زي ما بتخافي من الرياح.. بنخاف نحن الضياع

حديث المدينة

سألت أحد المهندسين العاملين في حقول هجليج.. كيف أمكن إجلاء جميع العاملين وما أكثرهم من المواقع دون أية خسائر مهما كانت طفيفة.. قال لي: الفضل في ذلك يرجع لوجود خطط مسبقة لمثل هذه الأحوال.. فحتى لو لم تحدث حرب فقد تتعرض مثل هذه المواقع الحساسة لطوارئ تستوجب إنجاز عملية إخلاء فوري وعاجلة لجميع العاملين..

وفي المطارات الحديثة تجري تجارب إخلاء طارئة.. تدبير حوادث افتراضية يدرب فيها العاملون على إنجاز عمليات الإخلاء والتعامل مع الطوارئ بمنتهى الكفاءة وفي أقصر وقت ممكن. ولو زرتم أجمل تحفة معمارية في الخرطوم.. برج كورنيثا (برج الفاتح سابقاً) .. وبالتحديد المنطقة الجنوبية منه في مواقف السيارات المتعددة الطوابق.. ربما يلفت نظركم لافتات مكتوب عليها (نقطة تجمع) وعليها رقم مسلسل لكل نقطة..

وهي نقاط تفترض أنه في حالة الحوادث الكبيرة يجب على جميع الموجودين داخل أسوار البرج التجمع فيها لتسهيل عمليات الإخلاء. لا أحد عاقل ينتظر الكارثة ثم يبدأ التعامل معها من نقطة الصفر.. والكارثة لا أقصد بها حرباً أو حوادث مرورية كبيرة.. بل قد تكون مجرد اختناقات مرورية (مثل التي حدثت قبل يومين من عيد الأضحى قبل عدة سنوات نتيجة تغيير اتجاهات الشوارع الرئيسية). أو قد تكون نتيجة حوادث بسبب تنافس رياضي مثل ما حدث في مباراة مصر والجزائر في أمدرمان. كلها (كوارث) تختلف فقط درجة (الكارثية) حسب الحدث وخسائره.. ألم يحن الوقت لاستحداث آلية جديدة.. تحت اسم (آلية إدارة الأزمة) مهمتها وضع السيناريوهات المناسبة للتعامل مع الطوارئ القومية.. مثلما هو الوضع الكائن الآن.

مثل هذه الآلية ستوفر وقتاً ثميناً وجهداً و(خسائر) كبيرة عندما تختصر الزمن المطلوب للتعامل مع أي طارئ.. وتوفر المعالجات المناسبة لكل كارثة.. هذه الآلية ليست ترفاً ولا مجرد تنظير.. وقد يراها البعض مثل وضع (طفاية الحريق) في السيارة الخاصة.. مجرد عمل متوهم لا طائل فكم سيارة تعرضت للحريق منذ خلق الله السودان والسيارات فيه.

لكن الأجدر دائماً أن ندرك أن الكوارث لا تقع كل يوم.. ولا كل سنة. لكنها حينما تقع قد تجر وراءها تسونامي كوارث بسبب المعالجات الخاطئة..

وأذكر (زمان) في الماضي في إحدى المصالح الحكومية النادرة التي كانت تستخدم الكمبيوتر في أعمالها. تعرض الكمبيوتر العملاق لحريق واستدعيت المطافئ، فوصل الجنود الأشاوس فأخرجوا خراطيم المياه وأمطروا الكمبيوتر بوابل من المياه.. وعندما انتهت الأزمة كان التقرير الهندسي يؤكد أن الكمبيوتر تلف تماماً بسبب المياه وليس بسبب الحريق.. أفراد المطافئ لا ذنب لهم. فهذا ما تدربوا عليه (قلنا زمان.. حتى لا تتكبد إدارة الدفاع المدني عناء فتح بلاغ في نيابة الصحافة). نحن في حاجة ماسة لآلية قومية لإدارة الأزمة..!!

التيار