“تيكا” سلاح أنقرة للتموقع من جديد في السودان
هدايا تركية مسمومة يحوّلها مناصرو البشير إلى ألغام تهدد استقرار السودان

الخرطوم – دبت الحياة في دبلوماسية المساعدات الإنسانية في أنقرة، واستخدمت جائحة كورونا لتواصل نشاطها في السودان عبر الوكالة التركية للتعاون والتنسيق “تيكا” التي أصبحت واحدة من أدوات السياسة الخارجية التركية.
وتستثمر تركيا في أنشطة “تكيا” بضخ أموال كبيرة، بوصفها تؤدي إلى تحقيق الغايات بطريقة ناعمة، ونجحت من خلال هذا التوجه في أفريقيا عموما، حتى وصل عدد مكاتب “تيكا” إلى حوالي 30 مكتبا، تنتشر في شمال وجنوب وشرق القارة.
وتتعامل تركيا مع المساعدات المقدمة إلى السودان أخيرا على أنها الوسيلة الناجعة لاستعادة نفوذها الذي فقدت جزءا كبيرا منه عقب الإطاحة بنظام عمر حسن البشير، وأظهرت انفتاحاً متعمدا على السلطة الانتقالية في الخرطوم لتأسيس علاقات تمكنها من صرف النظر عن توجيه مساعداتها نحو عناصر تنظيم الإخوان ممن يبحثون عن دور حيوي لهم.
وسلطت وسائل إعلام تركية الضوء، الثلاثاء الماضي، على دور مركز التدريب في السودان والتابع لـ”تيكا” التي تعمل تحت غطاء وزارة الثقافة والسياحة التركية، وما يقدمه المركز من دعم للخرطوم، مثل إنتاج أقنعة طبية واقية للوجه لتوزيعها على الكوادر الطبية السودانية، وأوحت أن المركز هو النافذة الذي تبعد رياح كورونا عن السودان.
وتحاول أنقرة تبييض وجهها وإبعاد الشبهات عنها مع كشف وقائع فساد عديدة في السودان، تورطت فيها جهات وشخصيات محسوبة عليها، وتسعى إلى التأكيد على نفي علاقتها بأحداث عنف طالت السودان، خاصة محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها عبدالله حمدوك رئيس الحكومة، وجاءت بعد نحو شهر من إعلان الخرطوم ضبط خلية سرّية تابعة لتنظيم الإخوان دخلت البلاد بجوازات سفر تركية، وخططت لتنفيذ عمليات إرهابية في الخرطوم.
وترى أنقرة أن لديها الحظوظ الكافية لحصد مزيد من المكاسب في السودان، والاستفادة من نهج السياسة الخارجية الذي تتبناه الخرطوم والذي يقوم على الانفتاح على الجميع دون أن تضع حداً لعلاقاتها مع الأنظمة التي تستهدف إثارة القلاقل والفوضى، بينها النظام التركي الذي زاد نشاط سفيره في الخرطوم عرفان نذير أوغلو، ولم يلق اعتراضا من الجهات الرسمية هناك.
السفير الغامض

تتعامل تركيا مع الترحيب الذي يلقاه سفيرها في الخرطوم على أنه ضوء أخضر لعدم التوقف عن تقديم المساعدات التي تقدمها “تيكا”، وفهمت عدم الحسم مع أنقرة إشارة بأن هناك إمكانية لتطوير العلاقات وليس انحسارها وربطها بالنظام السابق، الأمر الذي منح تركيا تصميما على استمرار تصوراتها وتصرفاتها بقدر جيد من الحركة السياسية والاقتصادية.
والتقى مدني عباس مدني، وزير التجارة والصناعة السوداني، بالسفير التركي في الخرطوم في فبراير الماضي، وأكد الأخير أن بلاده مستعدة لتقديم المساعدات اللازمة لدفع الاقتصاد وتنمية قدراته في مختلف المجالات، بعد ذلك التقى أوغلو برئيس حركة الإصلاح (إسلامية) غازي صلاح الدين العتباني، ما أثار تساؤلات حول الدور المزدوج الذي تلعبه أنقرة في السودان.
وثمّن عرفان أوغلو، دور بلاده في مساندة سكان بعض المناطق التي تعاني شحا في المياه من خلال حفر الآبار التي توفر للأهالي المياه النقية، وخص من أسماهم بـ”فاعلي الخير الأتراك” في منطقة الفاشر بدارفور بالذكر، حيث افتتحوا بئر ماء لتوفير المياه لسكان المنطقة، وتكرر المشهد في منطقة نيالا بإقليم دارفور، وبحسب السفير التركي، بات بإمكان الآلاف من الأشخاص الحصول على المياه النقية.
ولا تبدي الحكومة السودانية اعتراضها كثيرا على الأنشطة الإنسانية التركية في ظل انهيار النظام الصحي وندرة المياه النقية، لكن من دون أن يتحول الأمر إلى تطور إيجابي لافت في العلاقات السياسية، فلدى السلطة الانتقالية حسابات عديدة قبل الإقدام على خطوة الانخراط في تعاون وثيق مع نظام رجب طيب أردوغان. وتستهدف المساعدات التي تقدمها أنقرة عن طريق “تيكا” دعم أذرعها في البلاد، خاصة من المتواجدين بكثافة في دارفور، ويبرهن التركيز على هذا الإقليم على أن هناك أبعادا سياسية في مناطق النزاعات التي تشهد تدخلات تركية وقطرية مشبوهة.
ويثبت إعلان “تيكا” مؤخرا إنتاج أقنعة وإرسالها إلى العاملين في المستشفى التركي السوداني للأبحاث والتعليم بمدينة نيالا هذا المعنى، ويؤكد أن سلاح المساعدات يتم توسيع نطاقه لتحقيق أهداف سياسية لم تعد خافية.
وتحاول أنقرة الوصول إلى عناصر التنظيمات الإسلامية المتمركزة في السودان، والإيحاء بأن الدعم الذي تقدمه منذ فترة لازال مستمراً ولم يتراجع، ويظهر ذلك من خلال زيادة تحركات فلول البشير ضد الحكومة الانتقالية لإحراجها ووضع العراقيل أمامها وتفشيل مهمتها في مواجهة كورونا، كي تضطر للتعاون مع أنقرة، ولا تنشغل بعملية تصفية أذناب البشير.
وتلجأ تركيا إلى سلاح المساعدات التي تقدمها “تيكا” بطرق مختلفة لتكون قريبة من صدارة المشهد حتى لو كان ذلك بشكل ضئيل، لكنها تتداخل مع الدور الذي تقدمه جمعيات قطرية تتواجد بكثافة في دارفور التي تعد نقطة انطلاق نحو تنظيمات متشددة تعيش في الهامش والأطراف.
سياسة مزدوجة

ذهب البعض من المراقبين للتأكيد على أن أنقرة تستخدم سياسة مزدوجة في علاقتها مع السلطة الانتقالية في الخرطوم، حيث تظهر كأنها تعمل لتقديم المساعدات عبر “تيكا” في مجالات عدة على رأسها التعليم والصحة، وتريد في الوقت ذاته تسهيلات تمكنها من دفع مشروعها الساعي لتوظيف السودان كنقطة انطلاق لها نحو العمق الأفريقي والبحر الأحمر.
من هنا يمكن فهم الدور السياسي الذي تلعبه “تيكا” في شكل إنساني وإغاثي، وتفسير اقترابها من المجتمع التحتي الذي يؤثر على الأمن والاستقرار في البلاد، كما أن تغلغها يساعدها على تحريك القواعد الإسلامية لمضايقة السلطة الانتقالية وشغلها بترتيب أمورها بعيدا عن استهداف تركيا وأذرعها التي تعمل وفقا للخطط التي وضعتها “تيكا”.
وتتحفظ الحكومة الانتقالية على الأدوار التركية الملتوية، ولم تستطع حتى الآن اتخاذ إجراءات صارمة لتقويضها تماما، مع أنها تأتي بنتائج تضر بالأمن القومي للبلاد، بل تحاول التعامل مع أنقرة بطريقة براغماتية لتحقيق مصالحها، وهي مدركة أنها تسعى للقبض على زمام الأمور وتحريكها بما يدعم حلفائها من الإسلامويين، وتتعمد ألا يكون ذلك باستخدام أدوات مباشرة، لكن من خلال الأساليب التي تنتهجها “تيكا” في توزيع المساعدات بصورة لا تخلو من انتقائية.
وقال الباحث السياسي السوداني، عبدالمنعم أبوإدريس، إن نشاط “تيكا” لا ينفصل عن توجه الحكومة التركية التابعة لها التي تحاول أن تُظهر وجهها الإنساني بعيداً عن التباينات السياسية مع الحكومة الانتقالية، في محاولة لاستمرار حضورها القوي بإقليم دارفور، لأن الوكالة أصبحت أحد أهم أدواتها في الإقليم المضطرب.
وأوضح في تصريح لـ”العرب”، أن الاتفاقات التي وقعها الرئيس التركي مع البشير قبل رحيله عن السلطة تضمنت منح أدوار أكبر للوكالة التركية في المجالات الإغاثية بالتعاون مع الوكالات السودانية العاملة في هذا المجال، وتحاول أنقرة تفعيلها عبر مشروعات مختلفة تعلن عنها من وقت لآخر، حتى تتجنب حدوث جمود لا إرادي في العلاقات.
أنقرة تعتقد أن حظوظها وافرة لحصد مكاسب في السودان عبر الاستفادة من نهج السياسة الخارجية السودانية المنفتح
تركز “تيكا” على إبراز دور تركيا كداعم للشعب السوداني، وتتجاهل إثارة ملف استقبال العديد من العناصر الإسلامية والمحسوبة على نظام البشير في إسطنبول، بالتالي التغطية على الدور الخفي الذي تلعبه لتغيير المزاج العام الداعم للحكومة الانتقالية، بعد أن استضافت تركيا قناة “طيبة” المملوكة للإخواني عبدالحي يوسف، وقررت استمرار بثها من تركيا، عقب قيام السلطات السودانية بوقف بثها من الخرطوم وتحفظت على مقراتها وأموالها.
وأكد الخبير السوداني في شؤون الأمن القومي، الرشيد محمد، أن الخطورة تكمن في تعامل تركيا مع “تيكا” باعتبارها إحدى أدوات القوة الناعمة التي تعتمد عليها في القارة الأفريقية، وليس كجهة مساعدات وكفى، فالوكالة تستهدف إيجاد بيئة خصبة لإقامة نواة لإمارات إسلامية في السودان أو الصومال أو غيرهما، عبر استقطاب المواطنين الذين يعانون من أوضاع صعبة والتفاعل معهم بشكل دوري بغطاء توزيع المساعدات على الفقراء وتدشين مشروعات خيرية.
وكشف لـ”العرب”، أن تركيا استطاعت أن تحصل على جملة من المكاسب السياسية جراء تلك المشروعات، مكنتها من إقامة علاقات قوية مع دوائر اقتصادية نافذة رأت في الهيئات التركية والقطرية وسيلة للتخفيف عنها في مناطق النزاعات.
ويؤدي تجاهل السلطة الانتقالية السودانية للأنشطة المشبوهة التي تقوم بها “تيكا” إلى تغولها في البلاد، وتحولها إلى عنصر ضغط قوي يصعب مقاومته لاحقا، مع تراكم الأزمات التي يعاني منها السودان، وتصاعد الاستنفار في صفوف فلول البشير الذين يعتبرون تركيا الوكيل الإسلامي، وتدفعهم إلى الصمود عبر ضخ المزيد من المساعدات السياسية والاقتصادية.
العرب
يجب ان يكون تعاملنا مع الجميع هو مصلحة السودان حتي ان كنا نبغض الاخر و ان لا نرد المساعدة من الاخرين لاي سبب كان. السودان بلد منهار اقتصاديا لهذا لا يملك خيار ان يختار المساعدة و المساعد و علي رائ المثل الغربي الشحاد لا يتشرط
مصلحة السودان فوق الجميع
يجب أن يصحي المسؤولين لأن الشعب ليس كالسابق والله العظيم اي تفريط في حق الوطن ناكلكم حيين
تيكا ليست بالخطورة التي تسببها بعثة الري المصري في السودان التي يمكن هدفها في حرمان السودان من حقوقة القانونية في مياة النيل بالسعي الي تخريب شبكة الري فى مشروع الجزيرة وتمويل الإحتجات ضد قيام السدود ثم حرمان السودان. من أن يستفيد من السدود القائمة بشق قنوات الري ويبدو ان الدولة العميلة اصبحت واقعا يجب التخلص منه