السودان والحرب النفسية

هل فعلا ان السودان يواجه حربا من خارج حدود دولته ؟ ام هو توهم لا يسنده واقع ؟ ان كان ذلك كلك , واظنه كذلك ولكن ما هي طبيعة وملامح هذه الحرب ضد السودان ؟ دعونا هنا اولا نحاول تفكيك بعض مفاهيم هذه الحرب .
حينما كان الانقاذ في مهدها كان خطابها السياسي وقتها لاهل الداخل ان السودان تواجه حربا دينية وفكرية فكان خيار الحكومة هو الشريعة الاسلامية منهجا للدولة والزمها ذلك صياغة مفاهيم وبرامج ومشروعات اسلامية جديدة تتوافق وطبيعة الحرب التي تخوضها ضد الاخرين فالتف الشعب حول حكومته , فمضت الانقاذ بشعاراتها ومفاهيمها الجديدة وحينما اشتد عليها الضغط الخارجي عدلت من مفهومها للحرب التي تواجهها فقالت انها حرب امنية عسكرية فجيشت الشعب بكامله لمواجه هذه الحرب واعدت ذاتها وعتادها لمواجه كل احتمالات وخيارات هذه الحرب.
وعندما اصيبت الدولة بالرهق والاعياء في اقتصادها سمت حربها مع الاخرين بانها حرب اقتصاد ومنافع واموال وموارد فصدرت كل سياسات وقرارات وموجهات الحكومة في الشان الاقتصادي تحت بند التبرير للحرب المفروضة علي السودان , لكن يبدو ان الحكومة بين يديها الان نوعا اخر من الحرب المفروضة عليها وهي الحرب “النفسية” كما وصفتها الحكومة علي لسان الاستاذ ابراهيم محمود حامد “المساعد الرئاسي” كاخر توصيف لما تواجههه الحكومة من عنت وتحديات وحروب وربما كان هذا النوع من الحرب هو اخطر اشكال الحروب التي خاضتها الحكومة في مسيرتها للثلاثة عقود الماضية فهي حرب تستهدف العقول والقناعات والتقليل من شان الدولة او اظهارها كدولة عاجزة وفاشلة وان الحكومة تخشي هذا النوع من الحرب لان الذين يديرونها هم في الاساس قوات “متوهمة” ليس لها معسكرات او جبهات كما ليس لها وجود مادي او لوجستي علي الارض ولهذا دعت الحكومة الي عدم الاستسلام لكنها لم تحدد بعد شكل وطبيعة السلاح الذي يمكن ان تستخدمه هي وشعبها ضد الذين يقودون هذه الحرب النفسية ضد السودان ,ولكن هل يعني هذا اننا تجاوزنا كل تلك الحروب الاخري او بالاحري انتصرنا فيها علي الاخرين لتبقي امامنا فقط الحرب “النفسية” ؟ ام اننا الان نواجه بحرب شاملة بكل الوانها واشكالها وجبهاتها ؟ فليتنا نعلم ما الذي تواجههه بلادنا من حروب , وفي اي حرب انتصرنا وفي اي منها انهزمنا وفشلنا ؟ .
سودانير ..هبوط اضطراري
وسودانير التي قالت الحكومة انها ستعود كما لم تكن من قبل وها هي الان تتوالي عليها الضربات الموجعات ويضيق عليها الفضاء المفتوح وتتناوشها الاهوال والعواصف وحتي مطارات الدنيا لم تعد ترغب في هبوطها علي سفح المدارج فاغلقت في وجهها مطارات الاشقاء في دولة الامارات العربية المتحدة وربما الاخريات وكانت من قبل قد فقدت اعظم ما لديها من الخطوط “هيثرو” الخط الذي كان لوحده كفيلا بتغطية التزامات سودانير من صرفها الداخلي علي جيوشها الجرارة من “الكباتن” والاداريين والفنيين والمهندسين .
فبالامس فقدت سودانير حق الهبوط علي مطار ابو ظبي بسبب عجزها وفشلها في الايفاء باشتراطات والتزامات هذا الهبوط في مطار دبي فان كان هذا شان هذا الناقل الوطني علي مستوي الفضاء الدولي الخارجي فكيف اذن نفهم ان سودانير تواجه ما هو اقسي واشد مرارة عليها وهي مهددة بسحب ترخيصها من قبل ابناء جلدتها في سلطة الطيران المدني والذين يعتقدون ان هذه الشركة وقعت في عدة مخالفات ولم تلتزم بتطبيق منشور اسعارتذاكر الطيران الداخلي وهكذا تتجدد احزان سودانير وتتعدد جراحاتها وهي الان كما اليتيم فاقدة الابوة والحنان والرعاية بعد ان ذهبت كل محاولات “الاسعاف” ادراج الرياح رغم ان الحكومة حاولت قبل حوالي عامين اعادة هيكلة هذه الشركة وشكلت مجلسا اداريا خاصا ووضعت علي راسه السيد وزير المالية عل المال ياتيها منسابا دون اي حواجز او تعقيدات ولكن للاسف يابي هذا المال الحكومي عصيا علي سودانير الامر الذي جعلها تتخبط وربما تتسول في مطارات الاخرين ولهذا لم تعد سودانير تقوي علي التحليق ولا حتي الهبوط فهي الان كسيحة بلا اجنحة وبلا مطارات وبلا ارادة فالذين بيدهم امر هذا الناقل الوطني عليهم ان يخرجوا لنا برؤية وببيان للناس حتي يعلم كل سوداني ماذا اراد الله بهذه الشركة ذات التاريخ والمجد القديم وان يوضحوا كذلك خيارات الدولة ورؤيتها وخطتها ان كان لديها خطة لهذا الناقل الوطني حتي يحلق من جديد محليا ودوليا وحتي يجد زميلنا “الفاتح جبرة” ردا شافيا ويفكوا حيرتها في تساؤلاته المكرورة ..”اخبار خط هيثرو شنوووو” ..
وزارة ومتاعب

رمت الحكومة بكامل اعبائها ومسوؤلياتها الجسام علي وزارة الرعاية الاجتماعية والضمان الاجتماعي في سبيل تخفيف صدمة القرارات الاقتصادية الاخيرة علي المواطن وحملتها كذلك مهمة قد تبدو عسيرة علي هذه الوزارة خصوصا ان بعض المؤشرات تتحدث بان رقعة الفقر تزداد يوما بعد يوم تحت وطاة الاسعار وجنون الاسواق وتقاصر قامة المرتبات الحكومية والمتابعات تشير الي انالاحصاء الرسمي لنسبة الفقر في السودان تعكف علي دراستها مجموعة خاصة لاعلانها او التستر عليها .
كان لابد للحكومة ان تدفع بقوة في اتجاه تقوية وزارة الرعاية الاجتماعية وتمكينها ماليا واداريا وان تفتح لها كافة مؤسساتها المالية والاقتصادية وبالقدر الذي يعينها في توسعة خدماتها لتشمل قطاع الفقراء المتمدد في المجتمع السوداني وتشملهم هذه الوزارة بمشروعات التمويل الاصغر وتعينهم علي مواجهة متاعب الحياة
صحيح ان فكرة التمويل الاصغر يمكن ان تحدث تحولا كبيرا عبر مشروعاتها المملوكة للاسر الفقيرة ولكن التجربة وبالرغم من انقضاء العقد الاول من عمرها و ما حققته من نجاحات الا انها لازالت تحتاج الي ارادة جديدة والي افكار ورؤي شاملة تستصحب معها كل هذه المعطيات الاقتصادية ومطلوبات الحياة الجديدة وربما ان مبادرة الحكومة برفع سقف التمويل الاصغر من 30 الف جنيه الي 50 الف جنيه يمكن فهمها في سياق الحوافز الحكومية لتحسن اوضاع ومعاش الناس عبر مشروعات التمويل الاصغر ولكن هذه الخطوة قد لا تكفي لاحداث التوازن المطلوب وسط الشرائح الضعيفة الامر الذي يحتم علي الحكومة ومؤسساتها الاجتماعية ان تعمل علي بناء شراكات قوية وعديدة مع مؤسسات القطاع العام والخاص علي ان تكون اشتراطاتها وضماناتها لهذه المشروعات “الصغيرة” بالقدر الذي يمكن توفيره او الايفاء بها من حيث البساطة والواقعية حتي لا تحدث انتكاسة بسبب قسوة الضمانات وتعقيد الاجراءات .

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..