سيدي الوالي.. المراكب ما تحلك

تتوهم ولاية الخرطوم حل مشكلة المواصلات العامة وتوفير وسائل النقل للمواطنين فى العودة بنا إلى زمن المهدية وما قبل الاستعمار الانجليزي واتخاذ المراكب وسيلة للنقل، فقد تفتقت عبقريتهم عن أن أنجع وسيلة لنقل المواطن هي زورق مائي يحمله من شاطئ النهر في بقعة طرفية ويضعه على الشاطئ عند ملتقى النيلين وكأن المواطن يسكن على النيل مباشرة.
ربما لا تدري ولاية الخرطوم أن مواطنها ينتشر في الوهاد والأرياف البعيدة ويعتمد في بعض مناطقها على الري المطري لبعدها عن النيل، وربما تجهل أنها تمتد لمناطق يمسها الجهل في أعماقها الدينية حتى لدرجة أن بعضهم لا يعرف اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم… أو لعل الولاية تظن أن مواطنيها هم من يعيشون على مرمى حجر من النيل في أحياء المنشية والمقرن ومدينة النيل والحتانة والجرافة والقيعة والكلاكلة القبة، وليس من بين مواطنيها من يسكن الوادي الأخضر والوادي الأحمر والصفيرة والسمرة حيفا ويافا وأبو زليق.
حتماً لن تقوى عبقرية المراكب كوسيلة نقل أمام الواقع الذي يتطلب من أي مواطن أن يركب وسيلة مواصلات ليصل إلى نهر النيل ليركب الزورق “المركب” ويصل إلى مرسى المقرن ليستقل الحافلة من جديد ليصل إلى مقر عمله أو “وسط البلد”، فهذا الواقع سيضع المواطن تحت تكلفة مضاعفة ثلاث مرات في ظل جشع أصحاب الحافلات وعدم مقدرة الولاية على ضبط أسعار الركوب، وبالتالي فإن مشروع النقل النهري أو البصات النهرية يحمل جينات فشله في دواخله وما هو إلا وسيلة جديدة من وسائل هدر المال العام.
وبالطبع لا نتوقع أن يكون هناك رشيد من بطانة الوالي ليهدي إليه عيوبه أو يخبره بأن الفكرة ميتة لا محالة، طالما أن هناك أموالاً تدفع للاستيراد بالعملات الصعبة. لذا فإن مصير البصات النهرية سيكون مثل مصير بصات الولاية التي تم استيرادها بعد أن انتهى عمر بعضها الافتراضي واستنفدت أغراضها في دول أخرى فكانت المحصلة أننا قد استوردنا أكوامًا من الخردة دفعت فيها ملايين الدولارات وفاقمت مشكلة المواصلات.
لو تمت محاسبة من تسببوا في هدر المال العام عن طريق بصات الولاية المعطوبة لاهتدى الآخرون إلى أفكار نيرة غير أن عدم المحاسبة يجعل هناك من يفكر في أفكار معطوبة أخرى على سبيل التجربة، وطالما أن الذي يدفع هو المواطن فلا بأس أن نعيد فيه التجارب إلى أن تنجح إحداها.
على والي ولاية الخرطوم أن يعي مبكرًا أن بصات النقل النهري ومحطاتها المائتين لن تجد من يستقلها باعتبارها وسيلة أشبه بالرفاهية وعليه أن يعلم أن البصات النهرية الفاخرة شكلاً سترسو بعد حين متكدسة على مراسي الورش أو تباع لمن يريدها شأن البصات التي أصبحت سمة مميزة لشوارع الخرطوم أينما حللت وجدتها متآكلة تقف غير مأسوف عليها.
مشكلة المواصلات التي أقعدت تفكيركم لا يكمن حلها في بصات معطوبة ولا مواعين تشق عباب النهر تمشي الهوينى حل المشكلة يكمن في الاعتراف بالسياسات الخاطئة التي أقعدت قطاع النقل الخاص بزيادة تكاليف الإنتاج وأخرجت الآلاف من الحافلات عن الخدمة وأيضاً في سياسات نقل المواقف التي اثبتت خطأها واعترفتم به ولكن لم تعالجوها.

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..