جاء يوم شكرك يا نقد

جاء يوم شكرك يا نقد

محمد عيسى عليو

لا أدعي أي معرفة بالأستاذ الكبير الفقيد محمد ابراهيم نقد، فقد كنا في أجيال وأفكار وجغرافية مختلفة، الا ان هموم الوطن قد قاربت بيننا والحكمة المهدوية تقول المزايا في طي البلايا والمنن في طي المحن، وها هي المحن قد قاربت بيننا والأستاذ الفقيد نقد، فهيئة جمع الصف الوطني التي أُنشئت في اواسط عام 7002م والتي ترأسها المشير عبد الرحمن سوار الذهب، كنت أحد نوابه ومن الذين يسيرون دولاب العمل بوضوح خلال سنتين وهي عمر الهيئة ثم قبرت بفعل فاعل لأنها كانت لا ترضي هوى متنفذين في الحكومة، وبالطبع كانت ترضى هوى الوطن والمواطنين.. والفرق كبير.
لقد التقينا بكثيرين من قيادات العمل السياسي وأذكر منهم الآتي، السيد رئيس الجمهورية، السيد الصادق المهدي، السيد احمد الميرغني. الأستاذ محمد ابراهيم نقد، الشيخ محمد هاشم الهدية، الدكتور حسن عبد الله الترابي، السيد مني اركو مناوي، العميد عبد العزيز خالد، الأستاذ ساطع الحاج، الدكتور علي الريح السنهوري، الزهاوي ابراهيم مالك، المهندس اسحق آدم بشير، الدكتور أحمد بلال، الأستاذ تجاني مصطفى، «حزب البعث» وليس تجاني مصطفى عضو حزب المؤتمر الوطني، وقد قابلنا الكثيرين من الصف الثاني من قيادات هذه الاحزاب والمجموعات. كما قام وفد من الهيئة بزيارة السيد محمد عثمان الميرغني بالمدينة المنورة ووفد آخر لزيارة دارفور ومكث هناك ثلاثة أيام و«الدنيا رمضان». ووفد ثالث الى دولة اريتريا وتشرفت برئاسته وتمت مقابلة الرئيس الاريتري اسياسي افورقي، حيث سهل لنا لقاء ناجح جداً مع قادة الحركات الدارفورية المسلحة التي لم توقع على اتفاق أبوجا وهي : حركة تحرير السودان ويمثلها عبد الواحد محمد نور، وحركة العدل والمساواة ويمثلها عبد العزيز عشر شقيق الراحل د. خليل ابراهيم، والذي يقبع الآن في سجن كوبر، وجبهة الخلاص ويمثلها الأستاذ أحمد ابراهيم دريج، وآخرين كثر من قادة الحركات العسكرية كأحمد بخيت والسياسيين كدكتور شريف حرير، هذه هي الظروف التي جمعتنا بالأستاذ الفقيد نقد فقد إدلهمت الخطوب بالوطن وكان لا بد من التنادي لانقاذه فهؤلاء الذين اجتمعنا بهم جميعاً كان نقد يتقدم غالبيتهم بفكره الثاقب وبعده القومي، وبعده عن التشنج مع التواضع الجم، وعدم تضخيم الذات، لم يكلفنا الكثير من اللت والعجن، والتلاعب بالالفاظ والادعاء بصنع الخوارق، والايحاء بالاهميات، كنت أتوقع وحسب التاريخ السابق الذي شهد صراعاً بين الاسلاميين والشيوعيين أن إقناع نقد بالتوجه الوطني الذي سيجمعه بالاسلاميين سيكون أمراً شبه مستحيل، ولكن فاجأنا الأستاذ المرحوم نقد بتفهمه لتحديات الوطن، بل أضاف أفكاراً نيرة استفدنا منها استفادة كبيرة، ولم يكلفنا الأستاذ نقد غير اجتماعين حتى اتفق معنا هو وقيادات حزبه على كل الاجندة الوطنية، ولكم ان تعلموا ان آخرين من قيادات العمل الوطني كلفونا لادارة أكثر من ستة اجتماعات معهم، حتى وصلوا معنا الى اتفاق على الاجندة الوطنية، ولكي نمتحن صدق النوايا رأينا أن نجمع كل هؤلاء في منزل المشير سوار الذهب، وكنا أكثر تخوفاً من غياب الأستاذ نقد، ولكنه فاجأنا بحضوره المبكر جداً، مما أراح ضمائرنا وأثلج صدورنا وأزاح هواجسنا وهمومنا، وكان معه الدكتور الشفيع خضر أتمنى له مستقبلاً طيباً في الحزب حيث كان قريباً من الأستاذ نقد.
وبعد نهاية عشاء العمل الذي تشرف بحضوره السيد رئيس الجمهورية والسيد أحمد الميرغني، ود. حسن الترابي، والسيد الصادق، والاستاذ نقد، والشيخ الهدية، والدكتور السنهوري والدكتور آدم مادبو، كان من نصيبي أن أودع الأستاذ نقد ومعه الدكتور الشفيع حتى اوصلتهما الى سيارتهما، فسألني الأستاذ نقد عن معنى عليُّو فقلت زي نُقد يا أستاذ فكلنا عرب استعجموا، وعجم استعربوا وهذا هو السودان، فضحكنا، ولكن قلت له ربما الاسم يرجع لعلي، كأن نقول عليٌ بن أبي طالب، فهنا تحدث الأستاذ نقد وبشهادة الأخ الشفيع خضر بتأثر شديد جداً عن علي بن ابي طالب وقال بالحرف الواحد، والله (البقت) على علي بن ابي طالب، لو فزعونا نحن السودانيين ومعانا شيوعيتنا ديل لو نركب الطرور لنصرنا علي بن ابي طالب، فتأثرت جداً بهذا الكلام وودعتهما بسرعة والدموع فاضت دون ان ادري حتى داريتها بكمي وأنا في طريقي لباب منزل سوار الذهب مرة أخرى لنودع الضيوف الباقين. وما كان تأثري إلا للإيمانيات العميقة السرية في وجدان نقد والتي لم نكن نعرفها من قبل.
الموقف الآخر لي مع الأستاذ نقد، كان في يوليو من العام الماضي ونحن في طائرة اليونميد متوجهين للدوحة لحضور توقيع اتفاق الدوحة وقبله حضور مؤتمر أهل المصلحة حيث دُعيَ له قادة الأحزاب ومن ضمنهم كان الأستاذ نقد، فقد تجولت في الطائرة حتى وقعت عيني على الأستاذ نقد وسط العشرات من أبناء دارفور فأسرعت نحوه وسلمت عليه، فقال لي أنت عارف الآن أنا بفكر في شنو؟ قلت لا أدري، قال لي كم ساعة نحن الآن في السماء؟ قلت حوالي ثلاث ساعات قال لي رغم بعد هذه المسافات، كيف الجماعة ديل وصلوا الاسلام حتى عندنا في زمان الجمال داك، فقلت له: تلك قدرة الله. هذه الايمانيات شهدتها بنفسي وتجربة عشتها مع الأستاذ نقد، وكما يقول أهلنا هو الآن قابل ربه وأنا مقابل الهوى، لقد حكيت هذه المواقف الايمانية للأستاذ نقد للدكتور آدم مادبو، وزير الدفاع السابق في الديمقراطية الثانية، فقد قال لي د. مادبو، انه وبعد انقلاب مايو تم اعتقال قيادات العمل السياسي وقد كان نقد من بينهم، فشهد له مادبو بالاستقامة في الصلاة، وقال انه رجل صبور يتمتع بسرعة البديهة والنكات الجميلة والصبر عند الشدائد.
أما من جانب رئاسته لحزبه، فقد جعله حزباً سودانياً بحق حيث ائتلف مع الأحزاب الوطنية، وأصبح جزءاً من المواطنة، وما ذلك الا لمرونة الأستاذ نقد، وحسن ادارته، وعندما عقد مؤتمر حزبه الاخير وقف ضد تغيير اسمه ولكنه قال خلو العنوان، انتو اشتغلوا، وهذا وحده يؤكد ثقة الرجل في العمل وليس العنوان، كم من أناس يكتبون العظيم من المفردات ويعملون بعكسها تماماً، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رب قارئ للقرآن يلعنه، لان القرآن يلعن آكل الربا، والزاني وشارب الخمر وآكل اموال الناس بالباطل ونفس الذي يفعل هذه الافاعيل يقرأ القرآن ليل نهار.
معظم الأحزاب السودانية حاولت ان تغير من اسمائها القديمة، الحزب الاتحادي كان الوطني الاتحادي، حزب الشعب الديمقراطي واخيراً الاتحادي الديمقراطي، هل غير ذلك من برامجه من شيء، جبهة الميثاق، الاخوان المسلمون، الجبهة الاسلامية حزب المؤتمر الوطني، هل غير ذلك من فعل وسلوك الاسلاميين بشيء، حزب الأمة حاول رئيسه تغيير اسمه في المؤتمر التأسيسي 68م ولكن الاعضاء رفضوا، ولكن رغم ذلك اضاف إليه كلمة «قومي»، هل غير ذلك من سياسات الحزب من شيء، فالاستاذ نقد كان رجلاً واقعياً، واثقاً من نفسه معتداً بها، لولا هذه الصفات لكان أول المتنازلين من عنوان الشيوعية للهجمة الشرسة التي واجهها حزبه. لقد فقدت البلاد ركيزة اساسية من ركائز الوطن، نقد، أحبتي لم يخرج من وطنه في أحلك الظروف، ولم يبعه بدراهم محدودة، ولم يلهث وراء الشركات والمنظمات الفكرية الخارجية لتمول نشاطه، حتى لا يكون اسيراً لديهم.
حزنت لفراق نقد، ولكن حزنت أكثر عندما تكاسلت ولم أعقد معه مقابلة لبحث أهمني جداً وهو تقلبات الادارة الأهلية من جراء القرارات السياسية، والأستاذ نقد وحزبه ليسا ببعيدين عن حل الادارة الاهلية، ولقد تحدثت مع الأستاذ المحامي صالح محمود أحد أعضاء الحزب الشيوعي البارزين في هذا الخصوص وقال لي الأستاذ نقد دائماً يكون موجوداً في دار الحزب، ومع مشغوليات الدنيا الكثيرة لم أستطع الذهاب اليه حتى علمت أنه ذهب الى بريطانيا مستشفياً، والله قلت في نفسي لعلي لا أقابل هذا الأستاذ أبداً، وهذا ما حصل، ونحن نقبر الأستاذ نقد في مقابر فاروق حتى تذكرت قول الرئيس السنغالي ليوبولد سنقور، هو الرئيس المحرر للسنغال ومعروف انه بالاضافة الى انه سياسي محنك وحاكم عادل، كان شاعراً وفيلسوفاً، هذا الرجل المسيحي تدرج بالسنغال حتى شبت فيها الديمقراطية على رجليها ومن ثم سلمها لعبده ضيوف المسلم السني، متى كان الدين عائقاً بين الشعوب التي يجمعها الهم الوطني، والاستقرار، ورفاهية الشعوب والعدالة، تذكرت قول هذا العبقري عندما قال عندما يموت شيخ افريقي كبير أحس أن مكتبة عظيمة قد احترقت، فكذلك موت نقد بالنسبة لنا بالاضافة للبعد الوطني، فإن البعد المعرفي قد فقد قامة، ودفنت أسرار عظيمة معه، وللاسف كعادة السودانيين الذين لم يكتبوا مذكراتهم، واذا كتبوها سيحرقون منها فصول الخذلان والعمالة والارتزاق والجبن عند الذين ساروا معهم في هذا الدرب، وهذا ما يفتقده المؤرخون في البحث عن حقائق الماضي لهذه البلاد، فالذئب يدعي انه الأسد، والاسد رابض في عرينه لا يهمه خارجها الا اذا جاء وقت الملمات، وقتئذ يختفي الذئاب وكأنهم في حالة ممات، لذلك أخشى ان لا يكون الأستاذ نقد قد كتب مذكراته واذا كتبها أرجو أن لا تكون شحيحة من الأسرار، وأكرر كعادة السودانيين لا أعتقد أن نقد سيكون أفضل من غيره في فقه السترة، رحم الله الأستاذ نقد رحمة واسعة، لقد قابل ربه لا شيء لديه إلا كفنه الذي قطعاً سيكون الذي دفع قيمته غيره، جاءه بلسان رطب لم نسمع قط أن نقد تفوه على رؤوس الاشهاد بكلمة نابية إساءة لجهة دينية أو سياسية كما يفعل بعض المسلمين السودانيين الذين يقرأون الحديث النبوي القائل (وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)، وهذا الذي نجا منه نقد.
التلوث البحري..من المسؤول ؟
من الواضح ان قضية التلوث البحري الذي غطى قبل ايام مساحات واسعة من سواحل البحر الاحمر جنوب منطقة هوشيري آخذة في التطور بعد ان قام عدد من الصيادين المتضررين بفتح بلاغات ضد الجهات المختصة، ويقول الشاب حسن بعلاب القيادي المعروف واحد اصحاب مصائد الاسماك انه ابلغ نيابة ولاية البحر الاحمر بالحادثة وطالب الجهات المتسببة في التلوث بالتعويض عما لحق به من ضرر وكذلك فعل احد صيادي منطقة هوشيري بعد ان فشل في ابعاد كتل الطبقات الزيتية السوداء عن شباك الصيد ما ادى الى تمزقها واتلافها التلف
الكامل وبعد ان ظهرت على جسده اعراض مرض جلدي غريب .
اذن هنالك تلوث بحري ما يزال مجهول المصدر رغم انه تمدد على مساحات مائية واسعة جنوب ميناء بشائر تو ولم تصدر الجهات المختصة في المصلحة البحرية ووزارة السياحة والبيئة وغيرها من الجهات ذات الصلة بياناً شافياً يميط اللثام عن اسباب التلوث وهنالك مواطنون اكارم تضرروا وقرروا اللجوء الى
المحاكم لمواجهة وحش البحار المسمى بالتلوث وبالتالي يتوجب على الجميع العمل على كشف الحقائق حول اسباب التلوث ويتوجب على الجهات المعنية ان تسارع بعد اكتشاف الاسباب الى العمل دون تكرار حدوث التلوث مرة اخريى حفاظاً على انسان المنطقة وعلى البيئة الصحية وعلى كنوزنا المدخورة في اعماق البحار وترقد مطمئنة تنتظر السواعد الفتية وأبناء المستقبل .
ان التلوث البحري قد ينجم عن حادثة طبيعية حينما تنفجر لا قدر الله السفن الناقلة للنفط بفعل فاعل او ربما تقوم بعض السفن بدلق حمولتها من النفط لمختلف الاسباب او ربما ينجم التلوث عن فعل فاعل ويكون جريمة مع سبق الاصرار والترصد ولذلك صاغ العالم قوانين للسلامة البحرية يتحاكم اليها جميع الفرقاء في هذا الخصوص ومن الواضح ان صيادي منطقة هوشيري جنوب بورتسودان يعرفون حقوقهم كاملة ولذلك فتحوا البلاغات لدى النيابة المختصة ودخلت القضية بهذا الاجراء الى حيز التقاضي ولن يكون ثمة عمل بعدها الا الخلوص الى حكم المحكمة او التراضي على تسوية مجزية .
بيد ان السؤال الذي يطرح نفسه هنا بقوة هو ما دور الجهات المختصة ؟ وما هو دور منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال حماية البيئة ؟ وقبل ان تتطور المسألة لتصبح قضية ( إتحادية ) ماهو دور وزارة السياحة والبيئة بولاية البحر الاحمر والتي يتولاها عن حزب مؤتمر البجا الزميل المناضل عبدالله كنة ؟ ان وزارة كنة تبقى هي صاحبة المسؤولية الكبرى في معالجة فضيحة التلوث البحري واستكشاف اسبابه ومعالجة آثاره المضرة بالانسان والبيئة وبموقف السياحة في ولاية البحر الاحمر خصوصاً بعد الزخم الاعلامي الذي بثته حكومة الولاية بشأن الجذب السياحي ، ان صناعة النجاح عملية متكاملة وترتبط كافة عناصرها ببعضها البعض .
وعوضاً عن الاضرار التي لحقت بالمواطنين وبالبيئة جراء التلوث فإن ضرراً كبيراً اصاب السياسة العامة للدولة بحيث تجد الحكومة نفسها مجبرة على اصدار بيان شافي وواضح عن سبب التلوث وإلا فإن التحليلات والتكهنات ستسير باتجاه تجريم الحكومة بأنها تتواطأ مع بعض الشركات الاجنبية وتسمح لها بتلويث مياه البحر الأحمر قبالة الشواطئ السودانية نظير ( جعل ) معين واجرة مقبوضة وهو ما يعتبر عملاً غير اخلاقي يضاف الى كتاب الحكومة السودانية في هذا الخصوص .. نسأل الله السلامة .

الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..