الشعب السوداني معلم الثورات

كيف نشكر أهل السودان، لا شكر يرقى لهداياهم لنا إلا أن نسير على خطاهم، لأن أول هداياهم هى تعليمهم لنا أن السير على خطاهم ممكن، أن الناس يقدرون على هذا، يقدرون على أن يرسلوا رؤساءهم ووزرائهم وضباط أمنهم ومعذبيهم إلى الجحيم، ثم ترفض الجحيم استقبالهم.
سيكون الطالب او الكادح فى المظاهرة، كلاهما لم يطع امر الرئيس الظالم فأصبح كل منهما رئيس نفسه، أصبح حرا ونال تلك التى نحلم بها كل يوم وليلة.
كيف نشكر أهل السودان، شكر التلميذ للمعلم، شكر الناس لمن أراهم أنهم قادرون، لمن ذكرهم ان لهم أيادى وأقداما وألسنة غفلوا عنها حتى ظنوا أنهم خلقوا بدونها، إن هداياهم لنا لا تنتهى. بادئ ذى بدء قد أهدونا ثورة شعبية ثالثة ناجحة فى تاريخ العالم الحديث والسودان المعاصر.
أهدانا ألشعب السوداني أول ثورة شعبية عربية ناجحة قامت لأسباب اجتماعية واقتصادية. فقد كانت العادة من قبل أن الجوع والقهر عندنا لا يغيران الحكومات، وكأننا نرضى من حكامنا فقط بأن يكفوا عن قتلنا، فإن أخذوا رزقنا فهنيئا لهم . ولكن لانرضى أن يحولنا الفقر إلى شحاذين وبغايا ثم لا نغضب، علمنا أهل السودان الغضب الحلال
أهدانا السودانيون ثورة انطلقت من الاقاليم وأثمرت فى العاصمة، لقد كان أهل مصر مثلا قلقين من أن قدرتهم على الحشد فى الاقاليم أكبر منها فى العاصمة لتركز الأمن بها ووجود خطط لأغلاق منافذها، بل إن شوارعها صممت بحيث تقسمها الأسوار الحديدية فلا يمكن للناس أن يتظاهروا فيها. أقول لقد أهدانا أهل السودان ثورة ولدت حيث ولدت فلم يشأ لها الناس أن تموت، وخرجوا من بلدة إلى أختها حتى وصلوا إلى العاصمة حيث يوجد الطاغية، هى ثورة مستضعفين حقا لا مجازا، ومهمشين بكل ما فى الكلمة من معنى، وستنتصر بكل ما فى الكلمة من معنى.
أهدانا ألشعب السوداني مثلا يحتذى به فى الحكمة ورباطة الجأش، فبعد اندلاع الثورة أطلق بعض أعوان النظام جماعات من النهابين تعتدى على الخلق فى دورهم، ففهم الناس، وفهموا كلهم وفى نفس اللحظة، أنها خطة دبرت بليل لتلويث الثورة بالفوضى، ولكى يترحم الناس على الشرطة التى انتصروا عليها ويطلبوا منها العون ضارعين. فما كان من الناس إلا أن شكلوا لجانهم ، شرطة منهم ومن أبنائهم، لم تتعود على الضرب والسحل والتعذيب والرشوة، بل أهل الأحياء يحمون أمهاتهم وأخواتهم وأخوانهم وأنفسهم ودورهم، استقلوا عن الدولة التى لم تكن إلا امتدادا لاحتلالهم
واستمرارا لاستعبادهم
أيها الناس هذه الحكمة هى الثورة وهى الدولة، هى تكاتفنا وحسن ظننا بأنفسنا، هى إعلان سند وحلف، وليس العقد الاجتماعى الذى تقوم عليه النظم السياسية إلا حلفا بيننا مفصلا بعض الشيء. لقد أهدانا ألشعب السوداني دولة وحلفا من الناس تعاقدوا على ألا يجور أحد على أحد، وأن يكونوا يدا على من جار وظلم، وأن ذمتهم واحدة، وليست الدولة إلا عقدا كهذا ما لم يغفل عنها أهلها فيميل بها الظالمون.
تعلمنا فشكرا للشعب السوداني، ولن يعود لهم شاه ولا شاهبور اليوم، وأما حكامنا الذين يحكموننا من اربع وعشرون عاما فليخافوا، ولا نلومن إلا أنفسنا إن لم يفعلوا. لا يوجد الحاكم إلا فى خيال المحكوم، وبعض الحكام عبء حتى على الخيال.
علمتنا ايها الشعب المعلم كيف نرسم للاجيال القادمة ان يسلكوا الدرب بخرائط رسمت بدقة بعيدا عن التشاعث والتباعد والتناحر وان لا نسمح ان يزايد على مصالحنا المزايدون وان نتعامل مع قضايانا بجدية وحسم شكرااااااااااااااااااااااااااا لك ايها الشعب فانا منك وفخور بك
بحرالدين ادم كرامة