خواطر قرآنية (1)

دوما مايستوقفني الإعجاز و الدقة في الآية الكريمة من سورة الإسراء التي تتحدث عن الصعود الثاني (الحالي) لبني إسرائيل و مقارنتهم بأعدائهم “ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا “.
حتي في لغتنا العامية العربية السودانية كلمة “نفير” تعني “حشد” أي أن المولي عز وجل لم يقل لبني إسرائيل بأنكم في صعودكم الحالي ستكونو أكثر عددا من أعدائكم ولكن ستكونوا أكثر مقدرة منهم علي حشد “نفيرا” مالديكم .
بموجب اإحصائية 2012 الصادرة من المعهد العالمي للدراسات العسكرية IISS The Military Balance 2012 تفيد بأن إسرائيل تحشد عدد 107.8 من الجنود من كل 1000 مواطن/مواطنة .
العدد المقابل لمصر هو 17 , لسوريا هو 34.3, للأردن هو 28 من كل 1000 مواطن/مواطنة .
الانسان عندما يريد أن يفهم شيئ غيبي فهو يحتاج لتكوين صورة ذهنية مقاربة له من عالم الشهادة الذي يعرفه . لذا فعندما أخبر المصطفي عليه السلام قومه بأنه أسري به من المسجد الحرام الي المسجد الاقصي وعاد في ليلته , تسبب ذلك في ارتداد بعض المسلمين عن الاسلام , لماذا ؟
لأن كل وسائل السفر البرية المعروفة لدي كل البشر آنذاك كانت بواسطة ركوب الدواب , من أبل , حمير , و خيل . وسرعة تلك الوسائل معروفة للأنسان . المسافة من مكة لبيت المقدس معروفة للعرب وقد سلكها بعضهم , وحسب الصورة الذهنية في عقولهم ليست هنالك أي وسيلة مواصلات “دابة” يمكنها أن تقطع المسافة من مكة للقدس ذهابا و أيابا في ليلة واحدة .
أما نحن معشر البشر الذين عشنا في القرن العشرين/الحادي و العشرين ونركب الطائرات ففهم الاسراء لايشكل معضلة لنا .
بالاضافة لحادثة الاسراء فقد قربت التكنلوجيا الحديثة لنا فهم أشياء غيبية أخري وردت في القرآن الكريم .
“وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ” (49) .الكهف
الصورة الذهنية للقدماء عن الكتاب “الذي لايغادر صغيرة و لا كبيرة الا أحصاها” هي صورة سجل ضخم مسجلة فيه أعمال الانسان كتابيا , ولكن رغم ضخامة السجل فالانسان يتلقفه بيمينه أو بشماله ?أو من وراء ظهره و بيده اليسري.
المسلم الذي يعيش في القرن الحادي و العشرين , وبفضل ماعرفه و استعمله من تكنلوجيا , يمكن أن يصنع في ذهنه صورة ذهنية أفضل لذلك الكتاب الذي يحصي أعمالنا . يمكننا اليوم أن نحمل سي دي صغير في يدنا يحتوي علي ملايين الصفحات المكتوبة , فهم الاية (ووجدوا ماعملوا حاضرا) يقترب لأذهاننا أكثر لمعرفتنا بأن السي دي الصغير يمكن أن يحتوي علي فيديوهات مسجلة ? صوت و صورة- فيها الآف الساعات لحياة فرد و وتسجيل مافعله يوميا و علي مدار 24 ساعة في اليوم .
لآ أعني بأن الكتاب المذكور في الآيات هو مثل سي دي اليوم , فذلك غيب علمه عند الله, ولكن بأستعمالنا و معرفتنا لتكنلوجيا المعلومات الحديثة أقتربت الصورة الذهنية لدينا في عالم الشهادة لذلك الكتاب .
(فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)
هذا الامر الالهي هو لنبيين ليقولا قولا لينا لطاغية قال لاحقا “أنا ربكم ألأعلي” لعله “يتذكر” , يتذكر ماذا؟ أو لعله “يخشي”, ماهو الذي ربما يخشاه فرعون ؟
فرعون مثله مثل كل ولد آدم فيه قبس من: “و نفخت فيه من روحي” , ذلك القبس من روح الله هو الذي يدفعنا نحن معشر البشر , مهما كانت نسبة السوء فينا, لحب الجمال و التشوق للعدل وحب من يحاول التخلق بصفات الجمال الالهية مثل: ( الرحمن , الرحيم, الودود, الشكور,الغفور, العدل …الخ ) وخشية صفات الجلآل الالهية (المهيمن . الجبار, المتكبر, الملك , مالك الملك …الخ)) .
الله لم يجبر فرعون علي فعل أي شيئ , ترك له كما ترك لكل البشر حرية الاختيار . ألامر كان لموسي و هارون بأن يقولا قولا لينا لفرعون لعل فرعون يتذكر صفات الجمال التي طبعها المولي في قلبه والتي غطاها الرآن (بل رآن علي قلوبهم ماكانوا يكسبون) , وهو ان لم “يتذكر” ذلك لعله “يخشي” عذاب الله . و فرعون في نهاية حياته ولحظة غرقه “خشي” ولكن بعد فوآت الاوان (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال (آمنت أنه لإله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) .
يصور القرآن الكرييم شخصية سيدنا موسي تصويرا شديد الدقة حتي ليكاد يكون تتشريحا سايكلوجيا لشخصيته . تصوره الآيات في انسانيته و ضعفه البشري , كشخص سريع الغضب و قلق (قتله للمصري, رميه للألواح , عدم صبره مع الخضر)
رغم ذلك هو انسان ذكي و مرتب التفكير , فحال تكليفه بمهمة الذهاب لفرعون عرف ماسيحتاجه لاداء المهمة الربانية وقدم طلباته:
أشرح لي صدري , يسر لي أمري و أحلل عقدة من لساني و أجعل لي وزيرا من أهلي . لو لاحظنا فكل طلبات موسي لربه تختص بكيفية أداءه لمهمته مع فرعون علي الوجه ألاكمل
عرف موسي نقطة ضعفه الرئيسية التي ستعيق أداء مهمته , وحدد كيفية حلها : “أحلل عقدة من لساني ” ” …. وَأَخِي هَارُون هُوَ أَفْصَح مِنِّي لِسَانًا , فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقنِي ”
رغم غضبه الحاد عندما وجد قومه يعبدون العجل فهو عندما يخاطب المجرم الذي أضل بني أسرائيل في غيابه , يخاطبه بهدوء و يوجه له سؤال محايد و ذكي ? ليس فيه أي اتهام , “ماخطبك ياسامري ” نوع سؤال مفتوح علي كل الاحتمالات , الغرض منه اعطاء الفرصة لمن يوجه له ليقول كل مايود قوله دون حصره في زواية معينة و غالبا ماينتج عن السؤال المفتوح الحصول علي معلومات كثيرة عن الموضوع المراد . وهذا بالضبط ماتحصل عليه نبي الله موسي من السامرئ .
عند مخاطبته للسامري لم ينعته موسي باي وصف قبيح (لم يقل له ياكافر , يافاسق ..الخ) بل خاطبه بإسمه “ياسامري” . المخاطبة بالاسم و توجيه سؤال مفتوح بدلا من إتهام أتت أكلها فقد أوضح السامري بالتفصيل لماذا صنع العجل (بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ ) كيف صنع العجل ؟ (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا ) ماهي المادة التي إستخدمها ؟ (من أثر الرسول) ولماذا فعل ذلك ؟ (وكذلك سولت لي نفسي)
قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)}
حسين عبدالجليل
[email][email protected][/email]
الاخ الاستاذ حسين,
سرتنى خوطرك لانها قرانية واعجبتنى ابحارك فى هذا اليم الجميل وغوصك فى معانيه المحيطة, والقرأن يااخى وكما تعلم يحوى علم موسوعى شامل فيه المسرح والشعر والنثر, وفيه التشريع وكل انواع القوانين المدنية والجنائية والاجرائية وفنون التحقيق والاستجواب والاستدلال والاستنباط والاستنتاج والاستنباء والتوقع وكل ذلك مربوط بعلوم النفس الاتية من خبير بصنعته عليم بخلقته وفيه الاعلام ورسالاته والديبلوماسية وطرائقها والاقتصاد الذى يقود للتقوى التى تنتج لصاحبها حسن المخارج والجالبة للرزق من حيث لا تدرى, احييك احى على حواطرك وياليتك تواصل من هذا النبع , فمداده لا ينفذ وكلماته لا تبلى ولا تنقطع والسلام,
اخوك رشدى محمد الباشا.
شكرا الاستاذ حسين عبد الجليل علي هذه السياحة العقلية الادبية وهكذا القران كما قال الرسول صلي الله عليه وسلم (لا تنقضي عجائبه ولا يخلق علي كثرة الرد ) فقط يريد منا التامل وانظر مثلا في سورة (وتري الشمس اذا طلعت تزاور عن كفهم ذات اليمين واذا غربت تقرضهم ذات الشمال الي اخر الاية 17 من سورة الكهف ) وانظر للتعبير تزاور وتقرض ومعلوم حرارة شمس الصباح والنهار فهي تزاور تمشي وتجي لتعطي الجسم ما يحتاجه ومعروف انكسار شمس الاصيل فهي تقرض علي قدر الحاجة اي انها لا تزاور بل ظلت عليهم للمغرب لان استمرار علي ذلك النحو هو القرض ) فعلا القران يحتاج لتاملنا وتدبرنا ففيه متعة التامل لا تدانيها متعه وشكرا علي هذه المؤانسة وواصل في ذلك
تحياتي للأخوين سيف الدين خواجة و رشدي محمد خليل:
يسعدني جدا اعجابكما بما كتبت و ان شاء الله ساكتب خاطرتين أخريين حول نفس الموضوع. يشرفني جدا أطلاعكما علي مقاليين سابقين لي بالراكوبة بعنوان (فهم مغاير لمعني كلمة “هيت” في الآية الكريمة: “و قالت هيت لك) وتجدونه علي الرابط التالي:
http://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-9383.htm
و مقال بعنوان (التطور الروحي لسيدنا موسي حسب آيات القرآن الكريم )وتجدونه علي الرابط التالي:
http://www.sudanile.com/index.php?option=com_content&view=article&id=90607:2016-02-15-15-24-30&catid=34&Itemid=55
مودتي ..