موسم الاعتقالات!!

اسوأ ما في حكومة الانقاذ، انها تزداد سوءا يوما بعد يوم! وكلما تكالبت عليها المشاكل وحاصرها الفشل وشاع بينها الفساد، إلا ونجدها عالجت المشاكل، بمشاكل اكبر منها، وكافحت الفساد، بفساد اشد وطاة! والحال كذلك، يصبح عامل الزمن مهدد حقيقي لحكومة الانقاذ، ولكن الخبر السيئ انه اكثر تهديد، لمكونات الدولة وروابط المجتمع. وعموما، اذا كان بقاء الانقاذ طوال الفترة الماضية، سبب كل هذا الدمار، لدرجة معاناتها اليوم من تبعاته، إلا ان استمرارها بكل هذه العنجهية، والاصرار علي الفشل او تجريب المجرب، ينذر بعواقب وخيمة تطال الجميع.
وقضية الاعتقالات التي تشنها حكومة الانقاذ، علي قادة الاحزاب السياسية والناشطين والصحفيين في المجتمع، تقف دليل مادي علي نهج (النعامة) الذي تدير به الدولة؟ اي بدلا عن معالجة الحكومة جذور المشكل الاقتصادي، ذو المرجعية السياسية، والذي يكاد يكون معلوم للكافة! اي التحول لاقتصاد انتاج في ظل نظام حكم ديمقراطي. نجدها كالعادة تفضل الهروب الي الامام، بتوجيه اللوم للسياسيين والنشطاء، وكل من يعبر عن رايه صراحة في حقيقة الاوضاع المتردية، او يقف موقف مسؤول من الممارسات العبثية التي تقود البلاد الي الهاوية. والحال هذه، تصبح مشكلة المعتقلين، انهم يصدحون بالحق في وجه سلطان جائر، لم يكتفِ بمصادرة السلطة ومصير البلاد، ولكنه يصر ايضا علي قمع كل من يسبح عكس التيار. اي كان الامور لا تستقيم للسلطة الانقلابية، إلا عبر احداث انقلاب شامل علي المستويين المادي والمعنوي! وعليه، لا تقف السلطة عند احتكار اجهزة القمع وادوات البطش، ولكن قبلها تسعي جاهدة لاحداث تغيير في منظومة القيم والمعايير، بحيث تشتغل في خدمة السلطة! اي تعلي السلطة من قيمها الاستبدادية ومعاييرها الاحتكارية، علي حساب القيم الديمقراطية والمعايير التشاركية. وعندها ليس مصادفة ان نجد من يمدح ثقافة الاستبداد، ويتغزل في محاسن المستبدين، بحجة المحافظة علي الامن والاستقرار! ويهجو ثقافة الديمقراطية وتطلعات الديمقراطيين، بحجة المحافظة علي الاصالة وتخلف المجتمع وعدم اهليته السياسية! اي يرد الخلل للمجتمع وليس طريقة ادارته، اي اعتبار الخلل جيني غير قابل للتغيير، وليس بيئي يملك احتمالات التغيير، اعتمادا علي طريقة الادارة او طبيعة التدخل. ولكن ما يدهش حقا ان يصل الغزل لدرجة اضفاء صفات الذكاء والمواهب والقيادة الفذة..الخ، بصورة مجانية، علي انقلابيين، في قمة الادقاع المعرفي والقيادي والاداري، قبل انفتاح شهيتهم علي الاستبداد والبذخ والفساد بشراهة؟ والمؤسف حتي الانحرافات والشذوذ، تجد التبرير او التاويل في اتجاه تجميل الواقع الكريه، او رفع العتب عن المسؤولين، عن ترديه! اي كي تستقيم الصورة المشوهة، لابد ان يتعهدها بالرعاية (اعلامنجية) مشوهين؟! والحال ان هذا ما يجعل عمل المعارضة اكثر صعوبة، وابواب الاعتقال اكثر اتساع! اي عندما تعمل المعارضة والنشطاء علي جبهتين، مواجهة الزيف الذي يضطلع به المزيفون المكرسون، ومقاومة السلطة المدججة بكل اجهزة القمع والبطش، وترسانة القوانين المعادية لمعايير الحياد ومتطلبات العدالة.
إذا صح اعلاه، يصح اكثر ان الاعتقال اداة سيطرة واذلال، وتاليا لا يوجد دستور او قوانين يتم انتهاكها من قبل المعتقلين، كي تبرر اعتقالهم! وما هو موجود منها، لا يمثل اكثر من خدعة او نوع من المظهرية (بدلة او ربطة عنق)، تُظهر حكومة الانقاذ بمظهر اكثر تحضر، كي تخفي جوهرها الهمجي. ولتاكيد ذلك، ما هي القوانين التي يخضع لها جهاز الامن، او المعايير الضابطة لاداءه؟ وهل يعقل ان يقاد شخص، بغض النظر عن احواله الصحية او السنية، الي جهة مجهولة، ولا يعلم احد عنه شئ؟ بل حتي ان كان من عتاة المجرمين، او عضو في تنظيم متطرف في تطرفه كداعش، لا يجوز ذلك! ناهيك ان يكون من الاكثر وعي ونبل وجرأة بين المواطنين، كحال المعتقلين؟ والراجح في هكذا احوال، ان السلطة اللامبدئية، لا يؤرقها إلا المبدئيون؟!
ولكن ماذا يعني كل ذلك؟
اولا، ان الاعتقالات واحدة من تمظهرات غرائز الدفاع التي تنتهجها الانظمة الانقلابية! اي بسبب تهجسها من الخاتمة السيئة، كنتيجة لخطيئة الانقلاب، وما يستتبعها من اخطاء، لا يسعها إلا اقترافها علي طول الخط. خاصة وان الانقلاب في حقيقته، لم ياتِ إلا لخدمة شريحة صغيرة، بغض النظر عن الشعارات والمبررات المطروحة! وتاليا تجدها (الشريحة) مرغمة علي عزل نفسها ومصالحها بعيدا عن المصلحة العامة، التي غالبا ما تعني اقتسام العوائد والمسؤوليات. اما آليات العزل وحماية المصالح، فهي موكولة لاجهزة وكيانات وافراد، يتم اعادة انتاجها والاصح مسخها، لتصبح اداة طيعة في يد اسيادها.
ثانيا، بما ان الاعتقالات عقوبة اعتباطية تلحق بالمعارضة والمعترضين، وتاليا تعكس كم لا يستهان به من التوحش والبربرية، اضافة الي انها، تندرج ضمن نهج الحماية والدفاع عن المصالح، كمرجعية حصرية! إلا انها بشكل او آخر، تشكل حاجة وجودية للاجهزة الامنية؟ اي تمنح وجودها هوية ووظيفتها معني، قبل ان تعود عليها بمكاسب لا حصر لها، اقلاها الترقيات والحوافز المادية، مرورا بالتواجد الاعلامي المكثف كنجوم الفن والرياضة، وصولا لمرحلة صراع المصالح او المزايدات بين قادة تلك الاجهزة، لاظهار الولاء لقائد الانقلاب! والذي بغض النظر عن مؤهلاته، إلا انه يشكل رمانة الميزان التي تحافظ علي مصالح تلك الشريحة، او يمنع انفراط عقدها بسبب الصراع الضاري علي السلطة، فوق انه يتحكم في شروط اللعبة، وآليات المنع والعطاء! ولو ان هذا لا يمنع قادة هكذا اجهزة من التطلع للرئاسة، بحكم ما تحوزه من معلومات وموارد وسلطات خارج القانون. هل قلنا شيئا عن الابتزاز الذي تلعبه بعض عناصر هذه الاجهزة، للضغط علي رجال الاعمال وغيرهم من المسؤولين، وهذا غير التسهيلات التي تقدمها للبعض الآخر، وتعود عليها بمنافع لا حصر لها! اي كلما كانت هذه الاجهزة اكثر (بعبعية)، كلما كانت اكثر قدرة علي النفاذ الي مكامن المصالح المادية بسهولة ويسر. وخلاصة هذه الجزئية، ان الاعتقالات والمعتقلين تحولوا الي مجرد كروت في لعبة مصالح تتجاوزهم، قبل ان تستهين بهدر حقوقهم وعدالة قضيتهم.
ثالثا، بما ان المعتقلين هم اصلا ضحايا لقوانين لعبة قد تتجاوزهم كما سلف، فتاليا تصبح الضغوط القانونية ضد واقعة الاعتقال، غير كافية رغم اهميتها. بمعني، قضية الاعتقالات يجب ان تنتقل من هامش الهمّ المعارض، الي مركز تحركه ونبض جهوده. اي باعتبارها المدخل الصحيح لاي مسعي نحو التغيير، وذلك ليس لان المعتقلين جزء اساس من قوي التغيير، او ان لديهم يد سلفت ودين مستحق، او ان جل قادة التغيير ومناصريه عرضة للاعتقال فقط، ولكن لان قضية الاعتقال التعسفي، هي مسالة ضد القانون، ووضعية جهاز الامن ضد المؤسسية! وتاليا في جعل هذه القضية الهمّ الاول، هو رد اعتبار للقانون كصيغة تقاض وحفظ حقوق حضارية، وللدولة كتركيب مؤسسي حديث. وهما كما هو معلوم، بمثابة القلب من مشروع التغيير، ان لم يكونا مبرر التغيير نفسه. وعموما، ان لم نتغير (نعيد ترتيب الاولويات) فلن يكون بمستطاعنا احداث اي تغيير، وسنظل ندور في نفس الحلقة المفرغة ونلوك ذات الشعارات ونتعزي بالامنيات الطيبات، دون ان نحرك ساكنا، او نجرؤ علي احداث اختراق حقيقي، في مشروع التغيير! وهذا عندما لا نستهلكه بكثرة الترديد، ليتحول الي مجرد مشروع هلامي او كائن اسطوري (لا يعلم احد كنهه او يتبين ملامحه)، ليعيد السحر الي العالم، بعد ان نزعته الحداثة كما يقال، ونصبح كمن يعادي الحداثة بشعاراتها، او يلغيها من الوجود من حيث لايدري. والخلاصة، ضبط الشعار وتحديد هويته ووسائل انجازه، هو اول خطوات النجاح. واعتقد ان اخذ قضية الاعتقال ماخذ الجد، يشكل البوصلة التي تساعد علي كل ذلك! بسبب عدالتها من ناحية، وسهولة بناء تحالف حولها من ناحية مقابلة.
رابعا، إذا صح ان الاعتقال، هو انعكاس لنهج مضمر، يبتغي تعزيز التحكم بالسلطة، والاحتكار للثروة من جهة، وكسر عزيمة الاعتراض والمعارضين، من جهة اخري! عندها لا معني لتغيير فلان او تعيين علان علي راس الجهاز الامني، لانه في كل الاحوال ما يجري يتم علي السطح فقط، ولا يمس جوهر النهج في شئ! ولو انه قد ينجح مؤقتا في تشتيت الانظار عن المعضلة الاساس، بعد ان يروي غليل من يعتاشون علي الاحلام والاوهام. والحال كذك، ليس بمستغرب ان يتحول قوش الي (الفة في فصل) وهو يقايض اطلاق سراح المعتقلين، بتحسُن سلوك المعارضة! وهو ما يعكس بدوره حالة الفرعنة، التي تكتسي كل من يتسنم قيادة هكذا جهاز، غير مسؤول ولا مساءل! وتاليا هي وضع طبيعي لحالة غياب القانون وتغييب المعايير، واحلال الاهواء والمصالح الذاتية محلهما. بتعبير آخر، في ظل غياب رادع مؤسسي وشفافية رقابية، تنطلق العقد والاحقاد والرغبات المكبوتة من مكامنها، والاصح تنفجر في وجه المحكومين، لتصيب بشظاياها من تصيب، دون حفول بالعواقب. والحال كذلك، تصبح الحقوق رهينة للمزاج او عرضة للمصادرة والتقلبات! وتاليا، يحكم عليها بالبقاء في مهب الريح علي الدوام. وهو ما يبيح القول، ان حقوق غير محمية بالقانون ليست حقوق، وهذا غير ان مزاج الحاكم الفرد محكوم بالاضطراب، وغالبا لا تسكنه إلا المخاوف والظنون والاعتكار. والخلاصة، ليس هنالك رهان علي الافراد، والرهان الحقيقي علي المسؤولية الجماعية، المتجسدة في الحكم الديمقراطي ودولة المؤسسات.
خامسا، الاعتقال الذي يتعرض له قادة المعارضة والنشطاء والصحفيون، وتقيد فيه حريتهم وتهدر فيه حقوقهم، خلف الجدران. هو في حقيقته التجسيد العملي، لحالة اعتقال شامل، يطال فضاء الدولة بالكامل! ويعبر عن نفسه في حالة الكبت السياسي والقهر الاجتماعي والحرمان اقتصادي والبؤس الحياتي..الخ! وان جري انكار ذلك عبر التعايش مع كل القيود والموانع، بغض النظر عن آثار هذا التعايش علي منظومة القيم واحترام الذات! إلا ان الاعتقال التعسفي (المادي /العياني) للمعتقلين، هو ما يشكل صدمة لحالة التعايش، بتعريتة لزيف الواقع، وكشفه حقيقة الذل والمهانة، او مصادرة الكرامة، التي تطال الجميع. بل المفارقة ان المعتقلين فقط، هم من يشعرون بالكرامة الحقيقية، إذا ما اعتبرنا الكرامة احساس بالاحترام للذات، رغم محنتهم ورهق الاعتقال! اي المعتقل هو من اجتاز برزخ التجربة، واكتشف كم الوضاعة والافلاس الذي تعنيه منظومة الانقاذ، وتاليا ان موقفه منها علي حق، وتضحياته لن تضيع هباءا منثورا، او هي ثمن يصغل تجربته ويمتن خبرته ويزيدها القا ومعني. ولذا غالبا بعد خروجه، يزداد يقينه بحجم الجرم الذي نرتكبه في حق انفسنا وبلادنا وحقوق اجيالنا، بالسماح لهكذا نظام تالف، بالاستمرار ولو دقيقة واحدة. والحال هذه، يصبح الدفاع عن المعتقلين، والضغط لاخراجهم، هو رد اعتبار للكرامة العامة المهدرة، وتاليا هو البداية الفعلية لطعن الفيل (ارجاع الحقوق كلها)، بدلا عن التلهي بمعاركة الظلال الدون كيشوتية، من شاكلة الحوار والانتخابات وزيادة المرتبات وهلم جرا.
وفي ذات الاطار تبرز حرية الصحافة التي تعاني الامرين، سواء من جهة الرقابة الذاتية او تهديدات الجهات الامنية، وما يعقبها من مصادرة للصحف وملاحقة للصحفيين، وكأن مهنة الصحافة جريمة، وليست تعبير حضاري عن وعي الامة ودرجة رقيها. ولكن هل التضييق يعني الاستسلام لمزاج الاجهزة الامنية وهواجسها العدوانية تجاه المهنة؟ ام العكس هو السبيل الوحيد للبقاء والتاثير، وذلك لا يحتاج حتي لرفع راية التحدي لمنازلة الجهاز في العراء، لان ذلك بدوره يحتاج لترتيبات اخري، تعتمد التنسيق مع المعارضة ضمن اطار اكبر للمواجهة! ولكن ما تحتاجه الصحافة من ادوات مقاومة في هكذا ظروف، غير تفعيل التضامن الصحفي عبر ميثاق شرف، يتقصد ضمان حرية الصحافة وحماية الصحفيين، إلا ان ذلك يمكن ان يتم من خلال، حجب اخبار الحكومة عن الصحافة، ومعاقبة جهاز الامن بمقاطعة اخباره، وتهميش قيادته، خاصة وهو يعمل جاهدا لتحسين صورته، كدعوته الاعلام لحضور اطلاق سراح المعتقلين. اي جهاز الامن يعي دور الاعلام واهميته، وتاليا عبر هذه المداخل، يمكن رد اساليب اعتقالاته ومصادراته عليه، اي المعاملة بالمثل كابسط وسائل رد الحقوق وحفظ الكرامة.
سادسا، وهي تساؤلات موجهة لمن يقومون بعملية الاعتقال ومعاملة المعتقلين، داخل زنازين جهاز الامن؟ هل ما تقومون به، يشكل مهنة حقيقية او مصدر رزق شريف، يقتات عليه عيالكم واهليكم؟ وهل العنف الجسدي واللفظي ضد رجال ونساء عُزل، في عمر اباءكم واخوانكم الكبار، وشباب من الجنسين في اعماركم او اقل، يليق بكائن سوي او صاحب نخوة، ناهيك ان يجلب الاحترام او راحة الضمير؟ والحال هذه، ماذا تكسبون اذا خسرتم انفسكم، كما ينسب لسيدنا المسيح؟ وإذا عكسنا الآية، هل تقبلوا ان تعاملوا او يعامل اباءكم واخوانكم وامهاتكم واخواتكم علي ذات الشاكلة، وبغض النظر عن المبرر؟ الم تسالوا انفسكم، كيف لرجال ونساء وشباب، انفقوا عمرهم وجهدهم وصحتهم ومالهم، وتركوا مصالحهم الخاصة، للدفاع عن قضايا (بغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف معها)، ان يوجدوا في هذا المكان ويواجهوا كل هذه المهانة؟ وغيرهم من انصار النظام الذي تدافعون عنه بغير وجه حق، يعيشون في القصور ويرفلون في النعيم، دون ان يقدموا نظير هذه الامتيازات من جهود عامة، تفيد الوطن ومصالح المواطنين، او حتي تراعي احوال الافلاس الاقتصادي الذي تسببوا فيه؟ اي الم تسالوا انفسكم، ما قيمة كل هذه المناصب الدستورية، او العائد منها، غير ما تعود به علي اصحابها من مكاسب مجانية؟ اي هل هنالك منطق لتصميم مناصب وما يستتبعها من امتيازات علي حجم افراد، وتاليا هي قطعا خصم علي المصلحة العامة؟ حسنا فالنترك كل هذا جانبا، ما هي ردة فعلكم عندما يتناهي الي سمعكم، اخبار الفساد المحيطة بالبشير واسرته وكل اركان النظام، وانتم تملكون سبل التحقق والتاكد من الفساد (الما دايرلو شوف، باستلاف تعبير حميد)؟ وكذلك عندما علمتم ان قادة جهازكم يساعدون علي تخريب الاقتصاد عبر التورط في عمليات التهريب، وهذا ناهيك عن دخول حاويات المخدرات والنفايات والاحتكار والتلاعب بالاسعار والعملة واستغلال قوانين الاستثمار، وغيرها من الانحرفات والتشوهات الاقتصادية التي ترتع في البلاد من غير ضابط؟ اي ما هي المعايير التي تقيمون بها الاعمال والرجال؟ والتساؤل بصيغة اخري، هل كنتم تعلمون بفساد قادة الجهاز، الذين يوزعون عليكم الاوامر والمهام؟ واذا انخدعتم فيهم، ما الضامن ان لن تنخدعوا في غيرهم من القادة والمسؤولين، طالما ليس هنالك وسيلة معلومة لضبطهم ورقابتهم؟ ولماذا لا تختبروا بانفسكم حقيقية قادة الجهاز وبقية المسؤولين، وقبلها تفحص المهام والوظائف التي يضطلع بها الجهاز، وهل تستقيم مع الخلق القويم او المصلحة العامة؟ بدلا من تنفيذ الاوامر وتصديق الاقوال وحقيقية الوظائف والمهام وكانها منزلة من السماء؟ بل السماء لم تعلن عن ذاتها او تفرض تعاليها، إلا عبر دعوتها للتفريق بين الحق والباطل؟ وبالتاكيد ليس هنالك من حق او فضيلة تقيم بين الدهايز والاقبية وتتستر بالظلام، كما ينتهج جهاز الامن من اساليب عمل وقيم مرعية؟ والمحصلة، بعد وقوع الواقعة، سيتعاملون (القادة والمسؤولون) معكم، بنفس منطق ابليس يوم الحساب؟!
والسؤال الاهم والحال هذه، هل انتم حقا تدافعون عن سلامة الوطن وحقوق المواطنين بكل قناعة وايمان؟ إذا كان هذا صحيحا، وباعتبار الايمان يصدقه العمل، فالتثبتوا هذا ولو لمرة واحدة، ليس عبر وقوفكم الصريح معهما، لان هذا ما لا نتوقعه او تملكون طاقته، ولكن فقط عن طريق امتناعكم عن طاعة اسيادكم الفاسدين، اي اعلان الاضراب عن العمل! وعندها فقط ستعلمون مشاعر الشعب الحقيقية ضد هذه الطغمة الفاسدة! التي لا تستند في بقاءها إلا علي وعيكم المشوه وخدماتكم القذرة، التي لا تليق بالمواطنين الاحرار. وعموما، مازالت الفرصة امامكم لاصلاح الاخطاء، والعودة من طريق الضلال الي حضن شعبكم المقهور، من اجل نصرته ورد حقوقه المسلوبة وكرامته المهانة. وكل المطلوب هو لحظة صفاء مع النفس، لازالة الغشاوة عن بصركم، وعندها ستفتحون قلوبكم وعقولكم للمعتقلين! والمؤكد، ستجدونهم اقرب اليكم من حبل الوريد، لتستانسوا بحسن معشرهم وكريم خصالهم، ولتتعلموا منهم قيمة الوطنية الرفيعة. والمفاجاة التي في انتظاركم، عندما تعلمون ان قلوبهم عليكم وعلي الوطن! وعندها حتما ستتاكدون ان الابطال والوطنيين الحقيقيون، من هم بالمعتقلات وفي الهوامش العريضة والمنافي البعيدة، وان الفسدة واللصوص المحترفون، من هم داخل القصر الجمهوري، ومن يحتلون الوزارات والولايات ويحتكرون مناصب القيادة في الاجهزة والمؤسسات، قبل ان يديروها كاملاك عائلية او مكرمات تنظيمية، لا تضع اعتبار لا للمصلحة العامة او بقية الشركاء في الوطن! وكذلك رجال المال والاعمال الذين ظهروا في غفلة من الرقابة والمحاسبة، لتتمدد استثماراتهم والاصح انشطتهم الطفيلية في كل المجالات والخدمات، كالنبت الشيطاني من غير جذور او انعكاس ايجابي علي اقتصاد البلاد واحوال العباد؟!
آخر الكلام
هذا الوطن ملك للجميع، وبالقطع يسع الجميع. ولكن لن يكون ذلك كذلك، دون وضع حد للاستبداد ومتلازماته، من فساد واقصاء واحتكار وتمييز وتهميش. اي مأساة الاستبداد، انه يسعي لامتلاك كل شئ، والنتيجة هي خسران كل شئ (اي سياسة الاستبداد ليست شئ آخر، غير تخريب سوبا او احراق روما!). ويا لها من سياسة تدميرية لا يطبقها إلا المعتوهون.
وفي الختام نتوجه بتحية خاصة لاسر المعتقلين وشبكة الصحفيين السودانيين وكل المدافعين عن حقوق الانسان، وغيرهم ممن يحملون همّ المعتقلين وهموم الصحافة في الداخل. ودمتم في رعاية الله.