عن الشيشة

عن الشيشة
فيصل محمد صالح

فرغ السيد والي الخرطوم من كل مهامه وواجباته وتفرغ للشيشة، فقرر منعها في ولاية الخرطوم.

أكمل السيد الوالي حفر وصيانة المجاري استعداداً للخريف المقبل، وانتشرت فرق مكافحة الملاريا لتجفيف البحيرات والبرك وسط أحياء العاصمة. وامتدت يد السيد الوالي المباركة للحدائق العامة والمتنزهات فزاد منها، وأعاد حدائق السلام المغتصبة لطاعة الجماهير الفقيرة وفتح أبوابها بالمجان لهم ليتجمعوا ويفطروا عليها يومياً في رمضان كما كانوا يفعلون.

ونشط الوالي في بسط الطرق وإصلاحها، وكلف فرقاً بمتابعة الحفر التابعة للولاية لدفنها وتغطيتها ومواساتها ببقية الشارع.

عندما فرغ الوالي من كل ذلك التفت لسحب الدخان التي تلوث الجو، فقرر إيقاف الشيشة ومنعها في المحلات العامة بولاية الخرطوم، لماذا؟ لا أعلم، ولكن أكاد أوقن أن القرار استجابة لطلبات المشايخ الذين صاروا يقررون سياسة الدولة ويستصدرون قرارات بمنع الحفلات والنشاطات العامة متى شاءت مقاماتهم السامية.

لن يستطيع احد أن يدافع عن الشيشة من ناحية اجتماعية أو صحية، فعندما يقول الأطباء المتخصصون إنها ضارة بالصحة العامة نصدقهم، ولكن هل هذا هو السبب الوحيد؟ ألا يقول الأطباء كثيراً من الأشياء فلا تطاوعهم الحكومة أو الولاية؟ نفس هؤلاء الأطباء يقولون إن السجاير ضار بالصحة، ولديهم الدلائل العلمية والطبية على ذلك، وكذلك التمباك الذي تنتشر محلاته في طول البلاد وعرضها، فهل سيقوم السيد الوالي بمنعها؟

كما أن هناك ملاحظات مقبولة حول ظاهرة تكاثر محلات الشيشة في الأحياء، وبما يمكن أن تعد تشجيعاً للشباب على التبطل وقضاء الوقت في المقاهي، ولكن هذين السببين، الصحي والاجتماعي، يدعوان لاتخاذ تدابير مختلفة لا تصل لمنع التداول.

النقطة الأساسية هنا هي أن التقليد العام في الدنيا الآن هو تقليل تدخل الدولة القسري في حياة الأفراد، ومنحهم حرية التحرك في الحدود العامة التي يتفق عليها المجتمع، والاتجاه نحو التوعية والتثقيف ومنح الناس خيارات أفضل، ثم عليهم أن يتخذوا القرار الصحيح، وكذلك تقليل الأضرار بقدر الإمكان دون الاضطرار لاتخاذ موقف قد يجلب أضراراً أكبر.

من الممكن مثلاً حصر الترخيص في مناطق معينة تتطلب شروطاً محددة، وتحديد عدد الأماكن، وإبعادها من قلب الأحياء السكنية، والطلب أن تكون أماكن مفتوحة مثلا، دون اللجوء لسياسة المنع التي قد تجلب مساوئ أكثر. لن تختفي الشيشة، لكنها قد تتحول لممارسة سرية في أماكن مقفولة، وبعدها لا يضمن أحد ماذا تقدم هذه الأماكن من خدمات ومن مشروبات وأشياء أخرى يتعاطاها الشباب.

قد يخضع الوالي لضغوط المشايخ اليوم، ثم ستأتي مطالبهم التالية غداً وبعد غد، حتى يجد نفسه رهينة في أيديهم، وحتى يصبحوا هم أصحاب القرار ومتخذوه، وليس الأجهزة التي من المفترض أن تدرس وتبحث وتتحسب قبل اتخاذ القرار.

هذا قرار خاطئ في توقيت خاطئ لأسباب خاطئة، وهو في نفس الوقت عمل انصرافي عن الواجبات الضرورية الملحة للسيد الوالي وحكومته، لكنهم تركوا كل شيء ليتشطروا على الشيشة عملاً بالمثل القائل، وهو بالمناسبة من ابتداعي ” إن غلبتك المطرة اتشطر على الشيشة”!

الأخبار

تعليق واحد

  1. الدكاترة ديل ذاتم موش قالوا ختان االإناث مضر بدنياًُ ونفسياً باللصحة ما سمعوا كلامم ليي ولغوا قانون تجريم الختان.

  2. هذا قرار خاطئ في توقيت خاطئ لأسباب خاطئة،

    يا حبيبنا هو ياتو قرار عندنا ما خاطىء ؟ ديل ناس بيجيبوا الخطأ اولاً بعدين يركبوا فيه القرار ,, غايتو لاحول ولاقوة الا بالله

  3. أجلس الان ياسيدى وبصحبتى عشرة من أصدقائى نتعاطى الشيشه فى منزل أحد أصدقائنا ,, وقد كنا قبل اليوم نجتمع حول نفس الشيشه فى أمكنة عامه مختلفه ,, يلفنا الاستقرار وعدم التفكير الافى هموم الدنيا التى لاتفارقنا الا فى جلساتناهذه ,, لقد قام الوالى بالتعدى على جملة حقوقنا فى التسامر والتناسى لكل ما سببته وتسببه حكومته والذين سبقوه .. وكما أسلف أحدهم قولا (هل انتهى البشير والوالى من كل المشاكل المحيطه بهم ورأو ان الشيشه تعنى كمال حكمهم ورشاد أرائهم (والتى اكتشفنا مؤخرا انها ليست ارائهم) ..
    قام ولى الامر بالتجنى على حرياتنا بحماقة ودون تفكر ,,,
    سنمضى غدا (أنا وأصدقائى) لننشد أنسا ومتنفسا فى غير المقاهى ,, سنذهب الىماهو أبعد من المقاهى ,, وسنفكر فى ماهو أكثر من ( الونسه ),,
    التداعيات والاثار والعواقب مستمره وسوف لن تتوقف ,,

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..