مقالات سياسية

هل المكر السياسي سبب مغادرة حمدوك؟‬‬

د. الفاتح إبراهيم / واشنطن 

يحق لي أن أودع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إذ أنني كنت من أوائل المستقبلين له بمقال منشور في هذه الصحيفة حين حلت طائرته في الخرطوم وانعقاد أول مؤتمر صحفي بعد سقوط نظام الإنقاذ .. لقد كان أمر جلل حيث ملأت الطاقة الإيجابية قاعة المؤتمر وكل أرجاء الوطن .. لقد أمّ اللقاء نخبة من الصحفيين المحليين والدوليين وادارت المؤتمر بكفاءة الأستاذة داليا الروبي .. كان ذلك حدثا فريدا تحفه الأماني والنفوس المفعمة بالأمل والطموح نحو مستقبل مشرق بعد نجاح ثورة عارمة نالت اعجاب شعوب العالم .. وتناولت أحداثها أجهزة الاعلام العالمية المقروءة والمسموعة منها والمرئية  .. ثم سرعان ما دخل الوطن في مرحلة الانتقال واثق الخطى مدفوعا بزخم الثورة العملاقة التي مهرها الثوار بالدم والتكافل والتضامن الصلب المتماسك .. 

ولكن أحيانا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن .. رويدا رويدا اطلت احابيل الظلام براسها “الزقومي” لتعيق المسيرة وتبدد قواها .. اتضح ان الفلول لم تيأس حيث مازالت اوهامها تزين لها العودة والاجهاز على الثورة الفتية ..

   ‬

في النت هذه الايام تسجيل متداول على نطاق واسع يروج لافكار – بحسن نية لا تخلو من تبسيط – أن الظروف التي أدت الى استقالة واستبعاد حمدوك كانت خطة لإعاقة تطوير السودان وان أعداء البلد هم الذين تخلصوا منه لهذا السبب .. الكلام قد يبدو جيدا لا غبار عليه في إحدى جزيئياته ولكن قد يكون ان الزاوية التي ينظر من خلالها من يروجون لذلك انهم  لجأوا الى التحليل العاطفي للأحداث مما جعلهم يفتقدون النظر عميقا لجوهر القضية .. وضح جليا ان لا خيار لحمدوك – بعد محاولات متستميتة للبقاء – أنه لا بد من المغادرة ..   

                                                                                                                                                    وعندما نمعن النظر في المرجعية نعرف أن المنظمات الدولية في الأمم المتحدة التي جاء منها والتي تعج بالخبراء السودانيين حيث شهدت لكثير منهم بالتفوق والنجاح في مجالات عملها .. وحمدوك أحدهم حيث لا تنقصهم الخبرة والكفاءة الاكاديمية .. وأذكر مثلا من  وصل الى قمة مجلس ادارة “الفاو” هو الدكتور محمد عبد الله نور الذي أعرفه شخصيا ويعرفه السودانيين وزيرا للزراعة وأعرف ما وصل إليه من مكانة مرموقة في مجالات منظمة الفاو .. 

ليست هذه هي المشكلة انما مشكلة الفشل الذي اصاب تلك المرحلة أن أي من خبير يأتي في هذه الظروف ولا شك في وطنيته واخلاصه يأتي بنية حسنة لخدمة الوطن .. وبرهنت الاحداث وظروف السودان الخاصة ان ذلك وحده لا يكفي إذا صاحب ذلك نقص في الآليات المناسبة للاطلاع بمهام تلك المرحلة الحرجة والهامة من عمر الثورة .. كانت المرحلة تحتاج “المكر السياسي المحنك” لإدارة المشاكل السياسية والخوض والابحار في ظلمات دهاليزها وحسمها كقائد ثورة .. وان يكون الذي يتصدى لهذا الامر ملتصقا بمزاج  وببيئة وثقافة الاحداث التي اندلعت فيها الثورة  وهي تختلف عن ثقافة وبيئة ومزاج المنطمات الدولية التي يأتي منها الخبير .. فقد جاء حمدوك والثورة في عنفوانها ولا عجب – بعد فترة – منطقيا او غير منطقي ان لا يستقبله نسيج جسم الثورة كعضو من خارج الدائرة تماما مثل ما يحدث في عمليات زرع الاعضاء عندما يرفض جسم الشخص المعالَج العضو المزروع إذا لم يكن منسجما مع انسجته.. وليس هذا انتقاصا في الخبير الدولي في شخصه وانما تظل الثورة والبلاد في حاجة ماسة إلى امكاناته عندما يتم تهيئة الظروف المواتية بعد أن تقوم الثورة وقيادتها على طريقة اسلوب المرحوم علي محمود حسنين – الذي أعلنه بين شباب الاعتصام .. واتضح فيما بعد أن ذلك كان بمثابة وصيته الأخيرة .. لقد ظهر جليا أن كان من أولويات الإجراءات الثورية تنظيف الساحة بقوة وحسم ثوري من عناصر المؤتمر الوطني وكيزان النظام البائد .. ثم بعد ذلك يمكن أن يأتي الخبراء الدوليين وطاقمهم لتطبيق النظريات الاكاديمية العلمية للنهوض بالبلاد وتنفيذ المشاريع المطلوبة وإقامتها على أرض تركها نظام الانقاذ يبابا خرابا .. 

على أي حال ما زالت الفرصة قائمة تستمد قواها من النفوس الطاهرة لهؤلاء الشباب الذين يتوقون لوطن يعيشون فيه بعزة وكرامة ..

[email protected]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..