حكاية من حلتنا

سوف أحكي لكم قصة..!
عفواً، هي ليست قصة وإنما حكاية..
حكاية من حلتنا.. حلتنا التي يمكن أن يحدث فيها كل شئ..
كل شئ، بما في ذلك أن يعبث من في يده القلم بحقوق الناس، وأن يسلبهم حقهم عياناً بياناً، دون أن تحدّثه نفسه بالندم..!
نعم فالحكاية تقول إن وكيل وزارة العدل أحمد عباس الرزم أصدر قراراً بفصل (26) مستشاراً بوزارة العدل، بدعوى الضعف المهني، وعدم الإجادة..!
والحكاية ذاتها تشير إلى أنه، ما أن تم إخطار المستشارين المشمولين بقرار الفصل، حتى بدأت المعلومات المثيرة تخرج إلى السطح، وحتى بدأت الحقائق المذهلة تتناسل بصورة مضحكة ومبكية ومفجعة في توقيت واحد..!
وإذا بالصحف ووسائل التواصل الاجتماعي تحتشد بالوثائق التي تكذِّب ما يمكن تسميته بافتراءات وزارة العدل على بعض المستشارين، ذلك أن بعض الذين تم فصلهم بحجة ضعفهم مهنياً، حازوا أرفع الإشادات، بل أن منهم من تم الثناء عليه من الوزارة نفسها، فأي تدليس هذا..!
ويبدو أن ذلك وحده كان كافياً، للتدليل على أن الفصل لم يكن بسبب القصور المعرفي، وأنه ربما يكون لأسباب أخرى، مثل الإقصاء على أساس قبلي، أو على أساس جهوي، أو ربما من باب تصفية الحسابات داخل الوزارة الموكول لها إقامة العدل وإشاعته بين الناس..!
المهم أن المستشارين الذين تم فصلهم انتهجوا المسالك المحترمة، وطرقوا أبواب القضاء، بحثاً عن العدالة التي افتقدوها داخل قلعة الإنصاف.. وبالفعل مضت إجراءات التقاضي بصورة معتادة، ولكن..
فجأة، وأثناء عمليات التقاضي، إذا بوزارة العدل تخطر ثمانية من المفصولين بإعادتهم إلى الوزارة، وذلك بعد شهرين من قرار فصلهم..!
حسناً، ولكن القرار لم يكن خاصاً بثمانية مستشارين فقط، وإنما خاصاً بـ(26) مستشاراً، فما هو مصيرهم..!
هذا السؤال سرعان ما طغى إلى السطح، وربما لذلك قامت الوزارة يوم الخميس الماضي، بإخطار متبقي المستشارين البالغ عددهم (18) مستشاراً بإعادتهم إلى الخدمة، فماذا حدث..!
ما حدث أن وكيل الوزارة لا يزال يشغل منصبه، على الرغم من أن وزير العدل الدكتور عوض الحسن النور أعاد المفصولين، وهو ما يعني – ضمنياً – إلغاء قرار الفصل، فلماذا ? إذاً – لم يخرج الوكيل مستقيلاً..!
بل لماذا لم يخرج علينا وزير العدل نفسه بقرار يحاسب فيه الوكيل على ما اقترفه بحق المستشارين، طالما ثبت له أن قرار الوكيل لم يكن موفقاً، وأنه ألقى تضاعيف قاسية، وحملاً ثقيلاً على المفصولين، ووضع قدراتهم على المحك..! بل وضع أخلاق بعضهم في محل شك، بعدما أشيع على نطاق واسع أن قرار فصلهم لأسباب تتعلق بالسلوك..!
المثير في القصة كلها أن وزير العدل السابق محمد بشارة دوسة خرج للناس وصدع بشهادته دفاعاً عن المستشارين بمجرد فصلهم، في موقف محترم يُحسب له… ولكن..
لكن، هذه المرافعة مع أنها برأت المستشارين، إلا أنها أدانت الوزارة التي يُشاع أنها تعاني من تصنيفات جعلت أكثرية المفصولين يحملون توصيف “أولاد دوسة”..! وظني أن هذا مربط الفرس، فليس من شئ يمكن أن يجعل دوسة يفك عقدة لسانه، ويكسر صمته غير هكذا اتهامات وأقاويل. وهي مما لا يجدر أن يكون حادثاً في وزارة مثل العدل..!
خلاصة الأمر.. من حق المستشارين أن يطالبوا بتعويضهم عن الضرر النفسي والمعنوي الذي لحق بهم.. ومن حقهم أن يطالبوا بأجورهم عن فترة إيقافهم، وهذا حق مكفول بقانون العمل..!
أما نحن، فلن نفعل سوى أن ننتظر لنرى الإجراءات العقابية في حق المقصّرين، خاصة أن التعويضات التي سينالها المستشارون سيدفعها المواطن، لأناس لم يقدموا له شيئاً بداعي الفصل..!
ألم أقل لكم إن هذا العبث يجب أن يقابل بموقف محترم.
الصيحة