معراج سيدي الرئيس: مومسات جنقرة الخمسة (2)

(حكاوي عن الديكتاتورية وفساد الطغمة)..
خرج عبد الكريم نيانق من بيت المومس زيني هبتو بعدما حمل الراية الخضراء المعروفة براية الشفتة .. توجه قاصدا قرية عطرب لأداء واجب العزاء في وفاة والد ود سليكان.. مع تنفس الصبح.. بدأت الشمس المارقة من مكمنها تفج الدروب لاشعتها وسط الضباب الكثيف.. سمع صوت آذان الفجر الصادر من جامعي المتمة والقلابات في آن واحد.. تحسس الطرق الضيقة الملتوية التى تحفها شجيرات الجاتروفا.. كان يشتم عبق الأنجيرا التى تعد على المتاج (دوكة من الطين).. وقف برهة أمام بيت المومس مسرات أقيزي.. المومس المفروضة لأتباع السيد الرئيس.. ظل عبد الكريم نيانق يخالف الاوامر الصادرة من العمدة شيخ خريف الممثل السامي للسيد الرئيس.. كانت الاوامر واضحة وملزمة لطلاب المتعة ان يعظموا (شعيرة الحشمة) عند المومسات.. وان يختاروا افضلهن خلقا وتدينا..
امر العمدة شيخ خريف كل اتباع الحكومة اذا صارعتهم الشهوات ولم يقدروا على كبح جماحها ولبوا نداءها.. عليهم فقط ان يلتمسوا بيت المومس مسرات اقيزي.. كان يقول ان ما يجمع اتباع السيد الرئيس والمومس مسرات اقيزي هو تعظيم شعيرة الاحتشام.. كانت المومس مسرات اقيزي من شدة نبلها تمنع فرد المخابرات من تتبع أردافها وتدوين التقارير الامنية من خلاله.. لها وجهة نظر سديدة ان النظر على خلفية المرأة يزيل جدران الوقار والمهابة..
لم تخرج المومس مسرات اقيزي من منزلها في حي جنقرًة الا بكامل زينتها المحتشمة.. غطاء الراس الأسود الخشن والملابس الداكنة التى تصل الى الكفين والقدمين.. جوارب بيضاء تلتصق بالملابس المتدلية من اعلى.. فلا يظهر الا الوجه المتزن الراجح.. انها مثل تمثال (الوطن الام ينادي) تجسد السمو والرفعة والرزانة.. لم تكن تضع مكياجا صارخا أو عطرا فواحا كما امرها احد زبائنها من الشيوخ الموالين للحكومة.. كان العمدة شيخ خريف حينما يراها وهي عابرة يصيح على اتباع السيد الرئيس وهو يشير اليها: إن عجزتم على الصبر وغلبتكم الشهوة.. اسكبوا ماءكم هنا في هذا (الزير) المتوهج بالفضيلة.. المشع بالرصانة.. المضيء بالهيبة..
ردد عبد الكريم نيانق قول العمدة شيخ خريف وهو واقف أمام باب المومس مسرات اقيزي (ان ما يجمعنا نحن اتباع السيد الرئيس مع المومس مسرات اقيزي هو تعظيم شعيرة الاحتشام)..
ترك عبد الكريم نيانق بيت مسرات اقيزي خلفه.. حيث بدأ اتباع السيد الرئيس بالخروج والاتجاه صوب المسجد لتأدية صلاة الصبح في المسجد جماعة.. خرج عبد الكريم نيانق من حي جنقرًة غير قادر على السيطرة.. لمح الفتى يازاشو يقريم جوار شجرة (تبلدية مكنن تكر) كان مسرعا ومتوجسا اختفي بين شجيرات البرتقال المنتصبة داخل مزرعة ديسيه إبن ولو.. توجه عبد الكريم نيانق صوب مزرعة بيينة قبر قيدوم التى يفصلها عن بلاد خليفة بعشوم خور ابو نخرة المعروف ايضا بخور القلابات.. كان يترنح لكنه في منتهى الوعى.. راي الفتي عبد الفضيل الملقب ب(تكوتكو بر) على الافق ادرك ان معه شحنة مهربة من البشر الى العاصمة.. معظم افراد الشحنة من بلاد بونت والتيقرينجة.. كما راي عمال الجنقو ينتشرون في الحقول المزروعة بسمسم قجام.. ادرك دنو ساعة حصاده.. نظر عبد الكريم نيانق الى الثيران العاتية القادمة من ريفي(ناظريت) في اقليم اورمو.. كانت تثير الغبار والاتربة.. وتكثر من الضجيج والصخب والجلبة.. كانت متجهة بـ (هرجلة) صوب مدبر المتمة..
ظل عبد الكريم نيانق يمشي بخطى غير مستقيمة وهو يعبر خور قلابات.. كان عليه ان يرفع الراية الخضراء كما يقضي الاتفاق مع الشفتة لكنه لم يفعل.. رأي مجموعة من الناس في أرض خليفة بعشوم قرب خندق الخواجة.. كانوا جميعا يقولون خندق الخواجة.. قليلا منهم يعرف أن الخندق يخص الانجليزي ويلفريد ثيسيجر.. الذي خاض حروبه العسيرة ضد جيوش الطليان..
تمعن الشخوص الماثلة امامه رأى خليفة بعشوم و نوقوسي كمانت و درجي ماركوس زوج قديست اديسو.. لكنه إحتار في وجود الراعي طرفة سعيد.. كان على علم مسبق ان الشفتة خطفوه عند (موية الجيش).. يبدو على طرفة سعيد الإعياء الشديد اثر تعرضه للضرب المبرح والتعذيب المستمر الذي تعرض له وهو في قبضة العصابة.. رأي رجلا حبشيا غريب الملامح لم يشاهده من قبل.. اخرج الرجل الغريب سيجارة أشعلها بحدة وقال: ان المسالة برمتها حلت في اجتماع (نادي البوص) .. سوف اخذ أنا بلدات شرق النهر.. ويحتفظ اهالي قلابات بالاراضي مابين بلاشورا و القلابات .. اما نوقوسي كومانت وقبيلته يأخذون أراضي غرب القلابات من (موية الجيش) حتى شنقال .. وانت يا عزيزي خليفة بعشوم احتفظت بأرضك.. كل الاطراف خرجت راضية.. حتى الراعي طرفة سعيد اطلق سراحه دون ان يدفع ذويه بر واحد.. انها نهاية سعيدة مثل نهايات ألف ليلة وليلة..
كان هناك حديث يدور بين أفراد المجموعة لم ينتبه له عبد الكريم نيانق لكنه سمع نوقوسي كمانت يتصل على احدى (مومسات جنقرة) ودار بينهما حوار طويل بالامهرينجة.. بعدها اغلق هاتفه.. وصمت رويدا ثم قال لهم : سؤال الامتحان هو.. ما هي المجرة التى بها اكبر عدد من النجوم أليس كذلك؟
ثم قال نوقوسي كمانت وسط ضحكات مكتومة يريد حبسها: ايها السادة الاجابة هي اسبليطة السيد الرئيس..
ضحكوا جميعا خاصة خليفة بعشوم الذي وقع على ظهره من كثرة القهقهات المخلوطة بالكحة.. لحظتها ضحك عبد الكريم نيانق فأثير الرياح حمل معه كلمات الحديث والقاها داخل اذنه…
تركهم عبد الكريم نيانق وشد الخطى ناحية ابو زعفة.. رفع عندها راية الشفتة الخضراء التى تمنحه الامان من غدرهم.. هذه الراية يجب حملها ممن يمتهنون عمل الفحم.. فالشفتة يكونون على مبعدة في قمم الجبال العالية يتصيدون ضحاياهم الذين لا يتبينون ملامحهم وسط ذرات الضباب العالقة.. فالفحامة امثال عبد الكريم نيانق لا اهل لهم أو عشيرة.. اذا خطفوهم لا احد سيدفع الفدية.. كما ان الفحامي مصدر هام للشفتة في تلقي الاخبار وتصيد المعلومات وانهم ايضا مصدر طعام وشراب مجاني..
عرج عبد الكريم نيانق ناحية تاية (كوخ) جلال الدوكاوي.. القى عليه السلام وشرب معه كوب شاي.. اخبره جلال الدوكاوي ان السائح العربي وزمزم عميان ضر سيأتيان لمرافقته بغية زيارة دينق دينق الملقب بالدبل على سفح جبل دولار.. ثم يتوجهون ناحية بلاشورا.. ثم ختم قوله بان السائح العربي لا يزال يبحث عن خاتم (التقراوي العظيم) المفقود..
بينما سرد عبد الكريم نيانق كل الاحداث التى صادفته بدءا من مغادرته لحي جنقرة.. ومرورا بشجرة (تبلدية مكنن تكر) التى راى عندها يازاشو يقريم ..ومشاهدته لمهرب البشر عبد الفضيل الملقب ب(تكوتكو بر).. ومرورا بتجمع يحي بعشوم ومن معه وما دار بينهم من حديث.. نقل كل الاحداث برمتها.. لانه لو دس كلمة واحدة مما شاهده فان الارواح الهائمة لضحايا حرب الانجليز والتليان ستبوح بكل شيء.. قبل مغادرته امسك عبد الكريم نيانق بساق شجيرة فتية سأل جلال الدوكاوي : من زرع هده الفتاة الحلوة ؟..
اجاب جلال الدوكاوي انها شجرة كوك زرعها أمجد الطايف الرجل الذي يخوض (حرب القنا) ضد قووش قتيش..ألم تلاحظها من قبل..
اجاب عبد الكريم بخبث: انا الاحظ وجوه بنات (قبيلة الدبوب) الزيتية النضرة فقط..
بعدها ولى عبد الكريم نيانق وجهته ناحية بلاد ادم قرين.. في طريقه الى تايته المطلة على خور الرزيقي..
[email][email protected][/email]