مقالات وآراء سياسية

بين كتشنر والبشير

دفع الله حماد حسين

تقول المصادر التاريخية أن الآلة الحربية البريطانية بقيادة الجنرال كتشنر عام 1888 قد حصدت في موقعة كرري مايقارب عشرة الف مقاتل ويقول المخلوع البشير ان ما تم قتلهم في دارفور يبلغ عشرة الف مواطن وإن كانت تقديرات المنظمات  الأممية تشير الى ارقام تقترب من الثلاثمائة الف مواطن . وحسب ما جاء في إفادة الرئيس المخلوع يتطابق رقم ما حصدته آلة الإنقاذ مع ما حصدته الآلة الغازية التي جاءت لإسترجاع السودان والثأر لمقتل جورج شارلس غردون الذي لقي حتفه على أيدي الثوار عند سقوط الخرطوم في 26 يناير 1885 والذي يعتبره الإنجليز بطلا قوميا وقد حاولوا بشتى الوسائل  والطرق إنقاذه ولكن خاب سعيهم وباءت محاولاتهم بالفشل وعندما وصلت حملة الإنقاذ كان الأمر قد إنتهى وعادت تجرجر أذيال الخيبة وتستعد لمعركة تستعيد فيها هيبة الإمبراطورية التي لاتغرب عنها الشمس وتثأر لمقتل بطلها القومي .

وبعد ثلاثة عشر عاما من موت غردون , تم تكليف الجنرال كتشنر بالقيام بمهمة إسترجاع السودان والثأرلمقتل الجنرال غردون باشا وبدأ كتشنر في التقدم نحو أم درمان تسنده آلة حربية ضخمة وخطوط امداد عبر السكك الحديدية التي عجزت طلائع الأنصار عن فك ذلك اللغز الذي يمتطي ما يشبه  – ظهور التيران وتخرج منه الجنود كالجراد – وعندما تذكر طلائع جيش المهدية بأن الجيش الغازي يستخدم وابورات البحر التي تمخر رمال الصحراء يرد الخليفة مندهشا من وابورات البحر التي تسير في الأرض.( ككيف وابور بحر يمشي في الواطة !! ). فقد كانت دولة الخليفة عبد الله معزولة عما يجري حولها بينما كان جواسيس الأعداء يعدون انفاسها خاصة بعد ان تكرر هروب الأسرى الأوربيين وعلى رأسهم سلاطين باشا حاكم دارفور السابق والذي اسلم –تقية – على ايدي الخليفة عبدالله واصبح يحمل اسم عبد القادروالذي عاد مع حملة كتشنر وكتب كتاب السيف والنار

Fire and Sward .)

صاحب ذلك الجيش الغازي مراسل حربي واصبح فيما بعد من اشهر رؤساء بريطانيا وهو ونستون تشيرشل وكتب كتاب حرب النهر The River War . ولنرى بماذا وصف ونستون تشرشل جيوش المهدية في ذلك الوقت ( لم نهزمهم ولكن قتلناهم بقوة السلاح والنار , كلما تساقطت جثث قتلاهم كانوا يجمعون صفوفهم ويتقدمون للأمام بشجاعة فائقة – اليس هذا ما كان يفعله شباب ثوار سبتمر من النساء والرجال  مع غياب عنصر النساء في كرري ؟. ألم نرى الفتاة رفقة تتقدم لإرجاع مقذوفة المسيل للدموع أكثر من مرة والتي بترت ايدي وفقأت اعين  العديد من الشباب الذين وصمهم المخلوع بالخونة والعملاء والمرتزقة.

ومضى ونستون تشرشل في وصف جيش المهدية وهو يتصدى للغزاة ( إنهم اشجع رجال مشوا على وجه الأرض Yet these were as brave men as ever walked on earth  ) والفضل ما شهدت به الأعداء.

ولنعد لنستمع ما قاله البشير في وصف ثوار دارفور ” لا اريد جريحا أو اسيرا , إنهم لصوص اقتلوهم جميعا”

وبعد ان تمت إزاحة المخلوع تتكشف لنا قائمة اللصوص فهل نقتلهم جميعا كما قال ؟.

في عهد الديمقراطية الثانية وعندما حدثت مناوشات حدودية بين السودان وتشاد في عهد الرئيس التشادي / تمبل باي , كان وزير الداخلية المرحوم الأمير عبد الله عبد الرحمن نقد الله وقد ذهب يتفقد الحدود السودانية التشادية . قال له المواطنون ” ها وزير ده إنت جاي من هناك علشان تمبل هوان ده, خليه نحن بي حرابنا نقضيه – ايها الوزير أنت آت من هناك بشأن / تمبل باي الوضيع هذا! دعه لنا سنقضي عليه بحرابنا ”

كيف تحول حماة الثغور في العهد الديمقراطي إلي لصوص في العهد الدكتاتوري ؟ مابين ليلة وضحاها تحول حماة الثغور الى لصوص يجب قتلهم بدلا من تطبيق الشريعة ببتر الأيدي . من كان يذود بسلاحه الابيض عن التراب كيف يتحول الى لص ؟ من لم تكتحل عيناه بمعانقة ناطحات السحاب في ماليزيا ودبي واسطنبول وغيرها من عواصم العالم التي هاجرت اليها اموال الشعب السوداني بدلا من ان تتحول الى خدمات في الصحة والتعليم والبنية التحتية, يتم اتهامه باللصوصية وحتى عندما يقع في الأسر في معارك غير متكافئة يطلب المخلوع, رئس الدولة انذاك بقتله دون مراعاة للقوانين الإنسانية والدينية التي يدعي انه جاء من اجلها .

 

دفع الله حماد حسين

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..