تصريحات المرشحين ورموزهم الانتخابية تثير سخرية الشارع.. لم يعد ثمة وجه للضحك محظور

الخرطوم – عزمي عبد الرازق
في وقت يدير فيه الشاب عمر عشاري بمزاج ثائر معركته ضد النكات ذات المسحة العنصرية، كانت الفرق الكوميدية هنالك تنتفض وتصور الحكاية على نحو آخر، وهي ثورة لا تنسحب على كل النكات بالضرورة، في المساء وتحت ضوء الثريات الكريستالية تلعب الموسيقى الصاخبة برؤوس ثلة من المسؤولين فينتشون من فرط المفارقات التي يتبادلها الشارع عن الحكومة، وتبثها ذات الفرق، ولربما يضحك الرئيس البشير طويلا من وقع طرفة تنتقد النظام، أو تسخر من مشروع تنموي صرفت فيه ملايين الدولارات، ثمة من يقول: تصريحات المسؤولين نفسها باعثة للضحك، وباعثة للسخرية، لدرجة أن رسامي الكاركتير، والأمر بائن لا يشعرون البتة بالإفلاس وهم يلتقطون عشرات الأفكار، كل صباح ويعيدون رسمها، دون مجهود يذكر. والحال كذلك، فإن النكات تعود للواجهة مجدداً كمتنفس في حديث الرئيس الأخير عن أنه لولا نكات متداولة في (الواتسب) لانفجر الناس .
أكثر ما يثير الضحك هذه الأيام تصريحات المرشحين في الانتخابات المقبلة، وكذلك رموزهم الانتخابية، وهي بالضرورة لا تحتاج إلى أصحاب خيال لتحويرها، بيد أن معالجات (الفوتوشوب) وميدان المعركة الانتخابية المحفز للتفاعل السياسي الإجتماعي استبانت معه آلاف الحكايات منها ما هو حقيقي، ربما، وما هو منحول. والحال كذلك لن تعدم وسط أخبار وسائط التواصل الإجتماعي صورة لمرشح مفترض رمزه (المنشار) وهو يحتفي به ويعلق بالقول: (عشان ناكل مع بعض نحن طالعين ونحن نازلين) بينما مرشح آخر مستقل يشهر رمزه التفاحة على أنها من ذات شجرة المؤتمر الوطني ليستعطف بها شباب الحزب الحاكم، وهنالك رموز جديدة منها (الموبايل) و(البصلة) و(الكوز). والرمز الأخير للمفارقة لا علاقة لصاحبه بالحركة الإسلامية.
كذلك ينسب لمرشح رئاسي أن ميشيل زوجة الرئيس الأمريكي أوباما زبونته في أحد المحلات التجارية التي كان يعمل فيها بأمريكا، ويمكن أن تتوسط بين الخرطوم وحكومة زوجها لتحسين العلاقات متى ما فاز.
1
* كوميديا سوداء
ما ينسب إلى أحد الرؤساء العرب، وهو على ما يبدو الرئيس المصري الراحل أنور السادت، أنه سمع بأن السودانيين أصبحوا يتبادلون النكات على نحو واسع، فقال الرجل بخفة دمه المعهودة أو كما نُسب له: (الظاهر عليهم جاعوا).
وسواء صدقت تلك الرواية أم لم تصدق، فالنكات تزدهر بشراهة في أزمنة المعاناة، ولربما لأن شر البلية ما يضحك كما هو كامن في تلك المقولة.. يضحك الناس كثيراً لينسوا ما يحدث، في حقيقة الأمر، بل يكاد يكون، وهو الأمر المثير للاهتمام، أن غالب النكات تنشأ كسلاح للمقاومة، وتتسع رقعتها لتغير وجه العالم، وكثيرا ما ينتهي مشروع سياسي كامل إلى نكتة كبيرة، مثل مشروع النهضة الإخواني في مصر والذي لم يجد متسعا من الوقت ليرنو على حقيقته، والحال هنا مع المشروع الحضاري الذي وجد ما يكفي من الوقت، وعلى ذات النحو تترسم الكوميديا السوداء خشبة مسرحها في كثير من البلدان العربية، وليس مصر والسودان استثناء، رغماً عن أن الناس هنا في السودان، لم يكونوا ميالين للفرفشة كثيراً. مسحة الحزن والجدية طافحة في الوجوه السمراء، لكن اليوم أشياء كثيرة تتغير، وقد استحالت مواقع التواصل الاجتماعي إلى مسرح كبير لعرض المفارقات السياسية، وتوظيف السخرية في الفضاء العام، للنيل من مسؤولين بأعينهم، والحال الدرامي الماثل، ملهم على نحو يجعل كل شيء يصلح للضحك حتى ما يصلح البكاء .
2
* البشير يبتسم
الرئيس البشير نفسه ميال لذلك النوع من المؤانسات، جلسات مجلس الوزراء ثرية بالقفشات، كثيراً ما يحكي الرئيس طرفة يكمن فيها توجيه، أو لفت نظر، وهو يستمع لتقارير الوزراء، ومن ثم يعلق، بخفة دم مشهودة، وقد حكى المشير قبيل أعوام في برنامج (حتي تكتمل الصورة) كيف أن هنالك أناساً سئموا من الإنقاذ للغاية، وكان أحد هؤلاء في المسجد والإمام يدعو: ربنا لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، فقال للإمام (هو سلط وانتهي سله التخفيف).. هنالك من يقول إن النكتة السياسية مهمتها وضع المجتمعات في صورة الواقع الذي يعيش والتعبير عن مستوي الاحتجاج بطريقة أخف وربما أعنف، وقد عرفها الشعب السوداني منذ القدم وأصبحت أداة للتنفيس عن الكروب والأزمات، بالرغم من أن النكات السياسية ليست هي التي تعارض وتنتقد فقط وإنما هنالك نكات تدخل في خانة التأييد، تبدو متكاثرة هذه الأيام في حملة المؤتمر الوطني الانتخابية، حيث تتربع (الشجرة) رمز الحزب على ثلة من النكات، والتعليقات الساخرة.
3
* عشان ما تنقلب
الشعب السوداني في العقود الأخيرة أضحى يمتاز بقدرات مهولة في السخرية من الواقع وخيال منتج للنكات السياسية توظف بشكل واسع في المناسبات الوطنية والاجتماعية، وأصبح قادته يلتقطونها بالرغم من محتوى النقد العنيف الذي تتضمنه، سيما وأنها تولد في ظروف سياسية معينة وفي الغالب الأعم يكون لها الأثر العميق على سياسات الحكومة أكثر من المسيرات والتظاهرات.. ومن النكات المتداولة هنا، على نحو واسع، أن أحدهم اشترى (حافلة) فكتب عليها بخط عريض (الإنقاذ)! وعندما سألوه: لماذا؟ قال لهم ببساطة: (عشان أصلو ما تنقلب)، لا أحد يعلم هل دارت تلك النكتة في رأس العميد ود إبراهيم قبل مغامرته الأخيرة، أم هي مقصودة في حد ذاتها لأسطورة قوة الإنقاذ وحصونها المانعة ضده، حتي لا تأخذ لا ينساق متهور آخر للقيام بعمل عسكري.
4
* شامبيون و”التيتل”
النكتة السياسية صادقة لا تكذب. فهي التعبير الشعبي العفوي الذي لا يجامل. كما أنها أنجح وسيلة استفتاء سياسي للحكام، كما يرى البعض، مضحكة وفي نفس الوقت موجعة للغاية، وقد حفل واقعنا السياسي بالكثير من النكات التي انتشرت بشكل لافت أيام الانتخابات السابقة ومن أشهرها أن أحد المواطنين الذين لا يتابعون الشأن السياسي كان يرى في الشوارع إعلانات الحملة الانتخابية للبشير بحكم أنها الأكثر انتشاراً وملصقات إعلانية لمشروب شامبيون، وعندما سُئل: من هو المرشح الفائز في الانتخابات برأيك، قال الرجل: “إما البشير أو شامبيون”، نفس النكتة يعاد إنتاجها هذه الأيام ولكن بين مرشح الوطني وصابون (التيتل)، بينما يحكي عن أحدهم أنه دخل مركز اقتراع، وعندما خرج قال للمرشحين، رضّينا عليكم كلكم، وهي النكتة التي ستغضب المفوضية الانتخابية كثيراً، لأن الرجل يضاعف الأصوات التالفة.!!
5
* جون قرنق يسخر
الراحل الدكتور جون قرنق كان قد اشتهر بخفة الدم تلك وهو مؤلف بارع للنكات يوردها بشكل عفوي، ولابد أن تلك الصورة الشهيرة التي تجمعه بالأستاذ على عثمان محمد طه وثغره المفتر بضحكة عميقة، لابد أن الراحل قرنق علق على موقف أو حكى نكتة عمقت الثقة بين الشريكين، وفي أول لقاء للراحل جون قرنق بمسؤول من المؤتمر داخل القصر الجمهوري قال المسؤول لقرنق: “والله يا دكتور العمل في القصر دا حار وصعب شديد” فما كان من جون قرنق إلا وأن بادره بالقول: “خلاص إنتوا أمشوا الغابة وخلونا نحن في القصر”، وقد كان الرجل مرحاً يخاطب الميرغني بعبارة مولانا ويكسر حاجز الصمت بإطلاق القفشات، ويختزل فكرة الدولة الإسلامية بأنه (مافي حكومة بتخش الجامع تصلي)، وهو من وراء ذلك يسوق للعلمانية ويحاول أن يفك الارتباط بين التصورات الذهنية للحكم الإسلامي وواقع الحال. الغريب في الأمر أن أحد الشيوخ هنا استخدم ذات منطق الراحل قرنق لتبرير الحصول على قرض ربوي لتمويل أحد المشاريع، كان قد أثير حوله جدل شديد داخل البرلمان.
6
* عهد مايو
كذلك وفي العهد الماضي نُسجت الكثير من النكات عن الراحل النميري. وقد دار أكثرها حول إفلاس الخزينة وجوع الجماهير.. قالوا إن أميرا خليجيا استقدم خبيرا سودانيا في تنظيم الدولة، ثم اقترح عليه إضافة وزارة للغابات، فقال له، ولكن لا توجد عندكم أي غابات ليكون لها وزير.. فأجابه الأمير قائلا: وماذا في ذلك، أنتم عندكم وزارة مالية رغم أنه ليس عندكم أي مال في السودان!
7
* وجه الضحك المحظور
الكاتب الصحفي والأستاذ الجامعي الدكتور عبد اللطيف البوني يرى أن النكتة السياسية يمكن أن تكون وسيلة للمقاومة والاحتجاج على الظلم أو المعاناة، علاوة على أن مؤلفي النكات عادة هم أشخاص مجهولون، وهناك نكات تكثر في نظم تقل فيها الحرية ودائماً عندها تماس مع الاحتياجات الاجتماعية، وأكد البوني أن النكات السياسية شكل من أشكال التنفيس والاحتجاج، ولكنه لا ينسبها لأشخاص منظمين سياسياً وإنما يقول إن أمثال تلك النكات غالباً ما تصدر من أشخاص غير منظمين ولكنهم ساخطون على الواقع وتتبناها المعارضة، ولا يربطها البوني بفترات الحكم العسكري فقط ولكنه يمضي إلى أن النكات كانت منتشرة بشكل واسع أيام الديمقراطيات وكانت تطعن في أهلية المسؤولين، وعن ردة فعل الحكومة على تلك النكات الساخطة يتجه البوني في مسار آخر ويعتبر أن الحكومة تتبني تلك النكات لتبطل مفعولها ولترسل للشعب رسالة بأنها مجرد نكات (وما فارقه معاها) وبالتالي لن تؤثر على سياستها.
وعن شخصية القادة السياسيين يرى البوني أن البشير واضح أنه يحب النكات ويتبادلها مع أصدقائه وهو يميل للطرفة وخفة الدم، وبحكم أنه (هلالابي) فقد دخل في مداعبات كثيرة مع أقطاب النادي الآخر (المريخاب)، وبالنسبة للدكتور الترابي فهو يميل للسخرية والأداء الدرامي والتعبير الحركي لدرجة أنه أحيانا يقلد الأشخاص بطريقة مضحكة، وهذا ما يضفي على خطاباته جاذبية وأثراً أبلغ، ولذلك متى ما سمعه الناس يتكلم انتبهوا له.
أما سكرتير الحزب الشيوعي الراحل محمد إبراهيم نقد ?والحديث مازال للبوني- فإن سلاسته تتمثل في اللغة التي يستخدمها، تلك الدارجة البسيطة التي تشد المتابع بمفرداتها، وهو لديه قدرة عجيبة على التعبير عن أفكاره وتوظيف الحكاوي السودانية.
8
* مداعبة موجعة
مما كان يحكى أيضاً على سبيل المداعبة، وربما المداعبة الموجعة المقصودة، أن لجنة إحياء مشروع الجزيرة توقفت عن مزاولة عملها لأنها اكتشفت أن الذي يحيي ويميت هو الله وهذا العمل يخالف الشرع والفطرة السليمة، وقد ظل الشارع السوداني يردد في الأيام الماضية أن زيادة أسعار السلع الاستهلاكية جاءت في إطار سياسة محاربة السمنة وأمراضها وذلك بإجبار المواطن على تقليل الوجبات أو إلغائها، رغم أنه قد يجيب آخر بأنه لا توجد سمنة ولا يحزنون.. عطفاً على ذلك تظل للنكات السياسية ظلالها المتداخلة وكمية السخط الذي تختزنه وهي كبسولة محشوة بكل ما يصعب الجهر به في حق الحكومة، مع أن بعض الحكومات أصبحت تهتم بتلك النكات وتجمعها ومن ثم تقوم بتحليلها وترد عليها بلا تجاهل، ويبقى سؤال معلقاً: لكل مراحلة نكاتها فماذا عن نكات ما بعد الانتخابات؟، هل سيضحك السودانيون أم يبكون كثيراً؟
اليم التالي
بالتأكيد سيبكي السودانيون كثيرا بعد الانتخابات!
البشير دمه خفيف غاز سام مثلا؟
دكتور منقلا