لويس ولبرت يشرّح ويحلل الاكتئاب بعد تجربة معه

البروفيسور الإنجليزي يرى أن مَنْ يعالج الاكتئاب أو يكتب عنه دون خبرة شخصية معه إنما هو كطبيب الأسنان الذي لم يصب بألم الأسنان من قبل.

ميدل ايست أونلاين

كتب ـ محمد الحمامصي

ثلاثة آلاف بحث سنويا

ينطلق هذا الكتاب “الحزن الخبيث.. تشريح الاكتئاب” من تجربة خاصة مر بها البروفيسور لويس ولبرت، الأستاذ الفخري في علم الأحياء في قسم التشريح والبيولوجيا التطورية بجامعة لندن، مع الاكتئاب ورحلة علاجه منه، دفعته للبحث في هذا المرض أسبابه ودوافعه ونتائجه وطرائق علاجه، وهو خلال ذلك لم يبحث في التاريخ والثقافات على اختلافها عبر الكتب، ولكن تجول غربا وشرقا للتعرف على الفروق الدقيقة بين مرضى الاكتئاب في بلدان الغرب والشرق، فزار العديد من المستشفيات والعيادات من فنلندا إلى الهند والصين واليابان وناقش الكثير من الآراء والأفكار والعلاجات والأدوية التي قدمها علماء الطب والنفس.

يبدأ لويس ولبرت مقدمته مؤكدا أن تجربته مع الاكتئاب كانت أسوأ من مشاهدة زوجته تموت بالسرطان، ووصف حالته قائلا: “كنت في حالة لا تشبه أي حالة مررت بها من قبل، فليست تلك حالة من الخمول أو الهبوط العام، ولم أكن محبطا بالمعنى الشائع للكلمة، بل كنت مريضا بالفعل، لقد كنت متقوقعا على ذاتي تحاصرني الأفكار السلبية، وتسيطر عليّ فكرة الانتحار معظم الوقت. فقدت قدرتي على التفكير السليم، وتلتها قدرتي على العمل، وكل ما كنت أرغب فيه هو البقاء في السرير طوال النهار والليل، لم أستطع الخروج من البيت، ولم أعد قادرا على قيادة دراجتي، كنت أعاني نوبات من الهلع إذا تركت وحيدا.

وبالاضافة إلى ذلك كله ظهرت لدي أيضا أعراض بدينة، فقد عاينت سخونة في جميع أنحاء جسدي، وبدأت أصاب باختلاجات لا إرادية، وقد أدت تلك الأعراض إلى زيادة قلقي، فقد كنت على سبيل المثال أخشى ألا أقدر على التبول، أما النوم فقد كان شبه مستحيل دون الحبوب المنومة التي تعمل عدة ساعات فقط، أستفيق بعدها، لقد كان المستقبل مظلما تماما، وكنت متأكدا أنني لن أعود إلى حياتي الأولى مجددا، ولن أتمكن من مزاولة عملي ثانية، وسيطر عليّ خوف شديد، لأنني ظننت أني في طريقي للجنون”.

لقد كتب ولبرت مقالا في صحيفة الجارديان أعلن فيه مرضه بالاكتئاب وبدأ العلاج على يد طبيبة نفسية، وما أن تماثل للشفاء حتى سألها إن كانت توافقه على أن الأطباء النفسيين لا يفهمون حقيقة مرض الاكتئاب، فوافقته الرأي جزئيا، وإذ كان يرى أن الأطباء قد يمتلكون مهارات التشخيص والعلاج، لكن الغموض يكمن بفهم ميكانيكية الأمراض الجسدية كالسرطان، إذ يمكن فهم مرض السرطان من حيث التغيرات الجينية التي تطرأ على خلايا بعينها وتسمح لها بالتكاثر بصورة غير طبيعية ومن ثم تنتشر الخلايا الخبيثة، وفي المقابل نعرف أن انخفاض مستوى مادة الـ “سيراتونين” في المخ مرتبط بظهور الاكتئاب بطريقة أو أخرى، لكن ذلك لا يعد تفسيرا كافيا وشافيا فكيف يمكن لاختلاف تركيز هذه المادة البسيطة أن يؤدي إلى تغييرات جوهرية في السلوك كما نرى في حالة الاكتئاب.

من هذه المناقشة مع طبيبته جاء قرار هذا الكتاب ليسجل فيه ما هو معروف ومعتمد عن المرض بهدف مساعدة المصابيين بالاكتئاب ولا يفهمون طبيعة معاناته، ثم مساعدة المصابين بالاكتئاب على فهم ما يحدث لهم، فضلا عن هدف آخر وهو محاولة محو الوصمة التي تلاحق مرض الاكتئاب، كاشفا أن من يعالج الاكتئاب أو يكتب عنه دون خبرة شخصية معه إنما هو كطبيب الأسنان الذي لم يصب بألم الأسنان من قبل.

ولفت ولبرت إلى تقرير حديث بعنوان “العبء العالمي للمرض” نشرته المنظمة العالمية للصحة، جاء فيه أن الاكتئاب يحتل المرتبة الرابعة لأهم المشاكل الصحية في دول العالم النامي عام 1995 (محتلا بذلك نسبة 3% من مجموع العبء العالمي للمرض)، كما تنبأ التقرير أن المرض سيحل في المرتبة الأولى للأمراض في دول العالم النامي عام 2020 محققا بذلك نسبة 6% من مجموع العبء العالمي للمرض، وفي الفترة ذاتها سيزداد معدل الانتحار من 593 ألف إلى 995 ألف في دول العالم النامي، كما يقدر التقري أن أقل من 10% من مجموع حالات الاكتئاب البالغة 83 مليون حالة في بلدان العالم النامي قد تمت معالجتها عام 1995، أما الحالات التي تلقت العلاج في دول العالم المتقدم فقد زاد بضعفين أو ثلاثة أضعاف فقط عن عددها بضعفين أو ثلاثة أضعاف فقط عن عددها في دول العالم النامي.

ويميل ولبرت لوصف وليام ستايرون لألم مرض الاكتئاب “إن الألم الذي يسببه الاكتئاب لا يمكن تخيله من جانب من لم يجربه وقد يؤدي في النهاية إلى الانتحار، لأن المرء لا يستطيع تحمله لفترة طويلة”، وكذا يتوافق مع الملامح التي حددها الطبيب النفسي الألماني إيميل كريبلن أحد رواد دراسة هذا المرض “إنه يشعر بالعزلة والتعاسة وكأنه مخلوق حرم من قدره، كما أنه يشكك في وجود الخالق، ويعيش في حالة استسلام كامل تغلق في وجهه كل أبواب الأمل، فيعيش أيامه بصعوبة، ويرفض كل شيء وكل ما حوله مصدر للقلق: الصحبة والموسيقى والسفر والعمل، ولا يرى من كل ذلك إلا الجانب المظلم والمتاعب التي قد تنشأ، أما الأشخاص المحيطون به فجميعهم مخيبون للآمال، لذلك فهو يعاني صدمة تلو الأخرى في علاقاته بهم. وتظل حياته بلا معنى، ويحاصره شعور بالتفاهة والضآلة فتتسرب إلى رأسه فكرة التخلص من حياته دون أن يعلم السبب، غير أن كل ما يعلمه أن شيئا ما قد انكسر داخله”.

ويتعرض خلال كتابه للاكتئاب السريري وهو كما يعرفه “الاكتئاب الحاد الذي يعطل القدرة على العمل، وربما يؤدي إلى الانتحار، أما العلاقة بين الاكتئاب الحاد والاكتئاب اليومي العادي فهو الشعور بالوهن والاحباط الذي يعد كذلك شعورا مهما، فهل يمكن القول إن الاكتئاب الحاد هو درجة قصوى من الاكتئاب العادي أم بينهما اختلاف نوعي”.

وأوضح ولبرت أن عدد الأبحاث التي نشرت عن الاكتئاب وصل إلى ثلاثة آلاف بحث سنويا وأن هناك كما ضخما من المعلومات حول الموضوع، لذا فهو في كتابه هذا الذي ترجمته الاكاديمية والمترجمة عبلة عودة وصدر أخيرا عن مشروع “كلمة” التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة يبدأ بالنظر في تجربة الاكتئاب في الماضي والحاضر، ثم ينظر إلى مشكلة التشخيص في الغرب وفي ثقافات أخرى، محاولا استكشاف العوامل التي قد تعرّض أشخاصا بعينهم للاكتئاب مثل العوامل الوراثية والعوامل المحزنة في الحياة وتجارب الطفولة المبكرة، وحتى الطقس، كما تعرض للاكتئاب الهوسي والانتحار باعتباره النتيجة المأساوية للاكتئاب، وهو خلال ذلك يناقش النظريات النفسية والبيولوجية التي تعرضت لتفسير الاكتئاب بما في ذلك أهميته التطورية.

ورأى أن التفسيرات النفسية للاكتئاب ركزت على أهمية الفقد، بالاضافة إلى التجارب المبكرة، في حين أن التفسيرات البيولوجية أكدت على فهم المشاعر كوظيفة كيميائية في الدماغ.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..