إرحل

يبدو أن مظنة سلطة المؤتمر الوطني الغير مدركة لتجارب وخبرات الشعب السوداني النضالية تسوقها في إتجاه اطلاق تصريحاتها المعبرة عن ردة فعلها حيال حملة (إرحل) التي انتظمت ولايات السودان المختلفة ? فقد صرح أكثر من متنفذ في حزب السلطة قائلين بأنهم لن يرحلوا بغير ما يقرره الشعب في الانتخابات (اخرتها السلطة تطرح نفسها مؤمنة بالديمقراطية)، فهم يقولون بألسنتهم ما لا يستوعبه عقلهم الجمعي، ولذلك فإن رموز السلطة ومن خلال اطلاقهم لتصريحاتهم فإنهم يستبطنون نتائج معدة وجاهزة فيما يختص بقيام الانتخابات ? فيبقي اللامنطق هو المسيطر علي قيام الانتخابات طالما أن هنالك حزب واحد يدير اللعبة وفق رؤيته وتصوره لما سيكون ? والاغرب في الأمر حديثهم عن مبدأ التعاقب في الحكم، إذاً فإن الطريق للانتخابات المزمع قيامها في غضون الأيام القادمات قد تم تشييده بمواصفات مضروبة، كما أن قانون المرور المنظم لحركة انتخابات الحكومة عبر اتجاه واحد لا يتسق مع (أب) القوانين (الدستور) ?عليه يصبح تحصيل حاصل الانتخابات القادمة هو فساد آخر يضاف إلي القائمة الطويلة لفساد السلطة جراء ممارستها السياسية التي امتدت لربع قرن من الزمان? ما يعني مفاقمة الازمة. وبالتالي فإن أول خطوة تتعلق بالانتخابات القادمة تقتضي ضرورة اتخاذ موقف من سياسات وتوجهات الحكومة. بمعني أن سلطة المؤتمر الوطني تحاول التعتيم علي حقيقية ممارستها السياسية وذلك بتصوير أن هنالك شكلا للممارسة الديمقراطية علي مستوي المجال السياسي ? غير أن هذا الشكل يظهر بوضوح في السياق الطبقي، فتمويهات السلطة في المجال الاقتصادي وهي تحاول تصدير مفهوم ان هنالك نهضة يجري العمل لاستكمالها خلال الدورة الانتخابية القادمة تبدو مكشوفة تماماً، فالمسألة تبدو جليه في الفروق الإقتصادية الإجتماعية، حيث زادت الهوة بين الأغنياء الذين يمثلون الحلف الاجتماعي الطبقي الذي تخدم مصالحه السلطة القائمة وبين الفقراء الذين يمثلون غمار الناس، أما علي مستوي حرية الصحافة والإعلام فالمشهد يعكس سيطرة دولة الحزب الواحد بالنحو الذي بلغ حداً لا يمكن معه النشر أو الإصدار دون رقابة الأجهزة الأمنية ? فالاستدلالات علي تأزم الواقع لا تحصي ولا تعد، علي العموم وبإختصار فإن الظروف الملموسة التي تعيشها الأغلبية الساحقة لجماهير شعبنا تبرز أن هذه الأغلبية ماضية في تغيير ظروفها بذات نفسها ? الأمر الذي ينطوي علي سيرورة التطور السياسي القائم ? والذي ستكون لأحزاب المعارضة دور أساسيٌ فيه، ولذلك وفي تقديري فإن الموقف من الانتخابات القادمة ستترتب عليه وضع مراسيم نهائية لمسيرة حكم فاشلة استمرت زهاء 26 عاماً. وهنا تتجلي قدرة وعبقرية الشعب السوداني فيما يتعلق بإستخدامها لوسائلها المجرَّبة والعمل علي تطويرها لأجل انجاز الثورة القائمة ? حتي لا يعتقد قادة النظام ان ذهنيتهم الآحادية قادرة علي تسيير دفة الحكم برغم تناقضات الواقع ? لأنه وفي حقيقة الأمر فإن نظام المؤتمر الوطني قد فشل وعجز تماماً في إقناع الناخبين (الجماهير) بأن الانتخابات التي يجري التحضير لقيامها وبما تأتي به من نتائج سوف تخدم مصالحهم، فهي تفتقر ? أي الحكومة ? إلي التأييد الشعبي تماماً. إذاً فإن حملة إرحل الداعية إلى مقاطعة الانتخابات كمبتدأ، تحمل في طياتها آمال وتطلعات عراض في تغيير سياسي قادم، وذلك استناداً علي موقف سياسي موضوعي أساسه التشبيك بين سمات الوضع الثوري وبين الخبرات التراكمية لجماهير شعبنا، الشئ الذي سينعكس علي تطور العامل الذاتي، أي علي استعداد وقدرة الجماهير السودانية علي النضال ضد السلطة القائمة. ولذلك أعتقد أن موقف جماهير شعبنا من قيام الانتخابات يعني استمرار تطور الموقف السياسي الموضوع، وبالمقابل فإن حملة (إرحل) تستهدف تطوير الأزمة السياسية من خلال إستمرار التعبئة النشيطة للجماهير. عليه أتصور أن الحديث عن التغيير السياسي القادم يعتمد بصورة رئيسة علي تراكم المجهود النظري مقروناً بالتجربة السودانية النضالية من أجل تحقيق الديمقراطية، وذلك بالدراسة المستمرة والمتتابعة للحركة الثورية السودانية. وبالتالي فإن التعاطي مع الواقع الموضوعي يرتبط فيه الإبداع الثوري فالفعل النضالي لأجل تغيير الواقع، ولذلك اعتقد أن هذا هو أفق العمل الثوري المعارض لنظام (الجبهة القومية الإسلامية)، والذي يتمحور حول أن مستقبل الديمقراطية في السودانية يقترن بنضال الشعب السوداني من اجل الديمقراطية نفسها. إذاً فإن جدوى النشاط السياسي المعارض لنظام المؤتمر الوطني تقضي بضرورة العمل اليومي الدؤوب والمثابر، وذلك بالمتابعة المستمرة لوتائر تطور الموقف السياسي. ولذلك فإن مفردة (إرحل) هي ليست مجرد شعار وإنما استخلاص لنتائج وحدة التفكير بين التنظير والنشاط المفضي إلي ثورة سودانية قادمة لا محال.
الميدان