“النهضة” بعيدًا عن المحرقة قريبًا من الحياة

* يوم الإثنين 23 الجاري، وقف رؤساء السودان ومصر وإثيوبيا أمام عدسات الكاميرات متشابكي الأيدي في لوحة غابت طويلا عن غالبية المشهد السياسي العربي المتمرغ حتى أذنيه في إحباطات أصابت أورِدته وشرايينه لاستلاب حرية المواطن وإهانة كرامته نتيجة “الكلبشة على كراسي الحكم”، وفي ظل نقص موارد الغذاء والماء والاستقرار والأمن، وكل من الدول الثلاث مثلت بطريقتها الخاصة لاعبا مهددا للآخر، مستفيدين من الأجواء المرتبكة أصلا في عالمنا، وكان لسد النهضة النصيب الأكبر كمادة للتحريض وصب الزيت على النار.
* الخبراء والضالعون في علوم الاستراتيجيات ظلوا دوما ينبهون إلى أن المياه ستشكل المادة الأساسية لحروب المستقبل، لذلك فإن ملف بناء “سد النهضة” بدولة إثيوبيا كاد يتحول إلى شرر قد يشتعل بين لحظة وأخرى إلى أن كان يوم الإثنين، حيث استضافت الخرطوم اللقاء الثلاثي لتوقيع اتفاق المبادىء وسط تفاؤل بأن شيئا من الشرر بدأ ينطفىء لتفرد المساحات للآراء العقلانية والدراسات العلمية والنظر بعمق إلى الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لقيام السد بعيدا عن متون السياسة المظلمة ومكايداتها.
* أولى فقرات الاتفاق الإطاري أسست للتعاون كمبدأ أساسي تبنى عليه عادة إدارة الموارد المائية الدولية، وتُدار به معظم الأحواض المائية المشتركة في العالم، لكنه ظل غائباً عن حوض النيل حتى لحظة توقيع الاتفاق. ويقوم التعاون بمقتضى الاتفاق على التفاهم والمنفعة المشتركة للدول الثلاث، وتفهّم الاحتياجات المائية الملحة لدول المنبع والمصب. وتناولت الفقرة الثانية مبدأ التنمية والتكامل الإقليمي والاستدامة كمدخلٍ لقبول مصر والسودان لقيام السد، والذي بدأت إثيوبيا العمل به منذ حوالي أربع سنوات بتحويل مجرى النيل الأزرق في ظل ارتباك سياسي عالٍ حينها.
* إن الغرض من قيام السد أصلا كما يقول الخبراء توليد الكهرباء كطاقة نظيفة ومستدامة، بما يساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والترويج للتعاون والتكامل الإقليمي بمشروعات إقليمية عابرة للدول، وقد ركز الاتفاق على التزام البلدان الثلاثة بعدم التسبّب في ضررٍ لأية دولة أخرى من خلال استخداماتها لمياه النيل الأزرق الذي ينبع من بحيرة تانا بإثيوبيا ويلتقي بالنيل الأبيض بالعاصمة السودانية الخرطوم ليمثلا المكون والمغذي الأساسي لنهر النيل شريان الحياة لجمهورية مصر.
* إن حسن النوايا المقننة بالاتفاقيات يمكنها تحويل دور السد كمشروع تنموي إقليمي إلى مبتغاه الاقتصادي والاجتماعي وكآلية لحض دول حوض النيل للدخول إلى دائرته لتعم فؤائده بقيام المشروعات الطموحة باستغلال الكهرباء، حيث من المنظور أن يولد حوالي 6 آلاف ميجاواط من الكهرباء الرخيصة، وشدد الاتفاق على أن لمصر والسودان الأولوية في شرائها.
* وطالما استطاع الاتفاق الإطاري أن يتجاوز المطبات السياسية ويكسر سلاح التشكيك في جدواه العادلة ودون التغاضي عن أي مضار إن كانت في هيكله البنائي أو قوته الاستيعابية للمياه وتوليد الكهرباء، فإنه يعتبر أحد مشروعات الحداثة التي يمكنها أن تزيح شبح “الفقر والجدب”، ما يحتم أن تفرد الساحة للخبراء والاختصاصيين للجلوس حول مائدة مستديرة لتلافي أي عقبات قد تعيق تجيير سد النهضة لصالح الشعوب ورفاهيتها.
همسة : طالما الاتفاق إطاري، نأمل أن يقول الخبراء كلمتهم بعيدا عن جلبابهم السياسي.
عواطف عبداللطيف [email][email protected][/email]