هذه القضية لا تحتمل تسويفاً..!

محجوب محمد صالح

الصواريخ التي سقطت على مدينة كادوقلي حاضرة ولاية جنوب كردفان السودانية الأسبوع الماضي للمرة الثانية لا بد أن تسلط الأضواء بشدة على تداعيات الحرب الدائرة في الولايتين باعتبار أن قضية وقف هذه الحرب أصبحت جزءاً من خريطة الطريق التي وضعها الاتحاد الإفريقي لتحقيق السلام في السودان والتي أجازها مجلس الأمن وأصبحت جزءاً من القرار 2046 الذي قبله الطرفان والتزما بتنفيذه بالتعاون مع لجنة الوساطة الإفريقية.

ورغم هذا الالتزام فإننا لا نحس بأن لجنة الوساطة الإفريقية التي يقودها رئيس جنوب إفريقيا السابق تابو أمبيكي تعطي هذه القضية الاهتمام الذي تستحقه فهي تركز أكثر على القضايا العالقة بين الشمال والجنوب مع أن الأوضاع الكارثية التي تعيش فيها الولايتان الآن تستحق اهتماماً عاجلاً حتى يتوقف نزيف الدم المستمر وحتى تتم معالجة الجوانب الإنسانية المتدهورة بصورة جذرية خاصة أن المبادرة الثلاثية التي تقدمت بها الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة لتوصيل مواد الإغاثة إلى المناطق المتضررة لم تنفذ حتى الآن رغم إعلان طرفي الصراع قبولها والالتزام بها وقد شكت الأمم المتحدة من أنها بعد ستة عشر شهراً من المفاوضات المضنية وقبول الطرفين مبدئياً بمبادرة توصيل مواد الإغاثة للمناطق الواقعة تحت سيطرة قطاع الشمال والتي يعاني سكانها من مجاعة حادة فإن مندوبي هيئات الإغاثة لم يتمكنوا من الوصول الآمن لتلك المناطق حتى الآن وأن الأوضاع الغذائية في تدهور يهدد حياة السكان.

الوضع هنا كارثي على المستويين: مستوى العون الإنساني ومستوى الاحتراب الذي ما زال دائراً والذي أدى إلى القصف الأخير الذي طال مدينة كادقلي عاصمة الولاية وخلف وراءه قتلى وجرحى، بينما القرار 2046 الصادر عن مجلس الأمن والذي قبله الطرفان ينص على الإسراع بالتفاوض لعلاج هذه المشكلة بشقيها الإغاثي والعسكري.

هذه القضية ما عادت تحتمل تسويفاً وتأجيلاً لأن المواطنين المدنيين الأبرياء العزل هم الذين يدفعون ثمن هذا التسويف والتأجيل وهم الذين يسددون فواتير الحرب لأنهم هم ضحاياها المباشرون جرحى ومصابين كما أنهم يتحملون نتائج انعدام متطلبات الحياة وتعذر وصول مواد الإغاثة مما يعرضهم أحياناً للخطر وأحياناً يفرض عليهم النزوح واللجوء إلى مناطق أخرى بحثاً عن الأمان والسلام فيفتقدون ممتلكاتهم ومنازلهم ويواجهون أهوالاً عديدة واستمرار هذه الأوضاع يمثل استهانة بحقوقهم وبحياتهم تتحمل وزره أطراف هذا الصراع غير المبرر. خريطة الطريق التي التزم بها الطرفان تقوم على إدارة مفاوضات مباشرة تحت رعاية لجنة الوساطة الإفريقية ووفق أجندة ومنهج عمل واضح ومحدد في الاتفاق السابق الموقع بين الطرفين في يونيو من العام الماضي والمعروف إعلامياً باتفاق (نافع/عقار) والذي كان المؤتمر الوطني قد رفضه سابقاً ثم عاد وقبله ضمن القرار 2046 فما المبرر لتأجيل هذه المفاوضات؟

الوضع في السودان ما عاد يحتمل استمرار مسلسل الحروب الذي يزيد من الاحتقان الداخلي الذي بلغ مداه كما أن الاقتصاد السوداني المنهك لا يمكن أن يستمر يمول حروباً داخلية لا تنتهي وقدرة المواطن السوداني على احتمال هذا الصرف المتزايد على الحروب قد انتهت وهو يواجه اليوم من شظف العيش ما ناء به وأثقل كاهله، الغريب أنه وسط كل هذه المعاناة لا نلاحظ إسراعاً في إدارة التفاوض والتي من شأنها إن تمت إدارتها بحسن نية أن تقود إلى سلام عاجل وعادل.
ومع أهمية المفاوضات بين جنوب السودان والسودان فهي يجب ألا تتخذ مبرراً لتأجيل مفاوضات الولايتين فالأوضاع في هاتين الولايتين أدت إلى كوارث أمنية وإنسانية وأفرزت لجوءا ونزوحاً ومعاناة متصلة للسكان وزادت من حدة الاحتقان الداخلي وبعد مرور ستة أشهر على صدور القرار (2046) فإن هذه المفاوضات لم تبدأ حتى الآن بطريقة مباشرة بين الطرفين وكل ما حدث كان مفاوضات غير مباشرة تمت عبر اتصالات مكوكية قامت بها لجنة الوساطة مع الطرفين وانتهت إلى اتفاق حول توصيل مواد الإغاثة لم يتم تنفيذه حتى الآن وما زال أهل المنطقة يعانون من نقص الغذاء ومعينات الحياة ويهربون من ديارهم كلما وجدوا لذلك سبيلاً بينما يكتفي المجتمع الدولي بترديد الشكوى عن عجزه عن توصيل مواد الإغاثة، ولا يبدو أن لجنة الوساطة تبذل من الجهد ما يتطلبه الموقف المتدهور ولا تنفعل بالاحتراب الدائر، وهذا موقف يتطلب من لجنة الوساطة مراجعة أدائها وإعطاء أولوية لمفاوضات الولايتين المتعثرة والتي لم تبدأ حتى الآن بطريقة مباشرة ولا بد أن تجد لجنة الوساطة الدعم الإفريقي عبر الاتحاد الإفريقي والدعم الدولي عبر مجلس الأمن حتى تتمكن من إحداث اختراق في هذه الأزمة العاجلة.

محجوب محمد صالح

كاتب سوداني
[email][email protected][/email] العرب

تعليق واحد

  1. أخى محجوب كل سنه وانته طيب
    أخى فهمنا تجوالنا فى بلاد الناس أن اسوأ الأنظمة فى العالم
    هى التى يحكمها المتأسلمين أو مدعى النيابة عن الألهة فى اي مكان
    وبعدهم العسكر
    نحن فى الشرين والأسوأ ان الأستعمار جعل الحاميات فى أطراف المدن
    واليوم صارت فى وسط المدن
    أخى هذا الوضع جعل كل ما هو سودانى غير محترم
    لا يستطيع ايها سودانى التكلم عن الحرية أما مستمعين من دول أخرى
    لو لم يردوا عليك ضحكوا فى دواخلهم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..