مقالات وآراء سياسية

الأموال المنهوبة !

زهير السراج

* جاء في الانباء أن الحكومة قد اتخذت بعض الاجراءات لمكافحة الفساد وتفعيل قوانين الشفافية لمكافحة إهدار المال العام واسترداد الأموال المنهوبة بواسطة عناصر النظام البائد التي تُقدّرها بعض المصادر ومن بينها القيادي في بنك السودان (عصمت محمود) بحوالي 60 مليار دولار، ولا أستبعد أن يكون الرقم أكبر من هذا باعتبار أن صافي ايرادات البترول خلال الفترة بين عامي 1998 و 2008 بلغ اكثر من 115 مليار دولار، لم يُنفق منها دولاراً واحداً على التنمية او انشاء مشروع زراعي او صناعي واحد يبقى للأجيال القادمة، وحتى سد مروي الذي كان يتفاخر به النظام البائد لم يُنفَق عليه دولاراً واحداً من ايرادات البترول، بل أُنشئ بقروض ربوية من الصين والسعودية والأمارات وسلطنة عمان، لا تزال عبئا على السودان حتى اليوم!

* وزير المالية والتخطيط الاقتصادي (إبراهيم البدوي)، كان قد ذكر مطلع الشهر الحالي، أن “المعلومات التي تحصلت عليها الحكومة بشأن الأموال المنهوبة، ستحدث هزة كبيرة، وأن الحكومة شرعت عبر آليات لاستردادها”، وهو بالتأكيد خبر جيد، ولكن المسألة ليست بالسهولة التي يتوقعها البعض او الطريقة المتفائلة التي صورها وزير المالية، فاسترداد الأموال المنهوبة عملية شاقة وطويلة ومعقدة جداً، كما أن تجارب الكثير من الدول في استرداد أموالها المنهوبة الموضوعة في الدول الخارجية، لا تبشر بخير، نسبةً للشروط الصعبة او بالأحرى المستحيلة التي تفرضها هذه الدول لاستعادة هذه الاموال ومنها ضرورة صدور أحكام قضائية بواسطة قضاء مستقل تؤكد ملكيتها للدولة والحصول عليها بطريقة غير مشروعة وهو طريق طويل وشاق، ومن ثم بدء اجراءات المطالبة بها من الدول التي توجد بها!

* لو أخذنا كمثال فقط تجربة جمهورية مصر بعد سقوط حكم الرئيس السابق حسني مبارك في استرداد أموالها المنهوبة لاكتشفنا كم هي عملية معقدة بل ومستحيلة لأبعد الحدود، حيث فشلت مصر في استرداد فلس واحد من اموالها في الخارج رغم المجهود الضخم الذي بذلته واللجان القانونية والمالية الكثيرة التي شكلتها والاستعانة ببيوت خبرة قانونية ومالية دولية لمساعدتها مقابل اجور ضخمة، وكان كل ما استطاعت تحقيقه هو موافقة بعض الدول مثل سويسرا على تجميد بعض الارصدة المملوكة لحسني مبارك وابنائه في البنوك السويسرية لفترة من الزمن مع مطالبتها لمصر بتقديم اثباتات مدعمة بأحكام قضائية للحصول على هذه الارصدة، وعندما انتهت الفترة المحددة للتجميد بدون ان تتمكن مصر من الايفاء بالالتزامات المطلوبة منها لصعوبة صدور احكام قضائية تثبت الحصول على تلك الاموال بطرق غير مشروعة، تم فك التجميد وظلت الاموال بالخارج!

* غير ان هنالك بعض التجارب الناجحة مثل تجربة نيجيريا التي استطاعت استرداد مبالغ نهبت بواسطة الرئيس النيجيري السابق (ساني اباتشا) ووضعت في سويسرا، ولكن بعد مباحثات دامت أكثر من سبع سنوات، بدأت بتحقيق أمني واسع من قبل السلطات النيجيرية عام 1998 بمشاركة سويسرية، واستطاعت في آخر الأمر استرداد اكثر من نصف مليار دولار في الفترة بين 2005 الى 2006 ، ثم مبلغ ملياري دولار في عام 2013 !

* وهنالك أيضاً تجربة الفلبين التي استردت حوالي 2 مليار دولار من جملة 10 مليار دولار نهبها الدكتاتور الفلبيني (فردناند ماركوس)، ولكن بعد قضايا استمرت في المحاكم السويسرية اكثر من 17 عاما، وكانت تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في استرداد حوالي 29 مليون دولار من لبنان كانت في حسابات تخص زوجة الرئيس التونسي الأسبق بن علي، كما استعادت يختا كان محتجزاً بأحد الموانئ الإيطالية، ونجحت مؤخرًا بعد مباحثات شاقة مع سويسرا إلى إعلان الأخيرة تعهدها بإعادة نحو 40 مليون دولار أخرى من الأموال المهربة من تونس لدى بنوك في جنيف!

* كما تلاحظون فإن استرداد المال المنهوب لا يتم بمجرد تقديم طلب من الدولة صاحبة المال للدول الأخرى، وإنما هو عملية طويلة وشاقة ومعقدة جداً تتضمن الكثير من الجوانب القانونية وتحتاج الى صبر ووقت طويل وجهد جبار، وان العمل فيها يجب ان يبدأ بالداخل قبل مطالبة الدول الأخرى بإعادة المال المنهوب، وكما ذكرتُ من قبل فإن هنالك (8) دول على رأسها امريكا وبريطانيا وفرنسا، اصدرت دليلاً قبل بضعة اعوام توضح فيه الاجراءات المطلوبة لاسترداد الاموال المنهوبة التي تحتاج الى اجراءات طويلة وصعبة ومعقدة، وليس كما صورها وزير المالية في حديثه بأنها ستحدث هزة كبيرة، وكان الأجدر به أن يوضح الحقائق بصراحة وشفافية ولو كانت بالغة المرارة، بدلا من تخدير الناس بالأحلام والأمنيات الطيبة!

 

زهير السراج

الجريدة

تعليق واحد

  1. يا استاذ زهير يااااخي في ظاهرة بتاعة نشالين منتشرين بكثافة بستغلوا الزحمه والتدافع، وغياب كامل للشرطة في هذه الأماكن، الشي التاني تجارة الدولار في أي حتة بقت ناس شايلين ربط قروش، والله في المطار بطلعو معاك من الباب، نحن عارفين العمل كثير على السلطات، لكن برضو التنبيه والتذكير واجب، ساعدونا انت وزملاءك بافلامكم، تحية واحترام

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..