سمسار المهام السريالية

تداعيات
إزدحمت المجالس البلدية باولئك الذين يحملون الفايلات التي تنوعت الوانها ، اوراق كثيرة وكل ورقة تكلف مبلغا من تلك الدينارات التي اعتدت علي هيبة الجنية السوداني ، كل ورقة من تلك الاوراق تستطيع ان تتعب خطوات حاملها وراء اماكن إصدارها ، اللجان الشعبية في الاحياء إنتفخت بشعور الاهمية الذي حرض حب التسلط لدي اعضائها المتسلطون و بحدة مبالغة علي اخر ما تبقي من مواد تموينية علي بطاقة المواطن التموينية التي ساعدت كثيرا في الانتخابات فمن خلال بطاقة التموين في دكاكين صرف التموين تم تسجيل اسماء المواطنين لتلك الانتخابات ، اي إنتخابات لا ادري و لكن الذي اعرفه هو انني اكتب عن العام 1994م ، كان اخر ما تبقي في تلك البطاقة التموينية هو السكر الذي تمت جدولته بمقدار سبع اوقيات في الاسبوع للفرد الواحد ، تراني مجبرا علي نبش ذاكرتي و اتذوق ذلك المنلوج عن السكر الذي كنا نؤديه في المدرسة الابتدائية في نهاية الستينات و بداية السبعينات حين اصبح للتعليم في السودان سلم و جوبهت المدارس الاولية بتحملها بناء فصلين – الخامس و السادس – بالعون الذاتي وبحفلات حميمة يشارك فيها التلاميذ و التلميذات و يؤمها جمع غفير من المواطنين مساهمين بمالهم ، يقول المنلوج
(( السكر السكر
كبير صغير ما بذكر
من الصباح إلا السكر
* * *
ابيض قيافة في الماعون
حلاتو في موية ليمون
او في لبن او فول مسحون
قط ما في شئ زي السكر
* * *
تلقي الاكل من غيرو مسيخ
اكان سليقة و لا طبيخ
الاكلة بس تصبح تاريخ
لو كان دخل فيها السكر
تلقي المره في البيت فايره
تصيح و تصرخ شن دايره
تقوم تقول عيشتن طايره
الما لقيت فيها السكر ))
اذكر ان ناظر مدرسة كادقلي الشرقية الاستاذ مختار المرضي الذي كان شغوفا بالادب و المسرح كان يشرف علي منلوج السكر و متابعة الاداء لذلك كنت اظن ان المنلوج من نظمه الخاص ولم تصحح لدي هذه المعلومة إلا بعد إرتباطي الوثيق بدراسة فن المسرح إذ عرفت ان هذا المنلوج نظمه الشاعر و المسرحي المخضرم الاستاذ خالد ابو الروس وكان وقتها السكر متوفرا و يتباهي ببياض ناصع و معلن علي الطشاته في الدكاكين و ترتاح عليه و بإنغراز اليف تلك المغرفة ، اسف ، هذه التداعيات ليست عن السكر و لكنها عن الخطة الاسكانية ، لكن ماذا افعل و السكر في بدايات تسعينات القرن المنصرم وفي دولة السودان العظمي يتطلب الحصول عليه إجراءات دقيقة و فاحصة من اهمها ان تقسم علي المصحف الشريف كي تدلي بمعلومات سبق ان ادليت بها من قبل ، القسم علي المصحف الشريف اصبح امرا سائدا و مالوفا في كل التفاصيل و من اهم الاجراءات فيما يتعلق بحصول المواطن علي قطعة ارض فيما يسمي بالخطة الاسكانية ان تقسم علي المصحف الشريف و امام لجنة يترأسها قاض وذلك بعد ان تكون قد حصلت و بجهد جهيد علي شهادة كفالة ، شهادة سكن ، شهادة مواطنة و كل هذه الشهادات بالاضافة الي قسيمة الزواج اذا كنت متزوجا و شهادات ميلاد الاطفال طبعا ، لابد ان تمر علي اللجنة الشعبية في الحي لتختم هذه الشهادات و اللجنة الشعبية لابد لها من التمتع بروح إ ستثمار عالية لذلك ختم اللجنة الشعبية اصبح الحصول عليه يتطلب صرفا ماليا للرسوم و غيرها ومن ثم عليك ان تأخذ كل تلك الاوراق وتضعها في ملف و تذهب بها الي المجلس البلدي لتضع عليها دمغات وهذا إجراء ينظر اليه موظفو المجلس بنظرات شرهة غالبا ما تدمن التحديق في جيوب المواطن ، اقول إن حمي الخطة الاسكانية تلك وضعت المصحف الشريف و القسم عليه من قبل المواطن بمثابة قياس للمصداقية تلك المتحالفة مع الخوف الديني و الذي عادة ما تستثمره حكومة الانقاذ بكل تجلياتها .
إمان من جنوب السودان يعمل ترزي في الفنون الشعبية ، لا يعرف حتي ميوله الدينية ولكنه محسوب علي المسيحية و لا يعرف من شعائرها قليل شئ ولكن حين جاءت لجنة الاراضي وعلي رأسها قاض في مباني الفنون الشعبية لتأخذ شهادات المتقدمين للحصول علي قطعة ارض في هذه الخطة الاسكانية و من بينهم ( إمان ) الذي لم يتردد و اقسم علي المصحف حين طلب منه ذلك بدون حتي سؤاله عن ديانته و فجأة سأله القاضي – (( إنت مسلم ؟ )) ، أجاب ( إمان ) ، – (( لآ )) و حين سأله القاضي _ (( طيب حالف علي المصحف ليه ؟ )) ، قال ( إمان ) بكل بساطة وتلقائية – (( ما قالوا كان إنت ما بحلف كتاب بتاع مسلمين إنت ما بلقا واطه ))
في احدي الامسيات كنت اقف في شارع العرضة اصطاد العربات الذاهبة الي ( امبدة ) هربا من إختناق المواصلات في ميدان البوستة قاذفا بنفسي الي حتمية الكرم السوداني عبر (الاوتوستوب) ، وقفت لي عربة بها شابان و لحسن حظي كان إتجاه تلك العربة الي شارع مدني بامبده وفي الطريق و بعد تبادل الحديث عرفت ان الشابان يقصدان شابا اعرفه بحكم انه جار لصديقي الشاعر و المخرج قاسم ابو زيد فما كان مني إلا ان ذهبت معهما الي هناك وفعلا وجدنا ذلك الشاب الذي اصر علي بقائي لاكتشف انه سمسار من نوع جديد فهو سمسار ( حليفة ) وقد جاء اليه هذان الشابان لان والد احدهما رفض ان يحلف علي المصحف الشريف كي يحصل علي قطعة ارض كان حتما يستحقها وهذا الرفض مبني علي ان حليفة كتاب الله ليست بهذه السهولة و كي يدعم موقفه الرافض للقسم علي المصحف الشريف لمجرد الحصول علي قطعة ارض اقسم بالطلاق بأنه لن يضع يده علي كتاب الله الكريم وفي محاولة للخروج من هذه الازمة لجأ هذان الشابان الي هذا الشاب السمسار و كان مقدرا لي ان استمتع بالدهشة و انا استمع الي هذا الحوار
السمسار :- (( انا قابلت الجماعة في الاراضي وهم مصرين علي الحليفة
الشاب :- (( يعني ما في طريقة مخارجة ))
السمسار :- (( في مخارجة ، بس عايزة مبلغ كبير ))
الشاب :- (( زي كم كده ؟ ))
السمسار :- (( والله يا اخوانا بعد لت وعجن وصلت مع الجماعة ديل لي مبلغ 60 الف جنيه ))
الشاب :- (( بس كتيره ))
السمسار :- (( يا اخي ديل كانوا مصرين علي 100 الف ))
صدقوني ما احكيه الان ليس من نسج خيالي و لكن هذا ما حدث ، هكذا للخروج من ان تقسم علي المصحف الشريف كي تحصل علي قطعة ارض ينبغي ان تدفع مبلغا من المال وبين ان تقسم و لا تقسم يتخولق اولئك السماسرة اصحاب المهام السريالية
[email][email protected][/email]
يقول أهلنا البقارة: الكتاب (بضم الكاف) شوال دقيق. لك التحية أيها الأديب السوداني الأصيل.