شعب السودان وادمان السياسة

في السودان كلنا سياسيون أو مدعون للسياسة.
رغم أن السياسة لغةً هي معالجة الأمور قبل تداولها
ومادمت أملك (كيبورد) فأنا سياسي ولو كنت جلوسا تحت شجرة احتشي في ظلها كوبا من الشاهي.
فالسياسة اخوتي مأخوذة من الفعل ساسَ يسوس
أما اصطلاحاً فتعرف بأنها رعاية كافة شؤون الدولة الداخلية و الخارجية،
وتعرف أيضاً بأنها توزيع النفوذ والقوة ضمن حدود مجتمع ما.
وتعرف كذلك بأنها العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الدولة،
وعرفت أيضاً بأنها طرق وإجراءات مؤدية إلى اتخاذ قرارات من أجل المجتمعات والمجموعات البشرية،
وقد عرفها هارولد بأنها عبارة عن دراسة السلطة التي تقوم بتحديد المصادر المحدودة،
وعرفها ديفيد إيستون بأنها عبارة عن دراسة تقسيم الموارد الموجودة في المجتمع عن طريق السلطة، أما الواقعيّون فعرفوها بأنها فنٌّ يقوم على دراسة الواقع السياسي وتغييره موضوعياً.
وفي السودان لا تعريف لها سوى أنها مجلبة للجدل ومغالطة الآخرين.
فنحن اخوتي نتحدث دائما عن السياسة وما اجتمع اثنان إلا وكانت السياسة ثالثهما، وقديماً قالها الرئيس الراحل جعفر نميري عندما ضاق ذرعاً بالتظاهرات الطلابية التي كانت تحاصر البلاد حيث قال «كل واحد يكمل الثانوي يشتري ليه جريدة ويعمل فيها سياسي»، وهكذا نحن، يمكن أن يحدثك شخص عادي عن الكونفدرالية والارستقراطية والانثربولوجيا والايدلوجيا والاوتوقراطيه و البراغماتيه والبروليتاريا والبروسترويكا والبرجوازية والكثير من المصطلحات التي يصدعنا بها الكثيرون واحيانا عن حقوق الإنسان وعن الجمرة الخبيثة و النظام العالمي الجديد والعولمة،
وبعكس الإنسان في الغرب، الذي أكثر ما يحدثك عن أحلامه الوردية أو عن الحيوانات التي يربيها أو هواياته وولعه بالرحلات وهو لا يتعاطى ابدا السياسة على الإطلاق. وهنا يكمن الفارق بيننا وبينهم، حيث ان السياسة تتحكم فينا ويرتفع صوتها فوق كل الأصوات جدلا وصراخا وعويلا وهي أصل كل الأمور في حياتنا أما عندهم فإن السياسة لا تمثل إلا فرعاً من فروع الحياة ،
كذلك هناك الاهتمام بالتخصص والعلم ولا حلول للقضايا عندهم إلا بالتخصص، وليس لديهم حلول الاجاويد أو القرارات الفوقية أو الفردية.
فحقيقة نحن عاشقون للسياسة حتى الثمالة وتجدنا دوماً نسيّس كل شيء في حياتنا ونعود ونعلق اخفاقاتنا كلها على الأعداء.
وقد يفخر المرء أحياناً بأننا شعب يفهم في السياسة، وإذا ما قورنا بشعب كالشعب الأميركي أو البريطاني،
فقد تجدنا أكثر فهماً منهم للسياسة.
فلقد «انهدّ حيلنا» ونحن نتحدث ونتعاطى السياسة تاركين الإنتاج والعمل وأشياء أخرى أكثر أهمية، ولو انقلبت المعادلة وتركنا السياسة وركنا إلى تلك الأمور لربما تغير حالنا وتبدل.
ولعل تعاطي السياسة إرث ظلت الأجيال تتناقله، وقد كان كبارنا يتعاطونها وكنا نستمع إليهم غير آبهين بما يقولون وهم يتجادلون عن قوات الحلفاء وتركيا وانجلترا والعدوان الثلاثي على مصر وبطولات قوة دفاع السودان وما فعله السودانيون بالمستعمر.
ان ما يدعو للدهشة حقاً، هو اننا يمكن أن نتدافع بالأيدي والمناكب، ويؤذي بعضنا بعضاً بسبب الجدل السياسي.
إن الصراع السياسي صراع مستعر يدعي فيه كل فريق استقامته وهو في النهاية صراع بين حرية تريد لجنودها أن يكونوا أبطالاً ومنفعة تريد أن يكون جنودها أرقاء.
لحن الختام :
قال أبو العلاء في القرن الرابع الهجري :
يَسُوسُونَ الْبِلادَ بِغَيْرِ عَقْلٍ فَيَنْفُذُ أَمْرُهُمْ ويُقَالُ سَاسَهْ
فَأُفَّ مِنَ الْحَيَاةِ وَأُفَّ مِنِّي وَمِنْ زَمَنٍ رِئَاسَتُه خساسة
محمد حسن شوربجي
[email protected]>
لو صلح الساسة لزهد الشعب في سلعتهم