أخبار السودان

تسريبات حول استبدال مصطلح الرئيس «السابق» بـ«المخلوع» إعلاميا تثير جدلا

تجدد الجدل في مصر بشأن طريقة تعامل السلطات مع الرئيس السابق حسني مبارك، المتهم في قضايا مالية وجنائية، رغم نفي اللواء طارق المهدي، القائم بتسيير أعمال اتحاد الإذاعة والتلفزيون، ما نسب إليه من توجيهات بإلغاء استخدام مصطلح «الرئيس المخلوع» الذي يطلقه البعض على مبارك في نشرات الأخبار وبرامج التلفزيون، واستبدال مصطلح «الرئيس السابق» به.

وأثارت هذه التوجيهات المزعومة غضب نشطاء مصريين، واعتبروها استمرارا لحالة الغموض بشأن الموقف من مبارك الذي تخلى عن السلطة في البلاد تحت الضغط الشعبي الجارف. وكانت تسريبات سابقة عن عزم مبارك التقدم باعتذار للشعب المصري، في محاولة لنيل العفو من المجلس العسكري، قد أدت لتجدد الدعوات لمظاهرات مليونية حملت اسم «جمعة الغضب الثانية».

وتأتي هذه الأنباء في وقت تتردد فيه معلومات عن إمكانية انتقال محاكمة الرئيس السابق إلى مقر احتجازه في مستشفى شرم الشيخ، في حين أكدت مصادر قضائية أنه «لا يجوز قانونا هذا الإجراء» (انتقال المحكمة لمستشفى شرم الشيخ لمحاكمة مبارك).

ونسبت مصادر داخل التلفزيون ووسائل إعلامية محلية بينها صحيفة «اليوم السابع» صباح أمس، إلى اللواء طارق المهدي، اجتماعه بعدد من قيادات التلفزيون المصري، وأنه طالبهم بإلغاء مصطلح «الرئيس المخلوع» الذي يستخدم في نشرات الأخبار وبرامج التلفزيون، واستبدال مصطلح «الرئيس السابق» به، قبل أن تعاود الصحيفة وتنفي الخبر على لسان المهدي نفسه، مساء أمس. بينما قال مصدر مسؤول داخل التلفزيون المصري لـ«الشرق الأوسط» إن لديه معلومات بهذا الشأن، إلا أنه أكد على «عدم صدور القرار رسميا» حتى الآن. إلا أن البلبلة التي أثارتها «النية» عن استبدال التوصيف، ما زالت تثير الجدل داخل الرأي العام المصري.

وقال الدكتور عمار علي حسن، الباحث السياسي، إن «مثل هذا القرار يحتمل أكثر من معنى، منها أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يحكم البلاد منذ تخلي مبارك عن الحكم، لديه التزام أخلاقي تجاه قادته، ومنهم مبارك. وربما من هذا المنطلق الأخلاقي لا يريد أن يستخدم هذا اللفظ أو المصطلح، لأنه لا يريد أن يضر برجل كان في يوم من الأيام ينتمي إليه». وأشار عمار لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «يعتقد أن هناك نوعا من التخفيف التدريجي عن مبارك، فالموقف من مبارك وصل إلى ذروته بتحويله للمحاكمة على خلفية قضية قتل المتظاهرين، ثم بدأ بعد ذلك المنحنى يهبط مرة بدعوى أن الرجل مريض وأن نقله إلى مستشفى السجن قد يعرض حياته للخطر، ثم الحديث مرة أخرى بإطلاق بالونات اختبار عن العفو عنه، وطرح نقاش مجتمعي حول وضع الرئيس ومستقبله.. ومرة أخرى، بإصدار النيابة قرارا بإخلاء سبيل زوجته بعد أن دفعت مبلغا قيل إنها حصلت عليه من المال العام، وأخيرا محاولة تطويق واحتواء قوة الدفع الثوري حتى لا تطالب بنقل مبارك إلى سجن طرة».

وأكد عمار أن هذا الكلام ينطوي على أمرين وصفهما بـ«الخطرين»، الأول هو «مراعاة خاطر رجل مسؤول عن قتل أكثر 1000 شهيد مصري ومسؤول عن تدمير بلد على مدار 30 سنة»، والثاني هو «التدخل في الإعلام والعودة مرة أخرى إلى عصر التوجيهات وتنفيذ ما يقال». وناشد عمار المجلس العسكري باتخاذ قرارات تثبت أنه ينحاز فعلا للشعب وللثوار وليس لـ«الرئيس المخلوع»، حتى يؤكد أنه شريك وحام للثورة.

وقالت الإعلامية بثينة كامل لـ«الشرق الأوسط، إن «الإعلام المصري الرسمي لا يحتاج إلى مثل هذا القرار، فنشرات الأخبار حتى الآن مثل ما كانت عليه قبل الثورة، وبها الشخصيات نفسها التي كانت تستعدي الجماهير ضد الثورة». وأوضحت بثينة، التي تم إيقافها عن قراءة نشرات الأخبار بالتلفزيون «منطقي جدا أن يتخذوا مثل هذا القرار، لأن معظم العاملين تابعون للحزب الوطني (الحاكم سابقا) وروجوا للنظام السابق، وهذا سياق متسق جدا، فالتلفزيون يحاول الآن استرجاع العصر القديم».

وأصدرت «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان»، بيانا أمس قالت فيه «إنه ينبغي على اللواء طارق المهدي أن يتوقف عن قراراته المرتبكة والمتخبطة ومحاولة فرض آرائه وتوجهاته على وسائل الإعلام المصرية»، معتبرة أن مثل هذا القرار «محاولة لتجميل صورة ديكتاتور نهب وأعوانه ثروات الشعب المصري ومارس كل أنواع التعذيب والقمع ضدهم وتصويره على أنه مجرد رئيس سابق».

وقال جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان «الشعب المصري لم يقم بثورته لمجرد إضفاء صفة الرئيس السابق على الديكتاتور المخلوع، بل ثار للإطاحة به ومحاكمته هو وكل أعوانه ممن نهبوا وعذبوا هذا الشعب طيلة 30 عاما، وإذا كان اللواء المهدي يحب أو يحترم حسني مبارك، فهذا شأنه وحده، لكن عليه ألا يفرض آراءه ومواقفه على وسائل الإعلام استنادا لدوره».وأنشأ ناشطون شباب صفحات على الموقع الاجتماعي «فيس بوك» يصرون فيها على إطلاق مصطلح «المخلوع» على مبارك، ورفض مثل هذه القرارات، رفعت شعار «عذرا للمجلس العسكري.. مبارك ديكتاتور مخلوع وليس رئيسا سابقا». واعتبر أحد الشباب في تعليقه على هذه الأنباء «أنها حملة للضغط على الرأي العام لخروج مبارك المخلوع، من منطلق المسامح كريم والعفو عند المقدرة».

وكانت تسريبات نشرتها جريدة «الشروق» اليومية الخاصة الشهر الماضي، عن توجه للعفو عن مبارك (83 عاما)، لكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة نفى ذلك، وقال في رسالة له «لا صحة مطلقا لما نشر في وسائل الإعلام عن اتجاه المجلس للعفو عن الرئيس السابق». ونفى اللواء نبيل الطبلاوي، مدير أمن التلفزيون المصري، منذ أيام، ما روجه البعض عن إصدار رئيس قطاع الأخبار تعليمات بمنع عرض أو إذاعة فيديوهات موقعة الجمل وعملية قتل المتظاهرين.

إلى ذلك، تحددت جلسة 3 أغسطس (آب) القادم موعدا لبدء المحاكمة الجنائية لمبارك ونجليه علاء وجمال، ورجل الأعمال حسين سالم، بتهم إصدار مبارك لأوامر صريحة باستخدام الذخيرة الحية ضد المعتصمين، وارتكاب نجليه وسالم لوقائع فساد مالي، غير أن مكان المحاكمة ومقر انعقاد الجلسات لم يتحدد، وهو ما تسبب في وقوع اجتهادات طرحت إمكانية عقد المحاكمة داخل مستشفى شرم الشيخ، حيث يقيم مبارك حاليا.

لكن مصدرا قضائيا رفيع المستوى بالنيابة العامة، نفى ذلك، وقال «إنه لم يسبق في تاريخ المحاكمات الجنائية أن أجريت في غرف للمستشفيات أو غيرها باعتبار أن القانون قصر عقد الجلسات داخل قاعات المحاكم فقط، أو داخل إحدى القاعات الكبرى خارج المحاكم، والتي كانت تستأجرها وزارة العدل سابقا». ورجح المصدر، الذي رفض ذكر اسمه «أن يصدر قرار من وزير العدل بنقل دائرة محكمة جنايات القاهرة بحيث تعقد جلساتها بصورة مؤقتة بمنأى عن التكدس والازدحام»، مشيرا إلى أن التصورات شبه النهائية حول مكان المحاكمة تكاد تنحصر في ثلاثة مواقع، هي: مجمع المحاكم بشرم الشيخ، ومجمع المحاكم بالقاهرة الجديدة، أو تجهيز قاعة كبرى بداخل ساحة أرض المعارض الدولية (شرق القاهرة).

من جانبهم، أكد عدد من القضاة رؤساء دوائر محاكم جنايات القاهرة والجيزة، أن المحكمة لا تنتقل خارج قاعاتها تحت أي بند، مشيرين إلى أن القانون قصر انتقال هيئة المحكمة في حالتين، الأولى لإجراء معاينة للمواقع التي ارتكبت فيها الجريمة، والثانية تتمثل في الانتقال لسماع أقوال أحد الشهود المحوريين في القضية، حال عدم قدرته على المثول أمام المحكمة. وذكر القضاة، الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم، أنه في حالة مرض مبارك (أو أي متهم) تؤجل محاكمته لحين تماثله للشفاء، وتتواصل بالنسبة لبقية المتهمين، حيث يشترط القانون أن يمثل المتهم بشخصه في حالة صحية جيدة تمكنه من الاستماع وفهم التهم الموجهة إليه.

الشرق الاوسط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..