أخبار السودان

السودان: نقاش بين معارضي الانقلاب حول قيادة الشارع وتحقيق أهدافه

الخرطوم ـ ميعاد مبارك

بعد نجاح تظاهرات الأحد في السودان في الذكرى الثالثة للثورة التي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير، باتت خطى القوى السياسية ولجان المقاومة، كل من جهته، في تسارع لوضع التظاهرات في سياق أهدافها بالإطاحة بالانقلاب العسكري، فوصول مئات الآلاف إلى القصر الرئاسي، ولد نقاشاً نقدياً بين أطراف الثورة، حول كيفية قيادة الشارع نحو تحقيق أهدافه وتحويل شعاراته المطالبة بإسقاط الانقلاب وتسليم السلطة للمدنيين، في وقت أعلنت فيه قوى «الحرية والتغيير»عن عزمها عقد مؤتمر صحافي غداً الخميس، لمناقشة رؤيتها السياسية لمناهضة الانقلاب.

وراح ضحية تظاهرات يوم الأحد التي وصلت الى بوابات القصر الرئاسي قتيلان، حتى الآن، وأكثر من 300 مصاب.

وشيع الآلاف، الثلاثاء، عبد المنعم محمد، الذي توفي الثلاثاء متأثرا بإصابة في الرأس في تظاهرات الأحد، الرافضة لانقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ولاتفاقه مع رئيس الحكومة عبد الله حمدوك.

«القصاص»

وهتف المتظاهرون في موكب تشييع محمد إلى مقابر «حمد النيل» في مدينة أمدرمان: «دم الشهيد لو راح أنا وأنتم مسؤولين» « الشعب يريد قصاص الشهيد» وغيرهما من الهتافات المطالبة بالقصاص وإسقاط الانقلاب.

وحسب لجنة الأطباء السودانيين، فإنه بمقتل محمد، ارتفع عدد القتلى في التظاهرات منذ انقلاب البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى 47، في وقت أصيب المئات، إصابة بعضهم خطرة.

المتحدث الرسمي باسم مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، ليز تروسل، قال إن مكتب حقوق الإنسان المشترك في السودان تلقى تقارير تفيد بأن 13 امرأة وفتاة تعرضن للاغتصاب أو الاغتصاب الجماعي، من قبل قوات الأمن، أثناء محاولتهن الفرار من المنطقة المحيطة بالقصر الرئاسي مساء الأحد.

وطالب بإجراء تحقيق سريع ومستقل وشامل بخصوص ذلك، وأيضا بعد وفاة وإصابة المتظاهرين نتيجة الاستخدام غير الضروري أو غير المتناسب للقوة، خاصة الذخيرة الحية.

وتظاهر مئات الآلاف الأحد، بالتزامن مع ذكرى الثورة السودانية الثالثة، أمام القصر الرئاسي متخطين كل الحواجز الأمنية والطرق والجسور المغلقة، وصولا للقصر الرئاسي، حيث أعلنت لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين الاعتصام، إلا أن الأجهزة الأمنية فضت الاعتصام، بعد ساعات، مستخدمة القوة المفرطة.

ولكن بعد وصول المتظاهرين للقصر الرئاسي ومحاصرتهم له لساعات، لم يبرز خطاب سياسي واضح يمضي بالحراك خطوة إلى الأمام، الأمر الذي أثار التساؤل حول الخطوة المطلوبة، ومن الذي ينتظر أن يقوم بها.

القيادي في قوى «الحرية والتغيير» مجدي عبد القيوم، شدد لـ«القدس العربي»: على «عدم إمكانية الفصل بين الشارع والقوى السياسية، وأن جماهير الأحزاب جزء من الشارع» لافتا إلى أن «الترويج لشيطنة القوى السياسية والفصل بينها وبين الشارع حملة منظمة لا أساس لها».

وزاد: «وفقا للمعايير الواقعية البشرية، لم تبتدع روافع سياسية للمجتمعات حتى الآن غير التشكيلات الحزبية والتي تتمظهر في الأساس للشرائح الاجتماعية».

وقال «علمياً ليس هناك غير الأحزاب، المؤطرة فكريا وتنظيميا أجسام قادرة على قيادة عملية سياسية» لافتا إلى أن ما حدث في موكب 19 ديسمبر يدلل على ذلك».

وحسب قوله «غياب القيادة السياسية هو الملمح الأبرز في كل الاحتجاجات التي تمت حتى الآن، لذلك لم تتمكن تلك الاحتجاجات من بلوغ أهدافها» مشدداً على أن المطلوب في هذه المرحلة «قيادة سياسية مقبولة وملهمة ومؤهلة لقيادة العملية السياسية تمثل فيها كل فصائل الثورة».

وأضاف: «آن الأوان لوحدة فصائل الثورة بلا ادعاء زائف بالنقاء الثوري وامتلاك الحق الحصري في التصنيف، وعلى قاعدة الوحدة ينبغي أن يضم تشكيل القيادة السياسية ممثلين من كل الفصائل الثورية».

في السياق، رأت عضوة تنسيقية لجان مقاومة الخرطوم جنوب، شاهيناز جمال أنه «لا معنى لما يتم الحديث عنه، عن عدم جاهزية لجان المقاومة لقيادة الشارع» متسائلة: «إذا لجان المقاومة لم تقدم مشروعاً أو رؤية، أين القوى السياسية التي كانت معها في الشارع لماذا لم تقم بقيادته».

وقالت: «لجان المقاومة تعمل على ميثاقها السياسي وتسلم مكتبها السياسي مواثيق عديدة وكلها مطروحة للنقاش وصولا لميثاق موحد» مشيرة إلى أن «المواثيق التي تسلمها المكتب حتى الآن تدور حول هياكل السلطة والحكم المحلي والمجالس المحلية والمجلس السيادي ودوره التشريفي إن وجد، ومجلس الوزراء ومهامه والإصلاحات الأمنية والعسكرية، قضايا السلام والعدالة الانتقالية وتداول السلطة والتنمية المتوازنة والحريات».

وأضافت: «نحن لا نزال ماضين في التنسيق الأفقي عبر تنسيقيات تقوم بمهام التنسيق معا وصولا للقرارات المطلوبة» مشيرة إلى أن «اللجان تقوم بالعمل السياسي والميداني معا وأنها قادرة على ذلك».

وشددت على أن «الأحزاب السياسية يجب أن تقدم نقداً موضوعياً لتجربتها الماضية وتقدم ضمانات واضحة للشارع تردم فجوة عدم الثقة الكبيرة التي حدثت» مؤكدة على «ضرورة بناء تحالف عريض يضم جميع الأجسام الثورية الرافضة للانقلاب للمضي للأمام».

ويبدو أن قوى «الحرية والتغيير» من جهتها، باتت على خط مطالب الشارع، بعدما أكدت ضرورة الإسراع باستكمال التواصل مع كل قوى الثورة لبناء جبهة شعبية موحدة لهزيمة الانقلاب، تضم القوى السياسية ولجان المقاومة والمهنيين والمجموعات النسوية والشبابية والمجتمع المدني بكافة تكويناته، على أن تتوافق هذه الجبهة على رؤية سياسية مشتركة وقيادة تنسيقية موحدة بين كافة المكونات المناهضة للانقلاب.

وأعلنت، في بيان أمس، عن عقد مؤتمر صحافي، غداً الخميس، لطرح الرؤية السياسية للتحالف لهزيمة الانقلاب وتأسيس الدولة المدنية الديمقراطية.

وأكد البيان أيضاً «تحديد سلسلة اجتماعات مع الفاعلين الإقليميين والدوليين لطرح رؤية الحرية والتغيير لهزيمة الانقلاب واستنهاض موقف دولي داعم لشعب السودان في نضاله لبناء الدولة المدنية الديمقراطية».

تساؤلات عديدة

وحسب الصحافي والمحلل السياسي، عبد الله رزق، الذي تحدث لـ«القدس العربي» فقد «أثارت مواكب الأحد العديد من التساؤلات، بما فيها التساؤل المتجدد بشأن جدوى المواكب المليونية، من منطلق أنها ليست غاية في ذاتها، تعتمل في قلب الشارع المتحفز للثورة، تتخلق وتكون، ثم تنفض، وعن فعاليتها في إسقاط النظام، المستهدف إسقاطه، وكيف؟».

وقال: «كذلك التساؤل عما إذا كان ثمة دور للأحزاب السياسية، أم أن اللجان، لجان المقاومة، لجان الخدمات والأجسام المطلبية ومنظمات المجتمع المدني، ستتكفل بكل شيء، من التعبئة الجماهيرية، وتحديد الأهداف والشعارات، إلى تنظيم الاحتجاجات، واستلام الحكم؟».

وأضاف أن «تظاهرات الأحد على عكس ما سبقتها من تظاهرات، بدت في نظر الكثيرين قادرة على تحقيق هدفها المخطط له والمباشر، وهو إسقاط النظام بوصول الثوار لبوابات القصر الرئاسي، نظرا لتميزها بالتعبئة الواسعة على امتداد الوطن، وبمشاركة وفود من الأقاليم في مواكب العاصمة، إلا أنها لم تخل من قصور وجوانب خلل».

وأشار إلى «غياب القيادة السياسية، وعدم مضي تحالف المعارضة الرئيسي، تحالف قوى الحرية والتغيير، خاصة، بالتصدي للقيام بمهمة ودور الطليعة» لافتا إلى أن الإجابة على السؤال هي ان»العمل في تلك اللحظة بشكل واضح مطلوب من القيادة السياسية».

وبين أن «ما حدث ناتج عن محصلة متطاولة من مساعي شيطنة تحالف قوى الحرية والتغيير، خاصة، وتجريم الأحزاب، عامة، وتخوينها، والتي بدأتها قوى الانقلاب، وسايرتها بعض المكونات المحسوبة على الثورة». ورد التراجع في الدور الطليعي المأمول للتحالف الأوسع للقوى السياسية أيضا لـ«نزوع إقصائي مبيت لدى بعض آخر، من مكونات الثورة، لاحتكار الشارع واحتكار قيادته».

ولفت إلى أن ذلك «انعكس في انعدام التنسيق الرأسي بين قوى الثورة الموجودة في شارع المليونية، وفي الافتقار لوضوح الخطة بشأن الهدف من الموكب».

 

قرار مرتجل

 

وزاد أن «قرار الاعتصام، الذي تم الإعلان عنه في وقت متأخر، بدا مرتجلا، أيضا اختيار القصر الجمهوري، كموقع للاعتصام، بدا عملا غير مدروس، ولم يحظ بنقاش كاف، وكذا الأمر فيما يتصل بالمدى الزمني، وعما إذا كان يوما واحدا، أم مفتوحا، يستمر حتى تنحي النظام».

وبيّن أن «الإجابة على السؤال: ما العمل؟ يجب أن تتضمن كيفية الارتقاء بالحراك الي مستوى متقدم، وفق تكتيكات جديدة، وفي ضوء تعيين دقيق للمطالب التي تتقدم تحت لوائها الحركة الجماهيرية، بما يصل بالحراك الثوري إلى أهدافه».

وأوضح أن ذلك «يقتضي ابتداء توحيد الإرادة السياسية، في أوسع جبهة ممكنة، تضم كل قوى الثورة، بما فيها الأحزاب والأحلاف السياسية، ولجان المقاومة، وإحكام التنسيق بينها، في إطار رؤية لتطوير عملية الثورة، حتى استلام السلطة كهدف مباشر للمرحلة المتقدمة من النضال الشعبي».

القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..