استسلام وجهاء أمدرمان

استسلام وجهاء أمدرمان
The Capitulation of Omdurman Notables
Robert S. Kramer روبرت كرامر
عرض: بدر الدين حامد الهاشمي

في هذا المقال قام بروفسيور روبرت كرامر (أستاذ تاريخ الشرق الأوسط وأفريقيا بكلية سانت نوربينت بولاية وسكنسون الأمريكية، والمجيد للعربية) بترجمة رسالة بعث بها بعض وجهاء مدينة أم درمان (وعددهم 68 فردا، أورد أسمائهم وتوقيعاتهم جميعا) بعيد هزيمة جيش الأنصار بقيادة الخليفة عبد الله (يوم 2/9/ 1898م) إلى الجنرال كتشنر سردار الجيش المصري. ونشر المقال في عام 1992م في العدد الثالث من المجلة النيروجية Sudanic Africa
وعلى الرغم من أن الكاتب بدأ مقاله بأن هذه الرسالة (والمحفوظة الآن في جامعة دارم البريطانية) تمثل “وقتا غير سعيد” في تاريخ السودان، وأن بعض السودانيين المعاصرين يفضلون أن ينسوا (أو يتناسوا) تلك الأيام وما جرى فيها، إلا أنه لا يرى في تلك الرسالة أي سبب للحرج أو الأسف، إذ أن القوة العسكرية للجيش الغازي كانت متفوقة بصورة ساحقة، وقامت بفرض سيطرتها في وقت وجيز لم يترك مجالا للشك في عقل ووجدان أي مواطن سوداني في المدينة أن عهد الخليفة عبد الله قد أدبر، وأن نظاما جديدا قد بدأ لتوه في تولي مقاليد الحكم في البلاد. وأختار بعض السودانيين الخروج من المدينة في رفقة الخليفة، وتفادوا بذلك اعتقال الغزاة لهم، بينما بدا أن غالب من بقى من سكان المدينة تخلوا عن ولائهم للمهدية، وحتى بكل ما كان يذكرهم بعهدها من جبب مرقعة وغيرها. وظلوا بالمدينة في انتظار ما سيفعل الله بهم في العهد الجديد. ويعد كاتب المقال رسالة وجهاء أمدرمان لسردار الجيش المصري شهادة ودليل على غريزة حفظ النفس وهي غريزة إنسانية متأصلة.
وتمثل الأحداث التي وقعت في أمدرمان بعيد إنتهاء معركة كرري خلفية مهمة لرسالة وجهاء المدينة لكتشنر. ففور دخول الجيش الغازي بقيادة كتشنر للمدينة استسلم له عدد من سكانها، وأعلن كتشنر عفوا عاما ضمن فيه ? بحسب ما جاء في المقال- سلامة سكان أمدرمان (ولكنه لم يأت على ممتلكاتهم بذكر). وعلى مدى ثلاثة أيام عقب دخول الجيش الغازي للمدينة قام جنوده باستباحتها ونهب ممتلكات سكانها دون أي تدخل أو إعتراض من قادتهم، وربما برضائهم.
وزاد الطين بلة أن بعض الجهادية (وهم الجنود السابقين الذين عملوا في خدمة جيش المهدي والخليفة – وقبل ذلك في خدمة الحكم التركي المصري- وغالبيتهم من ذوي الأصول النوبية والجنوبية) كانوا قد أستغلوا حالة الفوضى وانعدام الأمن التي أعقبت دخول الغزاة للمدينة فطفقوا في تسوية حساباتهم مع أعدائهم في المدينة بصورة دموية عنيفة. وغضت سلطات الجيش الغازي طرفها عن تلك الممارسات الانتقامية، إذ أنها كانت تأمل في استيعابهم لاحقا في جيشها. وذكر كاتب المقال أنه أفرد فصلا كاملا لمناقشة دور الجهادية بأمدرمان في عهد المهدية في كتاب له بعنوان “مدينة مقدسة على النيل”.
وأورد الكاتب أيضا ما نشره إيرنست بينيت المراسل الصحفي البريطاني المرافق للجيش المصري البريطاني في مقال له في عام 1899م عن أن كل جرحى جيش الخليفة في كل المعارك التي خاضوها مع الجيش المصري البريطاني كانوا يقتلون على الفور. وذكر ذلك الصحفي في مقاله أن عمليات النهب والسلب التي قام بها الجيش الغازي في أمدرمان لثلاثة أيام متوالية لم يقم بها الجنود السودانيون فقط، بل شاركهم فيها الجنود البريطانيون أيضا. وبالطبع أنكر المسئولون البريطانيون ذلك الزعم بشدة في بيان رسمي في البرلمان.
ولم تذكر رسالة وجهاء أم درمان لكتشنر شيئا كثيرا عن تلك الأحداث التي جرت في الأيام الثلاثة التي أعقبت دخول الجيش الغازي للمدينة، ولكنهم طلبوا في رسالتهم من كتشنر “إعادة الرقيق الفارين لمالكيهم حتى تبدأ عجلة الاقتصاد في الدوران من جديد” أو كما قالوا!
ولا يعرف الكثير عن الظروف التي كتبت فيها الرسالة أو تاريخ كتابتها على وجه التحديد، إلا أن هنالك ترجمة إنجليزية غير دقيقة لتلك الرسالة كان تاريخها هو 2/ 10/ 1898م (أي بعد نحو شهر من معركة كرري). ولا يعقل بالطبع أن ينتظر وجهاء أمدرمان لشهر كامل قبل أن يلتمسوا من السردار إرجاع ممتلكاتهم إليهم، خاصة وأنهم كانوا قد قدموا تلك الرسالة إنابة عن كل سكان أمدرمان، وبعض هؤلاء كانوا من أحرار سكان المدينة من ذوي البشرة الداكنة، الذين أعتقلهم الجنود الغزاة بغرض تجنيدهم قسرا في الجيش الحكومي بإعتبارهم من عبيد المدينة! ولا أحد يعلم على وجه اليقين إن كان السردار موجودا بأمدرمان في يوم كتابة الرسالة المترجمة (2/ 10/ 1898م). فبعض الوثائق تشير إلى أن السردار كان قد غادر المدينة على ظهر باخرة على النيل الأبيض لفشودة في يوم 24/9/ 1898م، ثم آب بعد ذلك إلى القاهرة ومنها إلى لندن. وربما تكون تلك الرسالة قد قدمت لكتشنر قبل سفرة لفشودة في العاشر من سبتمبر.
ولا ريب أن تلك الرسالة كانت قد كتبت على عجل، كما هو متوقع في تلك الأيام العصيبة. وقام 34 من الموقعين بختم الرسالة بأختامهم الشخصية، بينما وقع الأخرون بأسمائهم مسبوقة بكلمة : “بخطي”. وقام آخر (وهو الحاج ….) بوضع ختمه الشخصي مرتين، مرة في السطر الثاني، ومرة أخرى في السطر السادس (كما يتضح في صورة الرسالة التي أرفقها الكانب في نهاية مقاله). ويصعب ? في نظر الكاتب- في ظروف تلك الأيام تخيل أن كل من وقعوا على تلك الرسالة (وعددهم 68 فردا) قد فعلوا ذلك في جلسة واحدة. ولا يعلم على وجه الدقة من هو الذي قام بصياغة الرسالة، ولكن من المقطوع به أن من قام بترجمتها للإنجليزية لم تكن تلك اللغة هي لغته الأم، ويزعم الكاتب أنه قد يكون ضابطا سوريا أو مصريا من الذين أتوا مع الجيش الغازي. وكان من ضمن الموقعين على تلك الرسالة رجال من علية القوم وكبار السن (حدد الكاتب في مقاله عددا من الأسماء) يصعب تخيل أنهم يرضون بالتوقيع مع بقية الموقعين على تلك الرسالة. وهنالك أيضا اسماء وردت في الترجمة الإنجليزية رغم أنها لم تظهر في الرسالة الأصلية (مثل اسم سكرتير الخليفة الخاص، والذي لا يعقل أن يكون ? بالنظر إلى خلفيته- من كتاب أو موقعي تلك الرسالة). ويعتقد الكاتب أن الأسلوب البيروقراطي الذي صيغت به الرسالة يشير إلى أن كاتب الرسالة ربما كان أحد كتاب الخليفة السابقين.
ويعتقد الكاتب أن الرسالة تلقي بكثير من الأضواء على المجتمع السوداني في نهاية عهد المهدية وتشير إلى اعتماد اقتصاده على عمل المسترقين في الزراعة وغيرها، وتشير إلى بدء تكوين حقيقة سياسية جديدة في البلاد، خاصة وأن الموقعين على الرسالة سموا أنفسهم “أصدقاء الحكومة” في مقابل اعدائها “الدراويش”. ومن اللافت للنظر إلى أن الرسالة تصف “الجهادية بأنهم “رقيق الدراويش”، وتطلب إعادة “توابع” السكان إليهم (والمقصود بالتوابع هنا بالطبع هم الرقيق) لمواصلة “تطوير البلاد”، وهو جانب كان يجد التعاطف مع النظام البريطاني ? المصري الجديد.
ويؤكد الكاتب على أن الموقعين على تلك الرسالة كانوا يشكلون طيفا واسعا من سكان أمدرمان. فمنهم من كان يعمل في خدمة العهد المهدوي من مستشاري الخليفة والقضاة وأمناء بيت المال وغيرهم من كبار تجار المدينة ورجال الدين وزعماء القبائل (وذكر الكاتب أمثلة لكل طائفة من هؤلاء). وكانت أصول الموقعين ? مع استثناءات قليلة- من مناطق السودان النيلي، أو من ذوي الأصول المصرية. ويرى المؤلف أن اختيار الموقعين ليمثلوا طيفا واسعا من كافة سكان أمدرمان كان عملا سياسيا مقصودا للتأكيد على أن مؤيدي الخليفة هم من قبيلة واحدة.
وأورد الكاتب في ختام مقاله صورة الرسالة الأصلية بأختامها وتوقيعاتها (وبنسخة مطبوعة منها)، وبالترجمة الإنجليزية الخاطئة التي قدمت للسردار، ثم أورد في النهاية ترجمته الشخصية للرسالة. وهذه هي الرسالة المطبوعة باللغة العربية كما وردت دون تغيير:
سردار الجيش المصري سعادتلوا افندم حضرتي
نعرض للجناب أن السبب الوحيد في المساعدة لاهالي السودان على ازالة ما حصل لهم من الضرر والضعف والاحتياج انما هو بواسطة التوابع الذين معهم والآن دخل على جميعهم ما شوش الأفكار باسباب تعديات بعض عساكر الحكومة والمتحدين معهم من رقيق الدراويش بالهجوم على المنازل ومحلات الحريمات بدعوى التفتيش على العبيد الذكور وفي طي ذلك ينهبون كلما عرض لهم من الخدامات والاحرار الغالب عليهم السمرة وخلاف ذلك حتى انسلب اغلب ما بيد الاهالي وصاروا في حيرة وتشويش مع ان الغالب الذين اخذوهم غير صالحين للعسكرية وانما اغروهم عليهم المتحدين معهم للاغراض النفسية بدون ملاحظة لمصالح الحكومة بل لهوى النفس والاغراض ليدوروا في خلال اورط العساكر بصفة العساكر لاغرا العساكر بالتشويش على الرعية وسلب راحتهم وفي السابق لما كانت الحكومة اكدت في مادة الرقيق امتنعت التجارة فيه فقط بالكلية ولم يحصل التعرض للتوابع الذين بايديهم الا من تضرر للحكومة من اربابه ومعلوم لسعادتكم ان هذا اول فتوح والرعية في تعب شديد من تعديات الدراويش عليهم وفي تشوق كبير لشمول نظر الحكومة عليهم بما يزيل عنهم ما كان حاصلا بهم وان جميع من وجد الآن في امدرمان هم اصدقاء الحكومة المتشوقين اليها وما كان من فضولهم بها مع الخليفة الا بصفة الاسرا والمساجين وكل من كان محاربا للحكومة فقد هلك في الحرابات وباقيتهم فر مع الخليفة لجهات الغرب وان عمارة الوطن بالسواقي والمزارع لا تتيسر لاهاليه الا بمساعدة التوابع وبدون ذلك لا تتم الراحة في المعايش لاحد من اهالي السودان ولا تتقدم حالتهم وتتحسن حتى يبلغ ساير الاقطار زوال ما كان حاصلا بهم من الاتعاب وضيق المعايش عن شفقة سعادتكم العمومية. فلهذا بادرنا بتقديمه عن لسان الجميع ملتمسين لقبوله على حالة تطمنهم وتأمنهم وترفع عنهم الحالة الحاصلة عليهم. واذا كان لازم للحكومة عساكر فبعد استتباب الراحة لهم اذا صار طلب القدر اللازم من عموم الجهات فممكن الاستحصال على المطلوب بحالة الراحة التي لا تشويش فيها على احد وتمشيه مصلحة الحكومة السنية وفق مرغبوها ومع ما اوضحنا الامر مفوض افندم تحريرا.
—-
التوقيعات

تعليق واحد

  1. اذا كان صاحب المقال يريد ان يتكلم عن الرقيق والرق في السودان في ذلك العصر واعادة تاهيلهم في مرحلة ما بعد الحرب…عليه ان ينظر الى العالم ان ذاك بما فيه الذى يدعي الحضارة الان امريكا والغرب وارثهم المشين في تجارة الرقيق..واذا يريد ان يجعل بالكتابة الطوباوية ادوات لاعادة انتاج الانقسام في المجتمع السوداني وفقا لرؤية ايدولجية عن الاستعمار الانجليزي البغيض وحكم عبدالله التعايشي الفاضل فهو يقدم اكبر مغالطة تاريخية
    هناك مثل يقول اسوا ما في الحرب هو ما بعدها
    يوجد كتاب عبارة عن رسالة دكتوراة للدكتور الطيب الزاكي(موجود في سلطنة عمان) عن السيد عبدالرحمن المهدي ياخذ الاحداث في حينها في سياقها التاريخي -عليه قراءة هذا لكتاب او مناظرة كاتبه في اي صحيفة او فضائية سودانية وبضدها تتميز الاشياء
    هذا لكتاب لازم يقراه اي
    ناصري
    وشيوعي
    واخو مسلم
    او اكاديمي
    عشان ما يصنع لنفسه تاريخ مجلل بالعار وانصاف الحقائق..
    (((

    لن نجعل من الحديث عن خاتمة هذا البحث مناسبة لإيجاز الأفكار الرئيسية التي عرضناها في أبوابه ومباحثه ففي ذلك تكرار لا نحمده وترديد لا تدعو تاليه الحاجة ونؤثر أن تكون الخاتمة فرصة لعرض ما فاتنا عرضه في صلب الموضوع وذلك لأننا نرى ان الشخصية التي عرضنا لها تزخر بالجوانب التي يمكن التعرض لها في اكثر من بحث ونحسب ان ما لم نعرض له لا يقل أهمية عما عرضنا له
    لقد أصبح واضحا لمعظم الباحثين في التاريخ السوداني الحديث أن الأنصارية الجديدة التي بناها السيد عبدا لرحمن المهدي هي توجه حضاري قائم بذاته ،إنها أنصارية القرن العشرين التي وعت ظروف العصر وأساليبه وأسلحته واستطاعت أن تحقق لنفسها وجودا وبعد الوجود تأثيرا لأنها تعاملت مع الحكم الأجنبي بروح التعاون لشعورها بعدم كفاية ما لديها من مهارات وهو شعور بالتخلف الحضاري واعتراف به والاعتراف بالنقص هو أول درجات الكمال كما ان الوعي بالتخلف هو أول مراحل تجاوزه .
    كان السيد عبد الرحمن رجلا واقعيا وليس من أولئك الذين يصنعون الأوهام ثم يصدقونها كان يؤمن انه لابد من التخلص من سيطرة الأجنبي فالأجدر أن يكون ذلك بإعداد أدوات التخلص أولا فالرجل قصد وبوعي تام تأييد خصومه حتى يتمكن من توجيه الناس للعمل المنتج وقصد من الاهتمام بالتعليم والتدريب وإعداد الكوادر التي ستحل محل المستعمر لان إزالة الأجنبي لا داعي لها إذا كان ليس هناك بديل أفضل وأكثر كفاءة لكي تذهب الجهود الذي بذلت أدارج الرياح
    الرجل واقعي لأنه اكتشف بفطرته أهم معالم ومظاهر وأسباب الهيمنة البريطانية على السودان وعمل على الأخذ بتلك الأساليب والمظاهر والأسباب،الأمر الذي أثار حوله الكثير من الشكوك والاتهامات التي نعتقد أن مروجيها كانوا يجهلون الأهداف البعيدة التي كان يسعى لها أو كانوا ممن لا يريد للبلد أن يشق طريقه كبلد له خصوصيته وتفرده وليس تابع من التوابع…
    واقعية السيد عبد الرحمن وخضوعه للحكم الثنائي هو الذي ا ربك سياسات الحكومة وجعلها تمارس دورا متناقضا وتعيش في دوامة الرفض والقبول لأنها لم تتوقع منه شيئا غير الثورة والتمرد باعتباره زعيم لطائفة قابلة للانفجار لذلك ظلت العلاقة بين الجانبين مشوبة بالحذر وعدم الثقة..
    الحكم الثنائي للسودان لم يكن بالسوء الذي صورته الكتابات المختلفة باعتباره استعمارا فحاكم عام السودان لم يكن تابعا لوزارة المستعمرات التي كان يتبع لها كل حكام المستعمرات البريطانية إنما كان تابعا لوزارة الخارجية البريطانية وبالتالي فقد جذبت الخدمة في السودان أفضل الموظفين البريطانيين من خريجين أكسفورد وكمبردج الذين تميزوا أيضا بمهارات رياضية أولئك الموظفون المتميزون لفتوا نظر الكثير من المراقبين الأجانب الذين زاروا السودان في ذلك الوقت وأشادوا بإداريه ومستواهم الرفيع كما أن السودان وقتها كان كعبة الزوار المهمين فقد زاره الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت عام 1910 وقضى فيه أسبوعين وأشاد بالإدارة البريطانية في السودان بينما انتقد السياسة البريطانية في مصر..
    منذ الاشهر الاولى للحكم الثنائي كان واضحا ان البريطانيين يتعاملون مع رعاياهم بطريقة تختلف عما عرف من تعامل بين مستعمر(بكسر الميم) ومستعمر(بفتح الميم) فهذا كتشنر القائد المنتصر بماعرف به من غطرسة وتعال يقف امام ظبطية ام درمان يتحدث الى التجار والمواطنين بلغة عربية فصيحة عن اسباب غلاء العيش ويوجه كلامه الى كبير التجار ابراهيم بك خليل قائلا يا عم ابراهيم..الخ..كلمة (يا عم) والحوار الذي نقله شاهد عيان* يدلان على بوضوح على روح الاحترام علما بان هذه الاحداث جرت في نفس الاشهر التي اعقبت معركة كري وكان من المفترض ان تكون النفوس مشحونة بالكراهية المتبادلة
    الانجليز فهموا طبيعة الشعب السوداني فارخو العنان واحترموا تقاليده وحكموه بتجرد واناصف فامن الناس على لنفهسم واعراضهم ومعتقداتهم ونشا نمط ليس له مثيل في تاريخ الاستعمار حيث المحكوم شريكا للحاكم في السلطة* ويبدوا ان الاتجاه فرضته ظروف المشاركة المصرية في حكم السودان اذ ان المسئولين البريطانيين لم يستسيغو فكرة الشريك المصري بناء على التجربة المصرية سيئة الذكر في العهد التركي المصري والتي يرى البريطاينون انها كانت السبب في انفجار الثورة المهدية ..ولذلك فقد سعى البريطانوين الى اقامة بديل وطني للمشاكرة في الحكم بدلا من الشريك المصري وهذا في ? رائينا- من المفترض ان يجد التايد والمساندة من السودانيين وهو في رائينا ايضا-من المعالم التي اكتشفها السيد عبدالرحمن مبكرا في نظام الحكم الثنائي ووجد ذلك في نفسه قبولا قبولا دفعه-دون مجاملة او مراوغة او نفاق- الى تاييد النظرة البريطانية والتعاون معها في دعوة”السودان للسودانيين” التي بدا البرطانيين التمهيد لها من 1899 وولوا بها الى مبتغاهم عام 1923 حينما اجبروا الحكومة المصرية على تعديل المادة 29 من الدستور المصري التي تنص على ان”الملك يلقب ملك مصر والسودان”واستبدات عبارة”ملك مصر. ثم جاءت احداث 1924 لتقطع اخر امل للمشاكرة المصرية في حكم السودان. قبول الانفراد البريطاني بحكم السودان لم يكن قاصرا على السيد عبدالرحمن انما شاكره فيه كثير من المثقفين السودانين الذين كانو يرون ان لبريطانيا-من الامكانات الثقافية والعلمية والمؤسسات والمعرف-ما يمكن ان تمنحه للشرق عموماً.
    تعرضنا في مباحث سابقة الى ان البعض يظن ان وقوف السيدعبدالرحمن مع الادارة البريطانية كان بدافع الطمع في ملكية السودان تحت الاشراف البريطاني وهذا الامر بحثناه في مكان اخر في هذه الاطروحة ولكن نظن ان وقوف السيد مع الادارة البريطانية كا بدوافع شتى لعل اهمها ان لا يعود السودان تحت النفوذ المصري مرة اخرى وقد بادله المصريون هذا الشعور العدائي حتى الاستقلال بل ان العداء ظل ديدن العلاقة بين حزب الامة والنظام المصري حتى اليوم ورغم ان العلاقة بين الجانبين مالت للاعتدال بعد قيام الثورة المصرية عام 1952 الا ان بعض الاحداث عادت تنكا الجراحمرة اخرى ولعل اهمها احداث مارس 1954 التي قال عنها المؤرخين المصريينانهادبرت قبل وقوعها وكانت نتجية مؤامرة منظمة تم اعدادها بين الاستعمار البريطاني وجماعة الانفصاليين انصار المهدي،الذين كانو يدقون طبول الحرب ويستعدون للاغتيال”
    ويستطرد المؤرخ المصري قائلا”وجاء حكم المحكمة على منفذي الحادث دليلا على ان حزب الامة واناصر عبدالرحمن المهدي هم مرتكبوا هذه الحوادث الدامية كراهة في مصر”
    لا شك ان حوادث اول مارس 1954 كانت تحذيرا واضحا للمسؤلين ان الانصار قادرون على منع الوحدة بالقوة الا ان الاحداث لم تكنمدبرة-كما زعم الرافعي- وحتى لا يجرنا الامر لمنزلقات سياسية ليس هذا البحث معني بها نرفق ملاحق في البحث تقريرا كتبه احد شهود عيان لاحداث مارس نحسب انه يجلي حقيقية تلك الاحداث
    كثيرا ربطوا بين دعوة السيد عبدالرحمن الاستقلالية والعلاقة المصلحية مع بريطانيا واظهروا ذلك بمظهر التبعية الاستعمارية ولكننا نعتقد ان السيد بذلك قد سبق جيله والاجيال اللاحقة، الان العالم كله يسعة لتكتلات اقتصادية الدول الضعيفة تبحث عن ملاذ اقتصادي في التجمعات القوية وهذه تركيا قد حفيت اقدامها وهي تبحث عن مدخل للسوق الاوروبية المشتركة
    دول العالم الثالث تستجدي الشركاتوالرساميل الاجنبية للاستثمار فيها وعليه فنحن نرى ان سعي عبدالرحمن لدخول منظمة الكمونولث البريطانية-ان صح- فهو دليل على وعي اقتصادي مبكر وقد علقت على هذا الامر احد الصحف البريطانية قائلة: ان السوداني الذى يقود السودان المستقل يوما الى رابطة الشعوب البريطانية ليس بغريب على دوائر القطن في مانشستر انهم يعرفونه كما تعرفه افريقيا باسرها وهو السيد عبدالرحمن المهدي واحد اقوى شخصيات القارة الافريقية لقد كان هذا الزعيم البالغ من العمر 69 عاما ذى السحنة الداكنة هو الذي استطاع ان يحمل نجيب على الاعتراف بحق السودانيين في تقرير مصيرهم ان الزعيم الروحي لحوالي نصف سكان السودان المسلمين بالاضافة الى هذا فهو يتمتع باحترام عميق من بين الملايين الاربعة السودانيين الوثنيين الذين يقيمون وسط الغابات والمستنقعات في الجنوب”(صحيفة ستار البريطانية عدد 4 نوفمبر1953)…
    اهتمام السيد عبد الرحمن بالزراعة وتوسعه فيها وتشجيعه للمهتمين بها يعتبر دليل وعي مبكر بامكانات البلاد الحقيقية والتي يجب الاهتمام بها وتنميتها كاساس اقتصادي يمكن الاعتماد عليه لضمان مستقبل البلاد وتسخير ثروته الحقيقية وعليه فاتهام الحكم الثنائي بالانحياز لما يسمى بالارستقراطية الدينية وتمليكها للارض الزراعية امر لا يخلو من جهل بامكانيات البلاد ومساحته الزراعية الهائلة وانهاراها التي توفر الرى لكثير من تلك المساحات فنحن في السودان لسنا في ضيق الاراضي كما الحال في مصر والعراق حيث تضيق المساحات الصالحة للزراعة ويحتكرها الباشوات لذا فان مثل هذا الاتهام ليس دليل على ضيق الافق والتقليد الاعمى لدعاوى محاربة الاقطاع في بلاد اخرى ولعل اكبر دليل على فشل تلك الدعواى في السودان تجربة الاصلاح الزراعي في منطقة النيل الابيض التي قامت بتمليك مشاريع خاصة وناجحة ومنتجة الى جمعيات تعاونية حولتها بين ليلة وضاحاها الى اطلال كان يمكن ترك تلك المشاريع لاصاحابها وتمليك الجمعيات مشاريع اخرى ما دام هناك متسع من الارض وانهار يمكن استغلالها في الرى))المرجع السيد عبدالرحمن المهدي العرش والمحراب د.الطيب الزاكي

  2. السيد كاتب المقال

    لك التحية

    ارجو كتابة اسماء الموقعين وفى النهايه هو تاريخ طال الزمن ام قصر سوف تعرف

  3. اضيف لتعليق شاهد اثبات شهادة الكاتب الكبير هيكل عن زيارته للسودان مستقصيا عن احداثحريق القاهرة وقابل الامام عبد الرحمن المهدي قال هيكل ( قابلت رجلا طويل القامة وقورا هادئا فيه مهابة التاريخ ) وسالته عن ميله للبريطانيين وتحدثه معهم قال هيكل (رد علي الامام باصح عباره واقسي عباره يسمعها مصري وهي حقيقه وصحيحه حيث قال الامام لهيكل ( يا ابني يا محمد انا اتحث عن قائد العربة ولا اتحدث مع العربه ) هذه عبارة ذكية جدا وقوية جدا وتححد بدقة متناهية مدي مشاركة مصر في الاستعمار وتدل علي وعي الامام المتقدم جدا اما ناحية الاملاك والزراعة فهذا يكشفه تاميم دائرة علي عهد مايو حيث وجدوا ان الدائرة مدينة لانها تنفق علي المشاريع والناس ) والموضوع يستحق الساجله والتمحيص !!!

  4. هل الكاتب خجول لدرجة عدم كتابة اسماء الموقعين

    اذا كنت تمتلك الامانه العلميه فى كتابة التاريخ فيجب ان تكون امينا مع نفسك قبل الآخرين

    فالتأريخ امانه فما معنى ان تورد لنا وثيقه ناقصه؟ قد تكون فريه هذه الوثيقه الناقصه وانت

    ادرى بمسألة التوثيق فهو يدعم ما تكتب ونكرر يجب ارفاق الاسماء الموقعه على الوثيقه مع اجزل الشكر

  5. ارجو من المعلقين قراءة تعليق السيد( شاعد اثبات )والاستفادة من كم المعلومات الزاخر الذى حواه المقال مع التحليل الرصين وربط الاحداث بزمانها ،، ارجو من المعلقين اعادة القراءة وذلك قبل التعليق السطحى على مقال استسلام وجهاء امدرمان ،،

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..