ثم ماذا بعد اسقاط حكم المؤتمر الوطني

مدخل:

مثل اسقاط حكم المؤتمر الوطني الهاجس الاكبر بالنسبة للشباب مما اقعدهم عن استيعاب عمق الازمة السودانية التي تحتاج إلى كثير من البحث للاتفاق على حد ادني يمثل القيم العليا للكل المجتمعي. ولقد سعيت ولازلت مواصلا في محاولة الإجابة على تلك الأسئلة، ولكن هذا المقال للنخب الصاعدة لتبدا في طرح الأسئلة الحرجة حتى نستطيع كلنا ان نخرج بإجابات حقيقية تمثل بداية للدولة السودانية التي نحلم بها جميعا وهي وطن للجميع يري كل فرد داخله ذاته وقيمه واحلامه. فعلينا إذا مواصلة السعي لاسقاط حكم المؤتمر الوطني ولكن وفي نفس الوقت علينا فتح كل محاور النقاش لاسقاط النظام الحقيقي الجاثم على ظهر السودان منذ الاستقلال والذي اوصل الوطن إلى محنته الحالية، فالحركة الإسلامية ليست سوى الوجه السافر لاوجه أخرى تختبي خلفها وتتبادل الادوار معها، فمن حزب الامة ومنهجه الصحوة الإسلامية إلى الحزب الاتحادي والجمهورية الإسلامية إلى الحزب الشيوعي وايدولوجيته الماركسية، كل تلك عبارة عن أحزاب شكلية المنهج، فهي كقيادات تتبني الرؤى العشائرية والقبلية التي تفرق بين السودان باعتباره جزر من الاعراق والديانات المتباينة، وتلتقي هي داخل العرق العربي والديانة الإسلامية، ولذلك لم تضار بشكل حقيقي كما تضررت بعض اجزاء الثقافة السودانية التي لا تعترف تلك النخب بمكونها داخل الكل السوداني، فتلك النخب لم تحاول ان تري الانصهار الذي انتج الثقافة السودانية الواحدة بغض النظر عن مكوناته الاولية ولكنها ابقت على رؤيتها للمكونات الاولية وتجاهلت الثقافة التي تكونت وتجاوزت تلك المكونات والتي يدركها كل إنسان غير سوداني بان للسوداني شخصية متفردة تختلف عن البقية بغض النظر عن مكان نشاته أو ميلاده أو عرقه. وجاء ذلك من اتخاذ المنهج عند كل النخب السياسية من الحركة الإسلامية إلى الحزب الشيوعي باعتباره مطية وليس نتيجة لايمان بمبادئ تمثل غاية للواقع، فكل تلك المناهج عبارة عن رؤى وافدة لا تمت للواقع بصلة، ولذلك لم يري فيها الواقع شخصه في يوم ما وفضل عنها الابوية العسكرية بديلا لاناس يتحدثون عن مفاهيم معلقة في الهواء، وكذلك لا يؤمنون بها الايمان الحقيقي ليدافعوا عنها حتى الموت. لذلك وجدنا ان حتى الحركة الإسلامية التي هي أكثر مبدئية من غيرها رجعت إلى عشائرها وقبائلها عند فشل مشروعها الإسلامي، فكيف لمشروع ان ينجح لا يري الواقع وكل قيمه مستوردة.

إذا حتى يعبر الوطن عن كل افراده نحتاج إلى قيم عليا نابعة من داخل هذا الوطن وليست مشاريع مستوردة من الخارج تفشل عند أول اختبار، فقد مل هذا الشعب التجريب ومحاولة الباسه رؤى الغير، واول تلك القيم التي يجب ان نبحث حولها هي تعريف هذا الوطن الذي يؤدي إلى تعريف القوانين التي تحكمه وعلاقة المواطنين بعضهم ببعض.

هوية الوطن:

ان تعريف التعدد الذي ارتبط بالهوية السودانية وان السودان بلد متعدد الاعراق والثقافات والاديان هو تعريف ينم عن قصور تلك النخب في الخروج من مرحلة التعدد إلى مرحلة الثقافة الواحدة بعيدا عن تكويناتها الأساسية، وكان لذلك المفهوم اكبر الاثر في حالة اللا استقرار التي تمر بها الدولة السودانية إلى الآن لانعدام القيم العليا، فإذا اعتمدنا التعدد كتعريف للدولة نجد ان لكل عرق ولكل دين وثقافة قيم عليا تختلف وتتقاطع في بعض الاحيان مع الأخرى مما لا يمكن معه ايجاد مفهوم جامع لكل ذلك الاختلاف.
فإذا مسكنا جانب الديانات والتي لا تختلف كثيرا عن الاعراق في تعريف الاخر باعتباره اخر ضد، السؤال في كيف لاناس ينتمون إلى الدين المحمدي العربي (الإسلامي) والى الدين المسيحي (الغربي) ويمكن ان يكون هنالك من ينتمي إلى الدين اليهودي بالإضافة إلى اصحاب الديانات المحلية كيف لهؤلاء ان يحيوا داخل وطن واحد في حين ان كلهم يكفر بعضهم بعضا وهنالك من يدعوا إلى قتل اصحاب الديانات الأخرى، كيف نطلب من هؤلاء ان يكونوا اخوان داخل وخارج الوطن؟ وقس على ذلك مفاهيم العشائر والقبائل والتي ماثلة امامنا الآن في الاقتتال الدائر في غرب السودان فيما بين القبائل. فكيف نرتفع لمفهوم التساوي داخل الوطن في حين القيم تحبط ذلك التساوى إذا كانت القيم الدينية أو القيم العرقية؟

قوانين الدولة:

من المعروف ان لكل دولة قانون اعلي هو الدستور الذي يمثل هوية تلك الدولة وتستمد منه قوانينها الجنائية والمدنية، فالسؤال إذا كيف ستتشكل تلك القوانين في ظل التعدد المزعوم الذي أصبح يمثل تعريف الدولة السودانية عند كل الادبيات السياسية؟ فهل سننشي قانون لكل عرق ولكل دين؟ وماذا إذا تخاصم اثنين من ديانتين مختلفتين فبماذا سنحكم؟. واين موضع الشريعة من كل ذلك لاتباع الدين المحمدي العربي؟ واين موقع الشريعة المسيحية واليهودية وشريعة الديانات المحلية من قوانين الدولة السودانية؟. وعلى أي أساس تقوم التربية والتنشئة ومناهج المدارس وغيرها من الأسئلة الكثيرة التي تحتاج إلى إجابات حقيقية.

علينا الإجابة على كل تلك الأسئلة قبل ان يفاجئنا سقوط حكم المؤتمر الوطني ونبدا في ممارسة الديمقراطية المعتمدة منذ الاستقلال وهي ديمقراطية الفوضي التي لا يوجد بها قيم عليا تنتمي إلى الوطن مما يعيدنا إلى تبني مفهوم الاغلبية الساذج لتعريف هوية الدولة السودانية والتي تقوم على ذهنية النخب وليست على تعريف الواقع، مما يلغي تعريف واستيعاب اجزاء مكونة للثقافة السودانية والابقاء على جزء واحد وهو المكون العربي، ونعود إلى دولة المواطن درجة اولى ومواطن درجة ثانية وغيرها، وينفتح المجال إلى جماعة الإسلام السياسي للعودة مرة أخرى باعتبارهم يقدمون رؤية كلية تتجاوز ما تقدمه النخب. فكل من يسعي اليوم من الأحزاب السياسية إلى اسقاط حكم المؤتمر الوطني يسعي إلى حكم السودان دون ان يسال نفسه كيف يحكم السودان؟ وهو السؤال الذي يجب ان يؤرق الجميع.

إذا بمحاذاة السعي إلى اسقاط حكم المؤتمر الوطني على النخب الصاعدة ان تبدا في طرح الأسئلة الحرجة عن مستقبل السودان وطريقة حكمه وقيمه الجامعة التي تستمد من الواقع وتعلو على الكل حتى ننعم بوطن لنا جميعا.
ومعا من اجل وطن يسع الجميع

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. شكراً علي طرح الموضوع:
    البحث او التطلع لثقافة جامعة (ممثلة) صعبا جداً وربما مستحيلا لان الثقافات وتلاقحها او قولبتها لا يتم بتدخل فوقي والا شوهت واخرجت لنا نوع جديد من الاستبداد الثقافي والاستعلاء العرقي فبالتالي نحن نحتاج لحرية ان نختار من يحكم وكيف نحكم(بضم النون)؟ لو تحقق هذا فمشكلة الهوية ستصبح مسالة وقت ليس إلا حيث تزول الشكوك والغبائن ويفتح الناس كل المسكوت عنه علي بعضهم ويديرون حوارهم حتي يصلو الي فهم مشترك ينتج دستور وقوانين بالتالي معبرة عن الكل ويمكن حفظ الخصوصية لاقليات معين تمييز ايجابيا.
    وليس بالضرورة ثقافة واحدة وانا شخصيا لا احبذ مسالة ان تكون لنا ثقافة واحدة انما ثقافات متفاهمة ولا توجد اي مشكلة(اللغة الاولي في الشارع الامريكي هي الاسبانية واللغة الرسمية للدولة هي الانجليزية دليل ان التوافق هو المهم وليس الانصهار ثقافيا)
    بالنسبة للاديان مصادرالتشريع وغيره هي موضوع قانوني ثقافي ولكن اذا تمت الخطوة اعلاه من النقاش والحوار المجتمعي الخالي من اي توجيه وتحقق الفهم المشترك بين الانا والضد فكتابة الدستور يجب فقط ان تعبر عن هذا، التنطع بالدين او العرق او الثقافة هو المشكلة والمواطن اي كان دينه يعرف الخطا والصواب.
    القوانين توضع لمعالجة الجنوح وليس لتربية المجتمع فبالتالي يمكننا ان ننجز دستورا يمثل التفاهم المشترك الذي تم سابقا، مثلا نحتاج لدستور نتفق عليه وليس نذوب فيه فبقدر ما حافظنا علي تمايزنا بقدر ما حافظنا علي ثرائنا الثقافي

    الاشارة الي الدين المحمدي العربي والمسيحي الغربي كلتاهما غير موفقتين
    الاعتراف بالمشكلة هو اول الخطوات للحل لدينا مشكلة عميقة وطرح الاسئلة العظيمة هو بشارة خير نتمناه ان يعم ارضنا
    تقبل التحية والمجد والخلود للشهداء

  2. يشابه الهند السودان فى تعدد الاعراق والثقافات والديانات ..ويشابه ايضا فى ان الهند والسودان تم استقلالهما فى زمن واحد..ولكن المثقفون الهنود تجاوزو عقده العنصريه والان الهند يوصف بانها من اكبر الديمقراطيات فى العالم..ومن سخريه الزمن يقال انو مؤتمر الخريجين اول تنظيم سودانى مستلهمه من حزب المؤتمر الهندى الذى اسس الهند…ان الدوله اصلا انتاج علمى من المفكرون السياسيون وليس صنيعه العامه اولثقافات..وبالتالى يبقى توصيف ازمه السودان انها بسبب عدم توافق المكونات اوالثقافات اوحتى غياب الحريات يبقى دا لف ودوران وعدم اعتراف بالحقائق وهذا النهج مايزال هو الموجود فى ادمغه غالبيه المثقفين والسياسين الشمالين حتى شباب الانتفاضه الاخيره بنفس عقليه الهروب من تشخيص الازمه على جزورها والتمسك بموضوع صغير وهى اسقاط النظام وهذه العقليه المتحايله هى ذاتها فى الثمانينيات فى الانتفاضه ضد نميري ..ان السودان لا محال متجهه نحو التفكك طالما ان هويه الدوله يتم التستر عليه وهى الازمه الاساسيه..لابد من الاعتراف ان السياسين القدامى جعلوا السودان دوله عربيه فزجوا بالسودان فى جامعه الدول العربيه رغم رفض العرب وبنوا مؤسسات الدوله على ذلك وحتى الانشوده الوطنيه والعلم تعبر بصراحه عن امه العرب وبالتالى طوال عقود يخفون حقيقه ان السودان ليست دوله عربيه وانما سودانيه العب فيه جزء من الكل وليس الكل ..ظلوا يرفضون وجود فتيات سمر فى التلفزيون القومي ويرفضون الشباب الشباب السمر فى وزاره الخارجيه والبعثات الخارجيه خاصه المتجهه للدول العربيه ..اذا نحن امام مشكله كبيره صنعه انسان مازوم اساسا وغير متسامح مع ذاتو ولا الحياه ذلك عهد الناس فيهم كل الاشياء الغريبه على فطره الانسان ناهيك عن الاسلام الذى يدعوه ولا يمثل شئ من افعالهم فمن نقض العهود والكذب واللف والدوران فى كل شئ كل ذلك من السمات الاساسيه فى السياسيون الشماليون فى كل التنظيمات بلا استثناء كما عرف منهم ذلك الجنوبيون وكل الشعب السودانى بعد ستون عاما هكذا حال لا يوجد هنالك اي مبرر لرفض تقرير المصير لدارفور اوجبال النوبه اوشرق السودان ..ليست لدينا ايه مشكله اهلنا المواطنون بشمال السودان فقط مشكلتنا مع الدوله التى تحرمنا الكرامه والتقدم وليست لدينا ايه مشكله مع الثقافه العربيه اوعرق الناس او لونهم فهذه الاشياء بغض النظر عن انها سمحه اوشينه هى اشياء خلقها الله لا يستطيع احد كائنا من كان محاربتها او ازالتها فقط نريد دوله توفر الامان والعدل والحريه والكرامه وكل هذه القيم الاساسيه للحياه الحقيقيه لا يمكن ان تتوفر فى دوله تنكر هويتها اساسا…احمد مطر/حركه الديمقراطيون من اجل دارفور

  3. اذا استمرت الديمقراطية بعد سقوط الانقاذ فالديمقراطية قادر بتطوير نفسها وتكون وطن يتساوي فيه الجميع .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..