أخبار السودان

لقاء مع السفير البريطاني

عثمان ميرغني
أمس ابتدرتْ صحيفة (التيار) فكرة صحفية جديدة، أطلقنا عليها (المائدة المستديرة).. تتلخصُ في استضافة شخصية مهمة لحوار صحفي مباشر مع كوكبة صحفيي (التيار) وفق مراسم تتجاوز المؤتمر الصحفي إلى مائدة حوار مفتوح..

نهار أمس كانت أول مائدة مستديرة وتشرفنا باستضافة السفير البريطاني الجديد السيد (عرفان صديق) في أول إطلالة إعلامية له بعد تسلمه المنصب قبل أقل من شهرين.. أول ملاحظة لفتتْ نظري رغم أنَّها أول مرة يرى السفير فيها السودان ومع قصر الفترة التي قضاها بالخرطوم، إلا أنه قدم معلوماتٍ وإفاداتٍ من ظل في السودان منذ استقلاله.. وهذه قيمة العمل المؤسسي لمثل هذه الدول العريقة المتقدمة.. إن الموظف العام فيها يعمل بعمق وعمر المؤسسة لا بمحض عبقرية لسان الحال والمكان.. وهذا ما نفتقده في السودان في مختلف المستويات والمجالات.. أي موظف عام في السودان وفِي أي موقع يبدأ دائماً من الصفر.. يفترض أن الحق الإلهي الذي فوضه الوظيفة إنما جادت به عبقريته التي تجب ما قبلها.. فالتاريخ يبدأ به، وغالباً ما ينتهي به ومعه عندما يغادر المنصب تتبعه لعنات خلفه.. فتظل المؤسسات عندنا محض أوهام صورية تتلبس روح شاغليها..

حديث السفير البريطاني كان واضحاً كالشمس كشف كثيراً من التغافل الرسمي عن حقائق إن لم تواجه بكل سفور فلا سبيل للتعافي من وكسات الفشل المريع المخيم فيها.. من هذه (الوهمات) التي أبانها السفير حكاية (الحصار والمؤامرة) الدولية على السودان.. السفير وصفها بأنها (أساطير) تعشعش في العقلية العربية.. فلا حصار ولا مؤامرة ولا يحزنون.. بل ذهب أكثر من ذلك وربط مستقبل السودان -خاصة الاقتصادي- بتطبيع علاقاته مع المجتمع الدولي.. فانحسار العلاقات الثنائية السودانية مع المنظومة الأوروبية، مثلاً، لن يصلحه أي تفاهم ثنائي بين أي من دول المنظومة والسودان مهما تذوقت الدبلوماسية.. فالطريق للتفاهم يمر عبر بوابة دولية تعتد بكثير من القيم والمبادئ العابرة للحدود.. فقضايا حقوق الإنسان مثلاً لم تعد شأناً داخلياً.. ولا يمكن تطبيع علاقات السودان الدولية بعيداً عن سياق السياسات التي تديره والمفاهيم والسلوك المؤسسي الذي يحكم قراراته..

والحقيقة أننا في السودان نكابد ذهنية تفترض أننا دولة في كوكب آخر ليس مشروطاً بمعايير دولية راسخة.. تتعسف الدولة في كثير من الأحايين قراراتها وفق نظرية (ما اختلت الحكومة بالمواطن إلا كان الشيطان ثالثهما)، ثم عندما تصدر التقارير الدولية التي تضعنا في ذيل القوائم تصرخ الحكومة بعبارة (المؤامرة والحصار الدولي)..

بصراحة نحن في حاجة ماسة لاستدراك المفاهيم التي تحكم بلادنا.. المعاندة لم ولن تجدي.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..