبد الصبور: «الأجهر صوتا والأطول/ وضعوه في الصف الأول / ذو الصوت الخافت والمتواني /وضعوه في الصف الثاني»، فقد رأى حزبا الأمة والاتحادي الديمقراطي، وكلاهما كان بحاجة الى جنازة «ليشبع لطما»، أنهما أولى من جبهة الميثاق بنيل شرف حل الحزب الشيوعي بقرار برلماني، ولما قضت المحكمة العليا برئاسة بابكر عوض الله أن القرار باطل، قرر رئيس الوزراء الصادق المهدي تجاهل القرار بعبارات انشائية خالية من أي حجة قانونية، فكان ان استقال بابكر عوض الله من منصبه، واشترك في الانقلاب على الحكومة التي سفهت القضاء، في مايو 1969 وصار رئيسا للوزراء.
الصحافة
يا ابو الجعافر الهوس والتطرف بدأ منذ حادثة معهد المعلمين بقيادة سعاد الفاتح وعلى عبدالله يعقوب وبمساندة الترابى والصادق الذين كان يضمهم ماعرف وقتها اتحاد القوى الحديثه . وهو ليس فيه من اسمه شىء , فهو الذى بذر البذره الاولى لماسمى لاحقا الاسلام السياسى , الذى ادخل التطرف والارهاب للحياة السياسيه ووأد الديمقراطيه واستقلال القضاء ومن يومها لم تقم لا للديمقراطيه ولا للقضاء قائمه , وهو ما مهد الطريق لانقلاب الكذبه (الحبس والقصر) الذى نعانى ويلاته وفساده الان والى قيام الثوره .