الميزانية بين الجيش والوزير وقوي الحرية والتغيير

د. صديق امبده
نعم الجيش. القوات المسلحة بمكوناتها كلها حسب آخر تعريف، والشرطة والمخابرات (الأمن سابقا) الخ. كل القوات النظامية في الدول “الديمقراطية” أو التي تسعى نحوها بجدية تشكل أحد أهم أفرع للدولة. ورغم ذلك فإنها تأتمر بأمر الحكومة القائمة وتجاز ميزانيتها من قبل وزارة المالية بعد التشاور معها كما مع غيرها. ما عندها موارد تانية.
قبل انقلاب مايو كانت ميزانية الجيش تراقب بواسطة مندوب من المالية ينتدب لذلك الغرض ويتبع للمالية، وعندما استعان نظام مايو بالسوفيت لوضع الخطة الخمسية ادخلوا نظام عسكرة مسئول المالية (كان آخرهم صديق حمد نائب مدير الحسابات فأصبح العميد صديق). ومن يومها أصبح يأخذ أوامره كضابط من رئيسه وليس من وكيل المالية فغابت الرقابة. نظامي مايو والإنقاذ، كأنظمة عسكرية (46 سنة) حاولا كسب الجيش بطرق ضارة به وبالوطن خاصة في فترة حكم الإنقاذ التي أرفقت ذلك بنزع قوميته بالتعيينات وفقا للولاء الحزبي. من هذه الطرق إنشاء شركات ومؤسسات اقتصادية وخدمية ولها امتيازات مختلفة تابعة للجيش بتعريفه الكبير السابق، وفي ذلك تشبه ببعض الجيوش في دول الجوار للحد الذي جعل وضعها أشبه بدولة داخل دولة في تلك الدول. استمر الحال وازدادت المؤسسات بإضافة مؤسسات جديدة قبل التوقيع على الوثيقة الدستورية. والاعتقاد السائد الآن هو أن غياب مصادر إيرادات هذه المؤسسات عن ولاية وزارة المالية يشكل خطرا على الاستقرار الاقتصادي في البلاد. وثانيا يحرم من يعملون في القطاع الخاص من المنافسة الشريفة، بالإضافة الي أنه سيتسبب في زيادة الدين الداخلي والخارجي واللجوء للبنك المركزي لطباعة عملة جديدة وهاك يا تضخم وانخفاض في الجنية السوداني ومعايش المواطنين. رأي أعيدوا كل ما ليس له علاقة بمهامكم للحكومة وحقكم محفوظ. دعونا نرتب بيتنا من الداخل حتى نحفظ للشعب السوداني كرامته ولا نمد يدنا للغير.
سيدي وزير المالية الناس نفسها قام. الدعم لا يمكن استدامته، نعم، لكن رفعه أو حتى ترشيده له شروط كما لا يخفي عليك ومن أهمها :
معرفة الناس “هي الحكومة أو إنت عملت شنو؟”. هل استبقت إعداد الميزانية بنقاش شفاف وموسع مع أصحاب المصلحة؟ مثلا عندك شباب تضحياته مشهودة وشعب كامل مهروس، تم رفع توقعاته بالرخاء القريب بضخامة حجم المال المنهوب وإمكانية الإعادة السريعة للمسروقات مع الشركات والمؤسسات التي آلت للجيش والأموال المجنبة و”عصر” المتهربين من الضرائب وتنظيم الصادر من الذهب وغيره.. الخ. ماذا فعلت فيها؟
وعندك قوي الضغط المختلفة المشارب بعضها مؤدلج وبعضها عينه على الانتخابات. هؤلاء وغيرهم يحتاجون لتوضيح الممكن والمستحيل وهم الحاضن السياسي للحكومة. هم وليس صندوق النقد الدولي، رغم أهمية الوصول معه إلى اتفاق في نهاية الأمر إذا أردنا التعامل مع الواقع الدولي المجبرين عليه، لكنه سيقبل في النهاية بالمعقول المبلوع من الشعب و “المملح بعلاقات خارجية مؤثرة”.
ثالثا نحتاج للتعرف علي للفقراء وكذلك إلى إحصائهم وإلى تعميق النظام المالي والمصرفي بزيادة الفروع ونقاط البيع والدفع بالموبايل بإجبار أو تشجيع شركات الاتصالات بنصب أبراجها في كل الريف و..و..؟
في رأي مارس الجاي ده خليهو وواصل النقاش مع أصحاب المصلحة لإقناعهم بالكيفية المقبولة وبالزمن المناسب فالجميع لا يريدون عدم استقرار سياسي وفتح باب تدخل منه شياطين متربصة لا ندري كنهها (أو ندريه).
الاخوة في “قحت” هذه حكومتكم التي قمتم باختيارها ورغم بطء إيقاعها ولكلكتها في أشياء كثيرة وهو من طبيعة الحكومات الانتقالية وأن العشم في حسن أدائها كان كبيرا لكنها ما زالت هي حكومة الثورة ويجب دعمها ولا خيار غيرها. وإذا كنا على قدر من العدالة فأن قحت ومكوناتها تتحمل جزءا كبيرا من هذه اللكلكة ومن قولت “تيت”، للجوئها للمحاصصة وخلافتها المعلنة والمغطغطة ما زالت وسلوك البعض مع الحكومة وضدها في نفس الوقت. التفاصيل كثيرة لا يسعها المجال ولكن رأيي أن تحزم القوي المنظمة سياسيا في “قحت” أمرها وتتعامل بواقعية فالشعارات لا توفر خبزا ولا وظائف. إن رفض رفع الدعم بصورة مطلقة موقف لا يفيد ويجب تقديم بدائل اقتصادية تحقق ايرادات عاجلة للميزانية الحالية حتى يمكن تأجيل موضوع الدعم لحين موعد يمكن الفقراء من تحمل العواقب بالحماية المناسبة.
أي سياسات شعبوية تخديرية للجماهير هي كارثة محققة.
+++
د. صديق امبده
[email protected]
مقال موزون وعقلاني ….
دعنا نناقش الفقرة الأخيرة التي تبدو ملتبسة في إعتقادي …
“..إن رفض رفع الدعم بصورة مطلقة موقف لا يفيد ويجب تقديم بدائل اقتصادية تحقق ايرادات عاجلة للميزانية الحالية حتى يمكن تأجيل موضوع الدعم لحين موعد يمكن الفقراء من تحمل العواقب بالحماية المناسبة. ..”
ودا كلام فيهو جانب كبير من المقولية . ولكن … ما فهمته من الكلام دا انو الفقراء حاليا لا يمكن يتحملوا عواقب رفع الدعم . ولكن كان الانتلجنسيا ما قدرت تقدم البدائل حيقع عليهم رفع الدعم كان يرضوا كان يابوا … ودا ناتج من القناعة بأن رفع الدعم دا شيئ مصيري واستراتيجي لا بد منه . لا … يا شيخنا … ماهو شيئ مصيري … وانت قبل كده شكرت في تجارب ماليزيا وكوريا الجنوبية بأنها نجاحات اقتصادية وذكرت فيهم انهم لم يجاروا مقترحات صندوق النقد الدولي اللي اهم مخرجاتها رفع الدعم .
القصة ما قصة شعبوية والضدها ما شعبوية … دي مطالب جماهير مغلوبة على امرها اكثر من 30 سنة من الفساد والإستبداد . مطالب يجب إحترامها . وهي يجب ان تكون من اولوياتنا ..
دا ما بيقدح ابدا في المقترحات والنقد الجيد اللي قدمته …