مقالات وآراء

نعم ..ما زالت أنسة

تجمع بيني وبينها علاقة جميلة ..احب ان اطلق عليها لفظ (الصداقة عن بعد)..على غرارالتعليم عن بعد ..ذلك انني لا التقيها كثيرا ..ولا اتعمد زيارتها كذلك ..ولكنني عندما اصادفها في أي محفل ..تجدني اسارع نحوها واسلم عليها بحرارة ..ثم نتجاذب اطراف الحديث ونتبادل النكات والمزاح ..ونفترق دون حتى ان أعرف لها عنوانا…
سمعت بالصدفة انها مريضة ..مرض اقعدها عن المشاركة في المحافل العلمية …بحثت عن عنوانها وذهبت لزيارتها ..فوجدتها تسكن في شقة فخمة ..حديثة الاثاث ..مرتبة اكثر من اللازم ..ذلك اليوم فقط اكتشفت انها غير متزوجة ..وهي تعيش وحيدة بعد وفاة والديها وهجرة اخيها واطفاله الى امريكا …قالت لي انها تلقت عرضا للتدريس باحدى جامعات الخليج ولكنها رفضت ..مازحتها قائلة (ليه يا زولة ..حد يرفض الريالات والدراهم الايام دي؟؟)..تنهدت عميقا ثم قالت (يا زولة ..انا عندي محمد ولا فاطنة؟؟ يلا حسن الختام)…
لم احسها يائسة وحزينة الا في ذلك اليوم …ماذا تفعل المرأة التي لم يكتب لها الزواج عندما تتقدم بها السن؟؟ ..ربما في تلك اللحظة التمست العذر لاؤلئك الذين من الممكن ان ينظروا اليها من بعيد ويتحسرون قائلين (اها عملت دكتوراة ..وتدرس في الجامعة ومن طيارة لي طيارة في المؤتمرات ..ماذا لو تزوجت وانجبت طفل او اثنين ..)..ولكني ساهب دفاعا عنها وعن كثيرات مثلها …(يعني تعمل شنو ؟؟ تنزل اعلانات تقول عريس لله؟؟ ولا تجلس خاتة يدها على خدها في انتظار عطف احدهم ؟…هي انسانة ماشة في حياتها ..اذا جاء النصيب ..كان بها ..وان لم يأت فالحياة لا تتوقف عند احد )..
كنت اراقبها وهي تتحرك بصعوبة ..قلت لها فجأة (ليه ما تتبني طفل ؟)..توقفت في منتصف الطريق ..والتفت الي مندهشة وكأنني اتيت بما لم يستطعه الأوائل (اتبنى طفل؟؟ لكن دا مش فيهو شبهة)…(شبهة ؟؟ منو القال كدا؟؟ اعتقد ان التشديد على عدم الحاقه باسمك ..لكن ممكن تجيبي طفل وتربيهو وتساهمي في انك تحلي مشكلة انسان وكمان يملا عليك البيت …اقول ليك جيبي بنت …تونسك ..وتساعدك ..وتكبر يمكن كمان تتزوج ان شا الله وتجيب اطفال..مين عارف ؟؟)…
ظهرت عليها علامات الحيرة ..وبدا انها تقلب الامر على وجهيه ..لانها جلست في أقرب كرسي وبدات تفكر بصوت عال (اها وبعدين تقوم يبقى طبعها صعب ولا تظهر لي جينات من وين ما عارفة )..ضحكت وقلت لها (جينات شنو يا زولة ..الاخلاق مكتسبة وانت ما شا الله انسانة واعية ودارسة تقدري تربيها وتعلميها ..).. ثم أردفت مازحة (بس ارحميها من التنظير الكتير بتاع اساتذة الجامعات دا)..قالت لي (خلاص انت جبتيها وسكنتيها معاي …وبقيتي تفتشي ليها في التنظير من عدمه؟؟)..ضحكنا سويا ..ودعتها متمنية لها الشفاء العاجل ..وخرجت بعد ان انتزعت منى وعدا ان اداوم على زيارتها ….ولكن صباح اليوم تلقيت منها رسالة صغيرة تقول (تعالي امشي معاي المشوار الاتكلمنا فيهو اليوم داك )…وكان هذا سبب كتابة هذا المقال ..(لو اكون زول ليهو قيمة ..أسعد الناس بوجودي …زي نضارة غصن طيب ..كل يوم يخضر عودي ).
الجريدة

‫4 تعليقات

  1. ما شاء الله كلام ملهم وجميل وعميق..
    للاسف مثل هذه البضاعة نادرة جدا هذه الايام.. أيام الردحي ولغة الكراهية والطاقانت السلبية التي أوردت البلاد والعباد موارد الهلاك..
    نهنئك على هذا النص الرائع.

  2. رائعة كالعادة يا دكتورة، مقالات جميلة.. زي نسمة في عز الصيف هبت.. أشكرك من كل ذرة من مشاعري، و أفكارك نيرة.. أقول للأخت التي لم تتزوج: و يعني؟ هل الزواج فرض على الإنسان؟ يا ما هنالك نساء لم يتزوجن و قدمن للبشرية ما تعجز عنه الآلاف.. عدم الزواج ليس عيب إلا في مجتمع متخلف.. و فكرة دكتورة ناهد عظيمة، و يا ريت لو تتبني و لد و بنت.. و ياريت كل إنسان قادر مادياً أن يتبنى أقصى ما يقدر عليه.. كدا نكون خدمنا الإنسانية بأروع الأفعال.. و ربنا سيجزي من يفعل ذلك عظيم الجزاء… مشكورة مرة أخرى دكتورة ناهد و بارك الله في صديقتك العظيمة.

  3. تحياتي دكتورة … من أسوأ الأشياء في الحياه ألا يكون للإنسان زرية يقومون برعايته في الكبر … انا شخصيا عايشت من هن كذلك … ايام دراستنا الجامعية بالفرع كانت الزميلات يرفضن فكرة الزواج المبكر اي بعد التخرج مباشرة وذلك بحجة العمل او من يتقدم لهن (على قدر الحال) … من الطبيعي ان يكون لنا علاقات عاطفية مع بعضهن لنتوجها بالزواج ولكن كن برفضن بحجة ان الزميل مفلس وياداب في بداية الطريق يعني (عايف حالو) … ثم تمضي السنين … بعدها تزوجنا وانجبنا نحن الذكور … في احدى اجازاتي نزلت السودان والتقيت بثلاثة منهن … فعلا محاميات كبار ولكنهن طعن في السن ولايرغب احد فيهن … احداهن قالت لي ياريت لوسمعت كلامك لان اخواني كلهم تزوجوا وهاجروا وان وحيدة في بيتنا لا ام ولا اب ولا اخ ولا اخت ولا زرية … كنت احبها حبا شديدا … داريت دموعي وقبل ان اغادر اخذت رقم تلفون ولا زالت تتصل حتى الأن … ولكن اين المفر اكبر اولادي في خامس جامعة واصغرهم في المتوسط … كانت تشكو لي الوحدة والوحشة وبوادر الكبر … لك الله ايتها الغالية ان يتلطف بك .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..