الشعب غنيان لكنو غبيان

مظهر الشارع العام السوداني ، يصيبني كما يصيب الكثير بالعديد من علامات الاستفهام ، والأسئلة التي لا يملك لها أحداً إجابة ، سواء كان من خبراء الاقتصاد ، أو من خبراء علم الاجتماع والفلسفة ، أو أي خبير آخر في أي مجال من مجالات الحياة المختلفة ، وضروب العلم الكثيرة المتشعبة . فعند تجولك ترى مظهر السيارات الفارهة التي تجوب شوارع العاصمة المثلثة جيئة ، وذهابا ، وعند مرورك ببعض أحياء الخرطوم الراقية تجد صنوفا من المعمار الأهلي وليس الحكومي ، من الطراز الأغلى والأفخم في العالم ، وعندما تتجه إلى الأرقام الحقيقية التي تتحدث عن السودان اقتصادا ، وسياسة وتخطيطا ، تجد أن هذا الشعب الحد الأدنى للأجور فيه لا يتعدى الـ ( 75 دولارا)
ذُكر قديما أن أحد الباحثين غير السودانيين ، قد قام ببحث مرتبط بالأجور التي يتقاضاها السودانيون ، وعلاقتها بمستوى المعيشة ، وكيف أن السودانيين يقضون حاجياتهم اليومية ، من أكل وشرب وملبس ، وعلاج ، إذ أن الأجور التي يتقاضونها ، لا تفي بربع الاحتياجات اليومية ، ليأتي السؤال الملح ، الذي يريد أن يعرفه الباحث ، كيف تقضون حاجياتكم الأساسية ، فكان رد غالبية الذين جرى عليهم البحث ، قول كلمة ( الله كريم ) ، فخرج هذا الباحث ليضيف إلى علم الاقتصاد ، باب جديد لابد من أن يتم تدريسه ، في هذا العلم المتجدد والمتطور ، وهو إضافة البند الاقتصادي ( الله كريم ) نعم إن الله كريم بعباده شفيق عليهم ، فهو الذي خلقهم وهو الذي يرزقهم ، وهو الذي كتب رزقهم ، قبل ظهورهم إلى الحياة وعالمها ، وقبل أن يعرفوا ماذا سيعملون .
صبيحة هذا اليوم الخميس الموافق 23/06/2013م ، وفي بداية اليوم ، وبعد احتساء كوب القهوة ، وبداية مطالعة الصحف السودانية منها ابتداء ، وقبلها مطالعة النشرات البريدية لبعض الصحف التي ترد عبر البريد الاليكتروني ، توقفت عند صحيفة الجريدة وفي صفحتها الثانية مباشرة ، وعبر صفحة كاملة ، لتقدم إعلان في شكل مقال وليس تحقيقا أو تقريرا صحفيا من مراسل حضر المؤتمر الصحفي ، ليقدم تقريرا مصورا ، حول هذا المؤتمر ، ليتحدث لنا الزميل والأخ التجاني سليمان ، ويعصر عصارة ما لديه من بديع اللغة ، وحلو الكلام ومموسقه ، ليقدم لنا شركة سامسونج العملاقة ، والتي قدمت الكثير المبهر والجميل في مجال الهواتف المحمولة ( وما يسمى بالهواتف الذكية ) وليرسم صورة زاهية ، كيف أن سامسونج قد أضافت البهجة إلى حياتنا ، وانتقل بنا هذا الصحفي ليبشرنا بمولود جديد لهذه الشركة العملاقة ، والذي سيوفر لنا حياة أفضل ، ورفاهية منقطعة النظير . وسيزيل التعاسة والعبوس عنا
كان ذلك من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد بفندق السلام روتانا ، وكان ذلك بحضور عدد من الصحفيين والمراسلين والمذيعين للقنوات التلفزيونية والإذاعية ، وبحضور عدد من شخصيات رجال الأعمال وبحضور فرقة من خارج السودان ، للتبشير بهذا المولود الجديد ، الذي من ميزاته خلق الفرحة وفرض الإلفة والمحبة ، إن هذا المولود هو هاتف جالكسي اس فور وما أدراك ما الجلاكسي .
(Galaxy S4 )
هذا الهاتف لم يتم عرضه في السودان فقط ، إنما تم عرضه في كثير من بلدان العالم ، ولكن لا أدري هل من جهلي بوسائل الإعلام التي تبث فيها الدعاية في البلدان الأخرى ، ومن بينها الدولة التي أقيم فيها ، ومن المؤكد أن شركة سامسونج شركة تجارية ربحية ، وليست بشركة سياسية ، أو تريد تسويق سياسة دولة كوريا بالسودان ، فلماذا تهتم بالسودان وتدشين هذا الحفل الكبير ، وإتاحة صفحة كاملة بصحيفة الجريدة ، وحتى كتابة هذا المقال لا أدري ان كانت هنالك صحف أخرى أتاحت نفس المساحة بصحفها ، أو بمساحات أقل أو أكثر ، وبما أن عدداً من المذيعين ومقدمي البرامج قد حضر المؤتمر الصحفي ، وحضر الاحتفال الذي أقيم مساء ، فمن المؤكد سنسمع ونرى هذا الاحتفال على شاشات هذه القنوات .
يأتي السؤال لمَ كل هذه الضجة على هذا الهاتف في السودان ، ألم يعاني السودان وفي هذه الايام بالذات مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية ، تجعله يقاطع هذه الأجهزة ، وإذا قلنا بان دخل العامل السوداني لا يتعدي الأربعمائة جنيه ، فمن أين له بثمن هذا الجهاز ؟ وإذا كان كلامي هذا صحيحا ، فهل شركة سامسونج ليس لها دراسات عن السوق السوداني ، وعن القوة الشرائية لهذا المجتمع ، وان كان لي شك في كل شيء لا اشك بأن الشركة تعرف جيدا القوة الشرائية للإقليم الذي تعرض فيه هاتفها هذا . أم أن هنالك احتمال آخر ، وهو أن الشعب لا يهتم فقط بالملصقات ولا يراها ، ولا تأتي أكلها عنده ، لذا قررت هذه الشركة عمل هذا المؤتمر وهذا الاحتفال البهيج ، وتخصيص هذه الصفحات ، عبر الصحف ، وتخصيص البرامج التلفزيونية عبر شاشات التلفاز .
إذن الشعب السوداني من أغنى شعوب العالم لذا تهتم به هذه الشركات وتطرح هواتفها الذكية والباهظة الثمن ، ولا تطرحها فقط بمجرد ملصقات ، على الشوارع ، أو إعلان تلفزيوني قصير عبر القنوات الفضائية الأكثر مشاهدة ، وإنما بهذه الطريقة وبهذه البهرجة التي تلفت الانتباه ، فمهما كانت التكلفة فان النتائج مضمونة ، وأن حجم المبيعات والأرباح المتوقعة معدة ومعروفة لدى الشركة وإداراتها المختلفة من تسويقية ومالية وغيرها ، فان هذا الشعب الذي لا يتعدى راتب الموظف فيه ما يعادل الـ ( 75 دولار ) شهريا فهو قادر على شراء هذا الهاتف الذكي ، فهو الذي اشترى البرادو والهمر وطلع القمر ، وبنى الناطحات ، وغابات الاسمنت ، انه الشعب الذي تزدهر فيه تجارة العقار والأراضي ، مما يدلل على يسر الحال ، إنه الشعب الذي اغتنى كل أنواع التكنلوجيا من هواتف ذكية وأجهزة حاسوب متعددة ، إنه الشعب الذي ملأ مصيفات الدول العربية والغربية وفنادقها ، انه شعب ( الله كريم ) ،،،، فلمَ التضجر إذن من ضعف الاقتصاد ، وانهيار الجنيه السوداني ، ولمَ التضجر على الحكومات ، وانتم لا ينقصكم شيء ، فالهواتف آخر صيحة والسيارات آخر موضة …

فتح الرحمن عبد الباقي
23/05/2013
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. مع احترامي لشخصك, فمقالك يا فتح الرحمن لا يساوي حبره ولا زمن القراء. اتق الذي خلقك يارجل فما هي نسبة اصحاب السيارات والهواتف الذكية من عدد اربعين مليونا؟ ١%؟ ربما اقل, فقل خيرا ام اصمت

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..