مقالات سياسية

السودان..عندما تخذل القوات المسلحة شعبها

عائشة المري

السودان بلد عظيم، جمع كل خيرات الأرض، ولديه شعب يمتلك كل مفاتيح العمل والمعرفة والحكمة، استقل رسمياً في الأول من يناير عام 1956 بعد حراك شعبي ومجتمعي. ولكن مع الأسف ابتلي السودان بقادة عسكريين سلموا بلادهم وشعبهم لتنظيم دولي إرهابي، قاد بلادهم إلى حرب حصدت أرواح المدنيين، وإلى دمار عمّ كل إرجاء البلاد.
لم ينعم السودان باستقلاله كثيراً، وانتهى الأمر بعد عامين من الاستقلال بانقلاب عسكري والإطاحة بالحكومة المدنية في العام 1958. وقادت القوات المسلحة السودانية البلاد وفق نظرية خطيرة رسمت المشهد السياسي والاقتصادي والتنموي منذ ذلك التاريخ، فقد أدركت التحدي الخطير الذي يواجهها أمام تطلعات الشعب للتنمية وشغف السودانيين بالعمل والاقتصاد، فسعت إلى فرض سياسات خطيرة عطلت عجلة الاقتصاد والتنمية، وقتلت الروح والطموح لدى أجيال ممتدة من الشعب السوداني، وانتهت بإفشال منظومة العمل والتعليم والمعرفة، وبتردي كل مظاهر وأنشطة الاقتصاد والتنمية والنهضة بالبلاد.
استعاد الشعب السوداني دولته من الانقلاب العسكري عام 1964 بعد ثورة شعبية أطاحت بحكم العسكر، وعاد المدنيون للحكم في العام 1965، لكن لم يكتب لها الاستقرار نتيجة تدخلات القوات المسلحة ومحاولاتها لبسط نفوذها على المشهد السياسي بالبلاد والسيطرة على مقدرات السودان وموارده وقدراته.
استغلت القوات المسلحة السودانية هذا الوضع، لتقود البلاد إلى انقلاب آخر أطاح بالحكومة المدنية عام 1969، وقاد البلاد طوال 16 عاماً كانت مليئة بالانقلابات والتجاذبات والتحالفات مع الأحزاب السياسية التي كان لها النفوذ الأوسع في الساحة، وانتهت هذه المرحلة بثورة شعبية استجاب لها وزير الدفاع المشير عبدالرحمن سوار الذهب الذي أطاح بحكم الجيش وقاد فترة انتقالية لمدة عام، سلم بعدها السلطة إلى حكومة مدنية، لم تستطع الصمود إلا ثلاثة أعوام كان التجاذب وعدم الاستقرار عنوانها الرئيسي، ومهدت الطريق إلى سيطرة «الجبهة الإسلامية» على المشهد السياسي والعسكري والاقتصادي والتنموي للسودان، وتعزيز سيطرتها ونفوذها وتنظيمها على الدولة، وقادت انقلاباً عسكرياً للسيطرة على الدولة في 30 يونيو 1989، ولتستمر في رسم وقيادة المشهد السياسي للسودان طوال أكثر من 30 عاماً، وكان الرئيس المخلوع عمر حسن البشير عنوانها الأبرز وقائدها الأعلى، حيث ازدهر النشاط السياسي للإخوان، حتى أصبحوا القوة الحزبية الرئيسية بالدولة، وانفردوا بحكم السودان، رغم الانقسامات الكثيرة التي صاحبت سيطرتهم، واضطروا إلى إعادة ترتيب تنظيماتهم من «جبهة الميثاق الإسلامية» إلى «الجبهة الإسلامية القومية»، ثم إلى حزب «المؤتمر الوطني» الذي شهد انقساماً أدى إلى ظهور حزب «المؤتمر الشعبي»  ومن ثم أطاح الشعب السوداني عام 2019 بحزب «المؤتمر الوطني»، لتنهي بذلك ثلاثة عقود، هي الأصعب على السودانيين والدولة السودانية، حيث الإبادة في دارفور، 3 ملايين قتيل أغلبهم في الجنوب، وملايين اللاجئين والمشردين، وخسارة ربع مساحة السودان وأكثر من نصف ثرواته الطبيعية وثلثي إنتاجه النفطي، ليصبح السودان بعدها من بين أكثر الدول فشلاً وتراجعاً على كافة المستويات.لم تستجب القوات المسلحة السودانية لمطالب الشعب السوداني واستحقاقاته هذه المرة، بل انقلبت على الحكومة المدنية الوليدة التي شكلت تحت ولايته أساساً، فأطاحت بها في أكتوبر 2021، وأعادت سيطرتها على كل مقدرات الدولة، قبل أن ينتهي إلى إعلان الحرب على شريكها العسكري في السلطة، وتقود السودان إلى أسوأ كارثة إنسانية بحسب تصنيف الأمم المتحدة، حيث سقط عشرات الآلاف من القتلى وأضعافهم من المصابين، وتدمير كل مقدرات ومقومات البلاد ومنشآتها، وأكثر من 8 ملايين مشرد وضعفهم من اللاجئين، والقضاء على كل فرص التنمية والتحضر الإنساني والاقتصادي والعمراني.
وبعد، هل تتحمل الأمم المتحدة مسئوليتها وتقود جهداً دولياً يفضي لإنهاء سيطرة القوات المسلحة السودانية على السلطة بالسودان، وتعيد البلاد إلى شعبها في ظل حكومة مدنية تحقق للسودانيين الازدهار والتنمية.

*كاتبة إماراتية

‫2 تعليقات

  1. صدقت والله يا ابنتي . اعتبر مقالك هذا تحليلا صادقا للمشاكل التي يعاني منها السودان والتي يرفض العقل الرعوي والتغبيش الفكري اللذان يتسم بهما جل الشعب السوداني التسليم بها . فمعظم المحللون المحليون يرون أن الاشكال يكمن في ابعاد الاسلامويين عن الجيش ، ويذا تكون مشاكل السودان قد حلت . وهذا هو نوع التفكير الذي اورد السودان موارد التهلكه منذ فجر استقلاله ، والسبب في ذلك ان ذلك النوع من التحليل ينظر الى قمة التلة ولا يرى ما تحت تلك القمة من ركام ، فمشاكل السودان تكمن في الدائرة الخبيثة التي تتمثل في 1- وجود الاسلامويين في المشهد السياسي 2- تغلغل الاسلامويين في الجيش (وهذا أمر يختلف عن النقطة الأولي) 3- الوضع الحالي للجيش (حتى لو تم ابعاد الاسلامويين عنه) ، ويعتبر هذا الوضع مصدر خطر وتهديد لأي دولة لان مهمة الجيش في الأساس هي حراسة الحدود ضد أي عدوان خارجي (أطلق عليهم اسم عسكر لأنهم يعسكرون) . وأنا – كاتب هذا التعقيب – قد شاهدت خلال فترة دراستي ببريطانيا أن العسكر يمنعون من دخول المدن ولا يدخلونها الا بتصريح خاص لأن مهامهم الأساسية تكمن في حراسة الحدود وترك المهام المتعلقة بحراسة المدن للشرطة والأمن ، وكذلك ترك الامور المتعلقة بقرارات الدولة وسياساتها لأصحاب الرأي والعقل لأنه ليس من مهام العسكر التفكير والتحليل . لكن معظم عسكر السودان – وجل العسكر بشكل عام – يتسمون بقصر لنظر وتناسو السبب الأساسي لوجودهم واصبحوا يتطلعون لحكم البلاد لأنه بامكانهم اسكات أي معارضة بقوة السلاح بدلا من توجيه ذلك السلاح للخارج لصد العدوان على الدولة الأم . وعليه ، فانه ليس من مهام العسكر التفكير والتحليل لأن العسكري الذي يحلل الأوامر عسكري فاشل لأن مهمته هي تنفيذ الأوامر وليس تحليلها . وقد شاهدنا كيف دمر هذا النوع من التفكير من قبل العسكر البلاد ابتداء من عهود كل من عبود والمقبول ، والمجرم جعفر النميري ، والعسكر كوزي الراقص عمر البشير ، وأخيرا المحرم البليد عبدالفتاح البرهان والمجرم السكران ياسر العطا (كاسات) . وقد أدت العقود المتعاقبة لهذه الطغمة الى تدمير السودان ارضا وشعبا . وكما قال استاذنا مرتضى العالي (الله لا كسبكم).
    وعليه فان هذه دعوة للاطاحة بما يسمي بالكلية الحربية التي تتحفنا سنويا بهذا الركام من سقط المتاع وانشاء كلية جديدة مبنية على أسس مهنية ، وبالطبع لن يكون ذلك ممكنا في المستقبل القريب .

  2. أذكر الجميع بأن هذه القوات المشلخة
    أُنشئت عام ١٩٢٥ على أنقاض جيش حقيقي أقام ثورة مسلحة ضد الإنجليز في ١٩٢٤.
    جيش أنشأه الاستعمار من الذين خذلوا الثورة فمُنحوا (براءة الحاكم العام) البريطاني.
    إن جيش تكون من عملاء الاستعمار عبدالله خليل الكنزي وعبدالرحمن الفكي أحمد وأحمد محمد الجعلي وإبراهيم عبود وغيرهم لا يستحق أن يُنسب إلى السودان.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..