غياب مفهوم ثورة الديمقراطية الواثق كمير العمامة والأفندي

طاهر عمر
يعتبر عالم الاجتماع العراقي فالح عبد الجبار واحد من المهتمين بمسألة التحول الديمقراطي وله محاولات جبارة في تقديمه ما يفيد في مسألة فك الارتباط مع قيم تقليدية قد أقعدت مجتمعات العالم الثالث وأخّرتها عن اللحاق بمواكب الانسانية وفي مقدمتهم النخب التي إلتبس عليها الحال. عندما تقراء كتبه عن حال الفكر في العراق كأنك تقراءه يكتب عن حال السودان ونخبه الغائصة في وحل الفكر الديني و لم تعرف منه فكاك.
من كتبه التي تتحدث عن العراق ونخبه ونجدها كأنها تسرد حال النخب السودانية كتابه العمامة والأفندي ونجده عبر كتابه يشرح لنا كيف كان الأفندي عاجز من أن يخرج من معطف رجل الدين ويواجه مشاكل عصرنا الحديث بفكر يستطيع أن يقارب به مشاكل العصر الحديث.
عجز النخب وعدم مقدرتها الخروج من إنكفاءها وتدثرها بمعطف رجال الدين قد أخر إمكانية النقلات النوعية في مستوى الفكر التي يحتاجها مجتمع تقليدي في أشد الحوجة لمفارقة عقله الجمعي التقليدي وهذا لا يكون بغير طفرة هائلة فيما يتعلق بتحول المفاهيم كما حدث في المجتمعات الحية وكيف صاحبت التحولات الهائلة في المفاهيم لميلاد فكر جديد يتحدث عن المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد وتعتبر نقلة ترفع الفكر الليبرالي الى مستوى يمكن أن يوصف بأنه ثورة الديمقراطية.
فالح عبد الجبار في كتابه العمامة والأفندي تجده مهتم بكيفية إرتقاء الأفندي بفكره وخروجه من معطف رجل الدين وخاصة في مجتمعات هياكلها الاجتماعية هشة التركيب كحال السودان لهذا قلنا كأنه يكتب عن واقع السودان حيث ما زالت النخب السودانية تجسد عنوان كتاب فالح عبد الجبار العمامة والأفندي.
لفالح عبد الجبار أيضا كتاب آخر بعنوان الديمقراطية المستحيلة الديمقراطية الممكنة وهو كتاب منشور قبل كتاب المرحوم عبد العزيز حسين الصاوي بما يزيد عن العقد من الزمن وكتاب الصاوي بعنوان الديمقراطية المستحيلة لاحظ التشابه الى درجة يتطابق فيها عنوان الكتاب مع حذف جزءه الاخير الديمقراطية الممكنة من عنوان فالح عبد الجبار.
ما دعاني لكتابة هذا المقال ما نشره المحترم الواثق كمير بعنوان وحدة الاتحاديين .. لم يكتمل العقد بعد وهو في هذا المقال لم يطل كنجم البشارة أي بأن يبشرنا بميلاد زمن جديد يطوي حقبة الأفندي والعمامة في السودان بل يعيدها سيرتها الاولى. الغريب نجد أن الواثق كمير في مقاله يصر بأن وحدة أفندية الاتحاديين لا يمكن أن تكون بغير أن تجمعهم العمامة صرة في خيط كأنهم فريني زمان أبو قرشين الصغيرون ولا يمكن المحافظة عليه غير أن يكون صرة في خيط عمامة مولانا الطائفية.
ما يحزن أن مقال الواثق كمير ذو علاقة عكسية مع ما ينطوي عليه كتاب العمامة والأفندي لفالح عبد الجبار وكيف يحاول فيه كيف يفك الأفندي إرتباطه مع عمامة مولانا والمرشد والامام وهم عندنا أتباع أحزاب الطائفية والكيزان؟ في كتب فالح عبد الجبار تجده عندما يتحدث عن التحول الديمقراطي يدرك بأن الديمقراطية ثورة خفية كما تحدث عنها فلاسفة وعلماء إجتماع وكيف أنها أبنة القيم والتشريعات والقوانيين التي قد جعلت من التطور الهائل في التحول في المفاهيم أن تصل الديمقراطية الى مستوى نضج العقل البشري وقدرته في إدارة وتحليل الظواهر الاجتماعية حيث أصبحت فيه الديمقراطية بديلا عن وحل الفكر الديني.
لا أعرف كيف فات على الواثق كمير أن الديمقراطية كثورة قد أصبحت بديلا للفكر الديني في زمن مجد العقلانية وإبداع العقل البشري. الواثق كمير في مقاله نجده يجدد ميثاق النخب السودانية وعهودها وإرتباط الأفندي السوداني بعمامة رجال الدين وهذا يعاكس جهود فالح عبد الجبار في محاولاته كيف يتم التحول الديمقراطي وخاصة في ظل مجتمعات تقليدية تمتاز بأنها أكثر مقاومة لأفكار الحداثة والمضني للنفس عندما نجد كاتب بقامة الواثق كمير يقف في محطة تأبيد فكر العمامة والأفندي.
الواثق كمير في مقاله الأخير يجدد لنا مذاق خيبة الامل في النخب السودانية و يذكرنا كيف تندفع النخب السودانية في تأبيد علاقة الأفندي بعمامة رجال الدين و هنا لا أريد الحديث عن أتباع المرشد وكيف قد رأينا تجربتهم الفاشلة لمدة ثلاثة عقود من حكم الكيزان وقد رأيناها قد ملأت الساحة بمن يظن أنه مفكر اسلامي كفيلسوف الانقاذ الخايب أمين حسن عمر وعلاقة الكيزان بعمامة مرشدهم الترابي وفشلهم الذي قد وضعهم في خانة العدميين أعداء الاشراق والوضوح هذا المشهد الكالح وحده كان كفيل بأن يمنع الواثق كمير من أن ينزل ويغوص في وحل علاقة الأفندي والعمامة وينادي بحضور بيت الطائفية كهالة نور تبارك اتحاد أفندية الاتحاديين.
ربما يكون الواثق كمير قد تملكت لا شعوره شخصية قصّاص الأثر ليسير كالسائر في نومه خلف كل من كمال الجزولي والحاج وراق ومن خلفهم أفندية جامعة الأحفاد في تخليد فكر الامام الصادق المهدي وتبقى حكاية الأفندي السوداني وعمامة رجال الدين عروة وثقى لا فكاك منها وهذا يمحق فكرهم وحديثهم عن التحول الديمقراطي ويوضح أن أفقهم يغيب عنه مفهوم التحول الاجتماعي الذي يقود الى التحول الديمقراطي ولا يكون التحول الاجتماعي وقد غابت جهودهم التي تساهم في رفع مستوى الوعي الذي يكشف لنا إمكانية مفارقة العقل الجمعي التقليدي.
ولا يكون ذلك باليسير أي مفارقة العقل الجمعي التقليدي في ظل إصرار أمثال الواثق كمير على العروة الوثقة التي لا إنفصام لها ما بين الأفندي والعمامة ولكننا نذكر الواثق كمير بأن إنفصام عروة الأفندي والعمامة قد تم بكل سهولة ويسر في المجتمعات الحية عندما كان المفكر منتصر للحياة. عندما أيقن المفكر أن الحديث عن المساواة والحديث عن التسامح يكون نتاج عقلنا البشري وهذا ما يجعلنا نفارق محطات المرشد ومولانا والامام بلا خوف ولا وجل لأن عقلنا البشري قد وصل لدرجة من النضوج وفقا لتجربة الانسان وضمير الوجود لا تجعلنا في حوجة لكهنة ورجال دين حيث أصبحت العلاقة بين الفرد وربه علاقة مباشرة توضح عقلانية وأخلاقية الفرد.
وكذلك نقول للواثق كمير لا يحتاج الأفندي السوداني لوسيط كعمامة رجال الدين لكي تصبح عروة وثقى تربط الأفندي برجل الدين في زمن قد أصبحت فيه الديمقراطية ثورة إلا أنها تحتاج للمفكر الحصيف الذي يستطيع أن ييقن بأن مسألة وصول مجتمعنا التقليدي الى مستوى المجتمعات الحية لا شك فيها إلا أنها تحتاج لشخصيات تاريخية تعرف كيف تؤسس لفكر يفارق عقلنا الجمعي التقليدي والجميل أن تاريخ البشرية ملئ بتاريخ الشخصيات التاريخية وكيف يوضح لنا طريق الانسانية التاريخية والانسان التاريخ وقطعا أنه طريق يفارقه مقال الواثق كمير وهو يصر على ديمومة العلاقة ما بين الأفندي والعمامة وفي نفس الوقت يعشم في تحول ديمقراطي في ظل علاقة أبدية ما بين العمامة والأفندي وهذا ما يحزن.
هذا مقال موفق.
هنالك علاقة وثقي بين الحلقة الشريرة التي عاني منها السودان وما زال يعاني – ديفراطية انقلاب دينقراطية انقلاب – والفكر الطائفي العطن.
هزيمتنا تكمن في غياب الرؤية التي هي سمة الافندية المتدبرين بعباية الطائفية.
الواثق كمير كما ذكر في مقابلة له لم يكن يهتم بالعمل السياسي اثناء وجوده كطالب جامعي والجامعة هي المكان التي يتعلم فيه الطلاب العمل السياسي. كان اهتمامه ان يكون استاذا جامعيا وقد كان له ما أراد بسبب تواجده الدائم في مكتبة كلية الاقتصاد، وبعد رجوعه من البعثة لم يبدأ نشاطا سياسيا الا بعد ان حثه على ذلك استاذه د. الحردلو رحمه الله. بعدها اعتقد ان استاذية الجامعة ستقوده لكرسي الوزارة وعندما لم تفعل قادته الانتهازية الى الحركة الشعبية بقيادة قرنق وهناك وجد ضالته في دكتور منصور خالد الذي يحتفي بحملة درجات الدكتوراة، وقد كان على علاقة وثيقة بصهره د. بشير البكري. لم تنجح تلك المحاولة ايضا في الاستوازر وها هو الآن يطرق باب مولانا محمد عثمان الميرغني عسى أن يجد ضالته هناك. والحقيقة الواثق ليس وحده في هذا المجال فامثاله كثر من الذين لم نكن نراهم في أية فعالية سياسية في جامعة الخرطوم لأنهم حددوا اهدافهم منذ البداية وهي ان يكونوا أساتذة في تلك الجامعة بوصفها بداية سلم الاستوزار.. ارجو ان لا تعطي الرجل اكثر من حقه.