يحي فضل الله

قرنق دينق بول

تداعيات

كان قرنق دينق بول يعمل في احد افران العباسية
لم يكن لصا
كان بعيدا جدا عن عالم الجريمة و لكن برغم ذلك استطاعت محكمة
العدالة الناجزة ان تنجز و علي عجل سياسي بتر كفه اليمني
علي عجل سياسي تساقطت اكف و بتر عدد من السيقان و تم صلب
الواثق صباح الخير و كان الغرض من ذلك هو تثبيت قوانين سبتمبر
فكانت تلك المحاكم التي سميت بالعدالة الناجزة قد أنجزت و تحملت عبء تلك المجازر.
كان قرنق دينق بول يقود دراجة الفرن في ذلك الصباح و في منحني ضيق
في ازقة العباسية و لم يستطع ان يتفادي احدي الموظفات فصدمها بالدراجة و لسوء حظه لم تكن تلك الموظفة من نوع الموظفات العاديات و لكنها كانت تعمل سكرتيرة لاحد مسئولي العدالة الناجزة اي انها من – العاديات ضبحا-
فكان ان تم حبس قرنق دينق بول بتهمة السرقة وانه قد صدم تلك السكرتيرة بنية سرقة حقيبتها و حين تم تقديمه للمحاكمة كانت النقود التي في
حقيبة السكرتيرة لا يصل عددها الي مائة جنيه – كان هذا الرقم هو الحد
الذي يقاس عليه المال المسروق كي ينفذ البتر – و لما كان الامر كذلك فقد اهتدي ذلك القاضي الي فكرة جهنمية كي يفقد قرنق دينق بول كفه اليمني
و كي تكسب القوانين الجديدة وضعية التنفيذ فما كان منه إلا ان اضاف
الي نقود السكرتيرة تلك الناقصة عن الحد ثمن الحقيبة و ثمن نظارتها و
هكذا اصبح قرنق دينق بول بلا كف في يده اليمني و كان ان اصبحت احلامه
لا تتعدي رغبته في تحريك اصابع كفه اليمني التي اطاح بها ساطور جلادي
قوانين سبتمبر او الشريعة الإسلامية.
في الفترة الانتقالية بعد أنتفاضة ابريل جمعتني ظروف السكن في الموردة مع ذلك الالماني المعروف في امدرمان و صاحب استديو كوش للتصوير الملون بيتر فون او بكري كما يحلو لاهل الموردة ان يدعونه و احيانا بيتر كوش.
سكنت مع بيتر كوش في حي الموردة خلف السوق و معي الصديق السماني
لوال و الصديق عبد الله حسب الرسول الملقب بالشماسي و لما كان بيتر كوش
مهتما بضحايا قوانين سبتمبر ، يجمعهم و يحاول مساعدتهم من خلال علاقاته الواسعة بمنظمات عالمية تهتم بحقوق الانسان فكان ان تعرفت و عن قرب حميم علي عدد كبير من المبتورين و عايشت مشاكلهم و دونت قصص حياتهم و تفاصيل دقيقة عن وضعهم كمبتورين و من ضمنهم كان قرنق دينق بول.
سكن معنا قرنق دينق بول في الموردة بعد ان تخلي عنه قسم الجراحة
بمستشفي امدرمان اثر ازمة حادة في البنج ، كان قرنق دينق بول يعاني
من طعنة خنجر في الجانب الايسر من صدره نتج عن مشاجرة في حي
السينما بامدرمان ، لم يتعرف قرنق دينق بول علي تلك العوالم الا بعد عملية البتر.
كان يرقد علي سرير في عنبر الجراحة بمستشفي امدرمان و يبدو ان المستشفي لم تطق رؤيته كمبتور لذلك تخلت عنه و قذفت به و هو يحمل ورقة صغيرة تقول ان عليه ان يعود الي المستشفي بعد ان يتوفر البنج كي تجري له عملية جراحية و هكذا كان الجرح الذي في صدره يقترب من ان يكون غرغرينة يستعين عليها بتأوهات و صرخات حادة و كأنه طعن بذلك الخنجر في نفس لحظة تلك الصرخات و التأوهات و هكذا كنا نخرج من البيت ونتركه مع آلامه و نعود ونجده وقد فشلت كل المسكنات و المضادات الحيوية التي
تناولها في تخفيف تلك الالام الي ان جاء ذلك المساء و كنت ومعي عبد الله الشماسي قدعدنا مبكرين لنجد ان قرنق دينق بول ملقي علي الارض و يبدو
ان آلامه قد قذفت به خارج السرير ، تفحصناه و كان خارج وعيه تماما و بعد مجهود استطعنا ان نعيد اليه وعيه و خرجنا به بعد ان احضرنا عربة تاكسي الي عيادة الدكتور علي الفاضلابي بشارع الموردة الذي كان وقتها مديرا لمستشفي السلاح الطبي بدرجة لواء استقبلنا اللواء الدكتور و بعد ان اجري كشوفاته علي قرنق دينق بول خلف الستارة التي خرج منها منزعجا و سألنا عن علاقتنا بالمريض ، حدثناه بتفاصيل دقيقة عن قرنق دينق بول و
كيف ان عنبر الجراحة بمستشفي امدرمان تخلي عنه و هو في هذه الحالة و لم يملك الدكتور الفاضلابي الا ان يعلن لنا و بالانجليزية ان الجرح قد تطور الي غرغرينة التي تحولت الي التهاب سرطاني و بهمة متناهية وقف ضد ذلك القبح الذي مارسته مستشفي امدرمان كتب لنا ورقة تعلن عن استضافة قرنق دينق بول في الدرجة الاولي بقسم الجراحة بالسلاح الطبي لاجراء عملية جراحية عاجلة له و كل ذلك علي مخصصاته كمدير للمستشفي و كان علينا ان نذهب به الي السلاح الطبي في صباح الغد .
استقبلنا الدكتور اللواء علي الفاضلابي و معنا هذا المريض الاستثنائي قرنق دينق بول و اشرف بنفسه علي ادخاله الي حجرة في الدرجة الاولي و قد اشرف علي العملية بنفسه كجراح و احتاج قرنق دينق بول الي عملية نقل دم لانه قد نزف كثيرا اثناء العملية
وخرجنا نبحث عن متبرعين بالدم من داخل المعهد العالي للموسيقي و المسرح الذي كان وقتها في مباني – قصر الشباب و الاطفال و بحثنا وسط الطلاب عن حملة فصيلة الدم (او بوستف
– و شملت حملة التبرع بالدم لقرنق بول دينق عددا من الطلاب اضافة الي ضيوف المعهد
و كان منهم الشاعر محمد طه القدال و الشاعر حميد الذي كان يهمس لنفسه و نحن داخل
السلاح الطبي قائلا -او بوستف – و ذلك بطريقة مد الكلمات و لاول مرة اعرف انا في ذلك اليوم ان فصيلة دمي هي نفس الفصيلة.
عصر الجمعة السماني لوال يركب دراجته و يحمل كيس به فواكه و يتحرك نحو السلاح الطبي و خرجت انا بعده كي الحق به راجلا و حين وصلت الي كوبري خور ابوعنجه فؤجئت بالسماني لوال عائدا من السلاح الطبي ومعه كيس الفواكه و حين عبرت الي الجانب الاخر من شارع الموردة كان السماني لوال يضع رأسه علي ميزان الدراجة و حين رفع رأسه و نظرت في عينيه التي احتلهما الدمع عرفت ما حدث قبل ان يقول لي السماني و بآسي غريب وممتد
– قرنق دينق بول مات يا يحيي
– متين؟
– الساعة اتنين ظهر
– هو وين هسه؟
– في المشرحة
وحين اسرعنا مستغلين عربة تاكسي الي المشرحة لم نجد قرنق دينق
بول هناك و قيل لنا انه قد تم دفنه.
هكذا في زمن ادعي العدالة الناجزة تم بتر الكف اليمني لقرنق دينق بول و
في الزمن الانتقالي تقذف به مستشفي امدرمان الي الشارع متخلصة من عبئه مضيفة الي جراحه الخاصة , جرحا سرطانيا خلقته باهمالها اياه وبعدها في مرحلة الديمقراطية قيل ان قوانين سبتمبر لا تساوي الحبرالذي كتبت به .
انتقل قرنق دينق بول الي حيث لا حياة و لازلت اسمع صوته من خلال شريط
التسجيل الذي حكي فيه ما حدث له قائلا و هو يشير الي كفه المبتورة
– انا يا هو دي بحس بي اصابع بتاع يد مقطوع ده طوالي بتحرك .

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. اه يا يحي لقد ايقظت جراحاً لم تلتئم فقد حصل اثناء ذهابي الصباحي للمدرسة بحوش العدالة الناجزة بمجلس الخرطوم بحري مشهد لجلد امرأة حامل في شهورها الاخيرة وتحتها مفروش شوال وبعض الجهلاء متسورين السور ليشاهدوا جلد ست العرقي الذي تشربت به عروق النميري حت سال دهنا هي تللك الشريعة الناجزة التي ندفع ثمن رايات عبدالله بن السرح التي دقت علي ابوابنا لليوم وكأن ذلك واحدا من شروط اتفاقية البقط فكثيرا ما يموت قواد المستعمرين تاركين اذناباً لهم خاضعين باستمرارية القهر الفكري والاستعباد

  2. الرد على هاجوج

    كان تسأل أولا هل الشخصيات دي حقيقية يا يحي؟ قبل أن تقول “بقيت تلبخ خلاص يا يحي ،، خيالك وسَّـع”؛ واعتبرت المكتوب أعلاه من تداعيات يحي؛ بالفعل ليحي تداعيات تنقل الواقع بسحرية جميلة حتى أن أحد الرجال اعتقد أن يحي يقصده فذهب إلى مقر الجريدة ليطعنه، ولكن ربك ستر؛
    نجئ لأخينا هاجوج هذه ليست تداعيات وإنما تُسَمَّى “شهادة” هذه شهادة يحي التاريخية لما سميت بالعدالة الناجزة عقب قوانين الشريعة التي أعلنت في سبتمبر عام 83؛ وهي شهادة لأن كل الشخصيات فيها معينة بالاسم الفعلي، والقاضي، وتاريخ الشهادة كله معلن ؛؛ مما يؤدي أن يُحاكم يحي لو كانت تلك الشخصيات لم تقم بما قاله يحي؛ فأنت لا تميز بين ما هو سرد وما هو “شهادة” وللتحقيق تُسَمَّى شهادة عِيان. . .
    ولكن في نفس هاجوج [ حاجــــــة ] ليحولها إلى خيال ؛ حتى يوهم الذين وُلِدوا بعد الديمقراطية 85-89 أن هذه الفظاعة لم تحصل. . . لذلك استعمل الفعل البليد “تلبخ”.

    هاجوج مسكين عقل لأن لو أراد أن يوهم من وُلِدوا بعد هذه السوءات العظيمة بقيادة الترابي فهي حتى الآن يشاهدها من ولدوا بعد العدالة الناجزة؛ من وُلدوا في عام 89، فالواقع مازال يعرض أكثر وأفظع من ما فعلته العدالة الناجزة لماذا يا مسكين؟ لأن منذ 83 وحتى 2013 هي الشريعة البتراء من مصدر الترابي. . .فأنتَ مُغَرَّر بك ولا تعلم ما تقول وما تسخر به. اِصـْحَ. قبل أن تصاب بدموع كمال عبد اللطيف المخجلة لأي رجل ناهيك أن يكتشف الشعب أن حكامه مثل هؤلاء.

  3. لقد ادميت الفؤاد

    لقد ظلموا لمجرد انهم من منطقة جغرافية معينة
    لذلك فضلوا الإبتعاد عنا
    رحلوا بجراحاتهم
    لكي يعيش ابناءهم في عزة
    دون ظلم يلحق بهم لمجرد انهم من تلك المناطق
    لمجرد ان سحنتهم تختلف عنا
    رحم الله قرنق دينق
    و التجلى و الإحترام لك استاذي يحي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..