رؤيه أوليه لرواية (طيف) لفاروق عثمان

فرغت لتوي من باكورة الانتاج الروائي لصديقنا د.فاروق عثمان..رواية رائعة حملت عنوان من مفردة واحدة-(طيف)-تقع تلك الرواية في حوالي 120 صفحة من القطع المتوسط..هي في تصوري تصنف من ضمن روايات الاطروحة حيث يعمد الكاتب لتنصيب نفسه كراوي يبث اطروحات وافكار المؤلف وتصوراته في جملة من القضايا المطروحة..الرواية تعج بجملة من الاسئلة الساخنة والمؤرقة..سؤال الهوية وسؤال الحرب وافرازاتها وسؤال الوطن والسياسة وسؤال العاطفة وانعراجاتها وانزلاقاتها وسؤال ازمات الوجود الاجتماعي وجملة الاكراهات التي تقف خلفه وتحدده..هنالك شخصيات محورية في الرواية وهنالك اخري ثانوية او اقل دورا في تحريك الحدث الروائي ورفع وتيرة انفعال القارئ به..فشخصية عايدة جلبي مثلا كانثي افرزتها ظروف الحرب ذات التعقيد الثقافي ودفعتها لان تفتح بيتا تبيع فيه ما يسميه المركز الايديولوجي الاسلامو عروبي(بالهوي) -فعايدة جلبي هذه تذكرك بتاريخ قديم بالخرطوم-تاريخ حي الترس(وهو الحي الذي تقبع فيه عمارة الفيحاء حاليا اي غرب شارع الحرية حيث زينب بت بيلا وتاريخها العجيب)-الشاهد ان بيت عايدة جلبي هو مسرح لكل ما هو طبيعي في الانسان وحقيقي..يستوي عندها المستنير والمتدين(شخصية اكرم الجمهوري) ورجل الاعمال وضباط الجيش..كان الراوي اراد ان يقول ان الناس سواسية امام سطوة الجسد..
واحدة من الاشارات الدقيقة في النفس البشرية والتي وفقت الرواية في ابرازها بشكل قوي هي تمنع الراوي عن الذهاب الي منزل عايدة جلبي مع صديقه السون وذلك بسبب الخوف من كسر التابو..ولكن بعد اعتقاله من قبل جهاز الامن وتعذيبه انكسر فيه كل خوف وهذه هي الفائدة العملية التي يجنيها كل من جرب الاعتقال وهي كسر حاجز الخوف من السلطة بشكل عام ان كانت سياسية/ثقافية/ايديولوجية/دينية/اجتماعية..الخ…
لم تجذبني بقية شخصيات الرواية فهي قد ابرزت في سياقات سرد وقائعي عادي خلي حتي من اللغة الرامزة والمكثفة والقوية ..
تم تقديم قضايا نازفة جدا بشكل غير مكثف ولا اقول غير مؤثر ولكن تاثيره لا يتناسب وحقيقة الحدث في مستواهو التاريخي كقضية انفصال جنوب السودان وهذا ربما نعزوه لحالة الملل التي تنتاب اي كاتب وميله الطبيعي لوضع نهاية مناسبة لخيط السرد حول قضية ما.
شدني جدا طريقة معالجة الراوية لقضية social outcasts او المنبوذين اجتماعيا مثل حسن مرجخيس(اللوطي) ..حيث ان الرواية بجراة شديدة حاولت اعادة تقديمه واعادة ادراجه في الحراك الاجتماعي العادي بما يملك من صفات انسانية رفيعة مفصولة تماما عن موقف الادانة الاجتماعية والاخلاقية والتي تغفل ان هذا المرجخيس ربما تعرض لعنف ما في طفولته اودي به الي هذا الحال وهي بهذا-عنيت الرواية-تفتح بابا كبيرا ومهما في مسالة الاعتداء علي الاطفال(في اعتقادي) وما يمكن ان يسببه لهم كوصمة اجتماعية مدمرة قد تدوم مدي الحياة.
وبشكل عام يمكن القول ان الرواية من الجدة في اسلوب الحكي والسرد بحيث لا تشبه الا نفسها..ثانيا:مباشرتها في طرح قضايا فكرية بلغة غير مكثفة ربما خفض من جماليتها ونحي بها الي اللغة الخبرية والصحفيةاكثر منها لغة ابداع روائي..ثالثا:تناولت الروايه احداث حاول الكاتب سبر غورها وهي احداث ماورائيه مثل ظاهرة تحضير الارواح وظاهرة الجن(البيوت المسكونه)حيث عمل الكاتب علي وضعها في اطار التفسير العلمي..ختمت الرواية بقصائد تنتمي الي جنس قصيدة النثر ولا اعتقد انها اضافت للعمل الكثير فالرواية مكتملة بدونها ..واظن ان هذه الابيات من تاليف الكاتب نفسه.

د. أنس حمدان
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. أنا شفت الإعلان بتاعها هنا وصيت رسلوها لي،بالجد ما خذلتني،،،،الكاتب ده متمكن جداً وأسلوبه براهو،،،،قريبا بكون في خارطة الروائيين الكبار،،،،شكرًا لي ناس الراكوبه

  2. كنت محظوظ جدا بقراءة الروايه من احد الاصدقاء…الروايه اعتقد اكثر عمقا وجراءه مما ذكر الناقد
    وهناك اشياء كثيره اعطت الروايه اسلوبها المتفرد لم يذكرها الدكتور الناقد…شكرا لكم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..