شوق “بخيت” الذي لايمل حتى الموت

*عندما فرغت من تصفح رواية” شوق الدرويش” لحمور زيادة تذكرت ما قاله إمام الزاوية التي كنا نصلي فيها بالدناقلة شمال عثمان جاد الله في إحدى خطب الجمعة وهو يقارن بين ممارسات بعض أنصار خليفة المهدي عبد الله التعايشي تحت مظلة “في شأن الله” وبين ممارسات بعض أنصار الإنقاذ تحت مظلة ” هي لله”.
*لن أفسد عليكم روعة السرد الجميل الذي إستطاع به الروائي الصاعد بالرواية السودانية بجدارة نحو العالمية حمور زيادة أن يتنقل بنا عبر الامكنة والأزمنة دون أن يتركنا نفارق بطل روايته شوق الدرويش بخيت منديل القادم من الجبال الغربية بكردفان ليتعلق قلبه بالمصرية اليونانية المسيحية ثيودورا في علاقة درامية عجزت الرواية عن إختصارها.
*لن أخوض مثل الذين خاضوا قبلي في القراء ة السياسية للرواية أو أورط نفسي في الإتهامات الظالمة لحمور بانحيازه للخديوية على حساب المهدية? لكنني سأجتهد ما استطعت في محاولة سبر غور هذه العلاقة العاطفية المربكة.
*منذ السطر الأول وحتى السطر الأخير في هذه الرواية الشيقة لانفارق أشواق بخيت منديل للجميلة ومستحيلة ثيودورا التي أخضعت لعمليةختان جبري بعد أسلمتها وتسميتها حواء .
*سأكتفي في هذه المساحة بتتبع بعض المواقف التي جعلت بطلنا بخيت منديل يتقلب بين الحياة والموت وهو يهرب من أغلال العبودية إلى أغلال العبودية وهو يؤكد منذ بدء الرواية أنه سينتقم ويموت من أجل محبوبته ثيودورا.
*لن أحدثكم عن الجرائم البشعة التي إرتكبها بخيت باسم الحب ولا عن الخطايا التي فرضت عليه لتلوث جانباً من شخصيته المتفردة في البراءة والنقاء? لكنني كما قلت سأتوقف معكم عند بعض محطات “جريمته” التي سببتها “محبته” لهذه الإنسانة المربكة كالحياة والموجعة مثلها.
*تعالوا معاً نسمع بعض مناجاته الأبدية : من الكافر الذي يظن أن الحبيبة تموت? يشم رائحة المسك تملأ الكون ويقول لها : خذيني إليك .. لا تتركيني? ويظل طوال هذه الرواية المربكة الموجعة يشتاق إليها لايتركها ولا تتركه في حال سبيله.
*في رحلة البعثة المسيحية للخرطوم كانت البداية حيت توسلت إليه ثيودورا ألا يذبح الغزال امامها ويترك هذه المهمة لاخيه إكراما لها? و عندما شرح لها معاني كلمات الأغنية بعدأن سألته عن معانيها : يا حبيبي الغالي .. إنقضى الليل وثقل رأسي بالنعاس.. تعال لتنام معي.
*هكذا يظل حصان بخيت المسرج لايمل الرمح في بيداء اللاشئ وهو يواصل حلمه المجنون في الصعود إلى نجمة السماء ليخطفها ويسرق من القمر خيطاً ليصنع منه حجلاً تضعه حول ساقها.
*في كتاب حواء”ثيودورا” الذي تركته له قبل الوداع يقرأ فيه : لاتحب .. كي تخرج سالماً لا لك ولاعليك? لكنه ظل يطارد حلمه القديم في لقاء يسكن بعده الشوق? شوق بتحصيل الوصال يزول كما قال الصوفي المعذب محي الدين بن عربي.
الرواية رائعة جدا وكانت جديرة بالفوز بالبوكر دون غيرها ، لغتها بديعة وبها شعرية آسرة ، يقول فيها
تحمل الشمس في كفيها
فيشع جسده بالدفء
تسري فيه كحلم
فارعة كما عهدها
قال لها يوما : انت بيضاء كالنهار
عيناها مشاغبتان تحملان حزنا دائما
مربكة كالحياة
موجعة مثلها
لا امان لها كالنهر
يلفها ثوب من نور شمس
الرواية اعتمدت في سردها على تقنية الفلاش باك فالبطل بخيت منديل الذي يهيم عشقا بمحبوبته ثيودورا (حواء كما يسميها هو) يتصيد الفرص لمقابلتها عند ادريس النوباوي الجزار واحيانا سرا عند سيدها ، هذا العشق والحب المتصل لايقابله حب من جانب حواء ومع ذلك ظل مخلصا لحبها وعشقها بايمان صوفي متصل نستطيع قراءته في الصفحة الاولى التي يستهل بها الرواية بمقولة محي الدين ابن عربي (كل شوق يسكن باللقاء لايعول عليه)
الرواية مليئة بالاحداث والحكايات المشوقة مازج بينها الروائي ببراعة تجعلك تشفق عليه من لملمة هذه الحكايات وكثرة شخوص الرواية حد الارباك
رواية ممتعة تستطيع قراءتها من اتجاهات كثيرة