قراءة في دفتر التقارب بين الحبيس والرئيس…!!!

لم يكن خيار المفاصلة مع الدكتور حسن الترابي خياراً موفقاً لأهل الحكم في السودان ليس لمكانة الرجل السامقة الرفيعة في نفوس الإسلامين فحسب ولكن لنفوذه الكبير وتأثيره علي المشهد السياسي داخلياً وعلي المهتمين بالشأن السوداني خارجياً فبإقصاء الدكتور الترابي خسر النظام السياسي الإنقاذي رجل من عباقرة السياسة والفكر والدهاء وجوده كان بمثابة ركازة يستندون عليها تجنبهم كثير من المزالق والمنعطفات الخطيرة التي أقعدتهم عاجزين عن فعل شئ يوقف عجلة التدهور والإنحطات ? يومها خرج الرئيس البشير بهذا التصريح (رئيسين غرقوا المركب) تبريراً لإنقلابه علي شيخه وخروجه علي أمر الجماعة فيما عرف بقرارات الرابع من رمضان ? يومها كشف البشير عن إنتماءه لتنظيم الإسلاميين وإلتزامه بكل قرارته . وأن إنقلابه علي الشيخ الترابي ليس إلا تصحيح للمسار وتحمل للمسؤلية وتوحيد للقيادة بذات الأهداف والرؤي.
في شهرنا المعظّم هذا رمضان الكريم تمر الذكرى الخامسة عشر للمفاصلة الشهيرة والتي لولا حِكمت الشيخ الترابي كادت أن تؤدي للإقتتال والتصفيات الشخصية بين الإسلاميين ، وهي مرحلة مهمة في حقبة النظام حيث تحرر فيها من قيد الإزدواجية التي يشكو منها الرئيس البشير ،ولكن من المؤسف حقا أن النظام وقع أسيراً لأمزجة الشلليات في الحزب والدولة ، كما وقع فريسة للإستقطاب الخارجي ترغيباً وترهيباً كانت نتائجه كارثية بكل مقاييس العقل السليم.
إثرهذه الضغوط وقع النظام علي إستقلال الجنوب قبل حسم مسائل مهمة وأساسية وجوهرية مثل ترسيم الحدود وتسديد الديون الخارجية والمناطق الثلاثه والبترول والمياه (ماعرف بالملفات المعلقة) ? وتحت هذه الضغوط فٌرضت السياسات الإقتصادية من قبل الجهات المانحة والتي أدت الي تدهور مريع في الإقتصاد وإنخفاض في سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبيه الآخرى وتوقفت عجلة الإنتاج والتنمية، ولم نعد ننتظر في المنظور القريب عائدا يرجي من مشروع إقتصادي وطني قومي عملاق.
مظاهر تأخر الدولة السودانية وتدحرجها الي الخلف يعترف بها أهل الحكم قبل غيرهم ، وذلك مما دفع الرئيس البشير للتحالف مع الشيخ الترابي مجددا وظهرت ثمرة هذا في الصيحة المدوية للرئيس البشير في خطاب الوثبة الشهير أن يأهل السودان تعالوا الي كلمة سواء توافقاً علي تحول ديمقراطي سلمي وإطلاقاً للحريات العامة دون قيد أو شرط وايقافاً للحرب .
في غضون الإيام السابقة خرجت تصريحات الرئيس تؤكد علي المضئ قدماً في هذا المسار(مسار الوفاق الوطني) بإجراء إنتخابات 2015 م بنزاهه وشفافيه تامه لتكون فيصلاً بين القوى الوطنية المتصارعة علي السلطة بغية الإصلاح، كما أكد علي حسم التمرد نهائيا بنهاية العام.
الرئيس البشير يعتقد بتحالفه الجديد والذي ربما تنضم إليه تحالفات أخري متمثلة في حزبي الإصلاح الان والأمة القومي بمفازة أو منجاة من سطوة الإرادة الجماهيرية المتطلعة للتغيير الحقيقي وهي إرادة فاعلة وغالبة ومنتصرة يستحيل ترضخ أو تساوم مهما كانت قوة النظام وحلفاءه، كما ان الحرب من العسير حسمها عسكريا ما لم ُتزال أسباب إنبعاثها وهي مظالم عادلة مستحقة لأهل تلك البقاع.
إذا واقع الحال لايبشر بالإنفراج للأزمة السودانية ما لم تتغير هذه العقلية السلطوية الغاشمة ، فالنظام الذي يبسط يداً لتدفع نحو التحول المنشود يبطش بالآخرى ، وسلوكه هذا يقتل كل بارقة أمل تشجع المعارضيين علي المشاركة في الحوار أوالإستعداد للإنتخابات القادمة، كما أنه مازال ممسكاً بمفاصل السلطة بصورة تذهد الآخرين في المشاركة في السباق الإنتخابي لأنه يفتقر للتنافس الحر الشريف ،
إن الأحزاب الوطنية والقوي التي من المفترض أن تشارك في العملية الإنتخابية إستعدادتها لاتضاهي إسعداد الحزب الحاكم لا من حيث المقدرة المالية ولا من حيث الفرص المتاحة في أجهزة الاعلام الرسمية والخاصة ولا من حيث سهولة الإتصال بالجماهير وإنها إن راهنت علي شئ فانها تراهن علي عاملين أساسيين أولاً: فشل تجربة الحكم الإنقاذية وثانياً :تولد إرادة شعبية عارمة للتغيير الديمقراطي فالشعب أيقن ان لا خير يأتيه من قبل الأنظمة الشمولية سوى الكبت وإزهاق الأرواح وإرتهان القرار الوطني للخارج .
المؤشرات تدلل علي أن من يعتقد بجدية النظام ورغبته في عملية التغيير وآهم لكن للحلفاء تأثيرهم وبريقهم فالترابي الذي يؤمن بأن الحرية أصيلة في كل الرسالات السماوية والأعراف الإنسانية لا بدّ من أن يكون له دور في الإنتصار للإرادة الشعبية تكفيرا لجرم إغترفته حركة الإسلام السياسي تحت إمرته، وتجديدا لروح المحبة والإيخاء والسلام وتبرئة لجماعة الإسلام السياسي من تهمة تشبسها بالسلطة علي حساب المبادئ، وليتذكر أن السلطان ظلُ زائل وأن للأيام دولتها وان الله يهلك الطغاة الجبارين ويمن علي الذين أستضعفوا ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين .
حتي لا نقول أن أحمد وحاج كليهما وجهان لعملة واحدة هي الشمولية المتدثرة بثوب الإسلام فإنه يتوجب علي هذ الحلف الجديد ان يقدم علي خطوات عملية تبرهن علي صدقهم وتزيل الشك والريبة من نفوس المشفقين علي البلاد والتي تعثر مسيرها في النهوض والإرتقاء ، فعليهم أولا فك حظر النشاط الحزبي وتسريع خطوات الحوار وتكوين حكومة إنتقالية تشرف علي الإنتخابات وتوفر لها الحماية اللازمة من الغش والتزوير والتدليس تحقيقا لقيم النزاهة والشفافية ، علي أن تكون الرقابة الدولية حاضرة وشاهدة علي سلامة الإجراءآت وتوافقها مع المعايير الدولية.
أن الحزب الحاكم ظلّ يدير علاقته بالأخرين مثل اللعوب التي تواعد هذا وذاك لتخلف مواعيدها مع كليهما وتلتقي بآخر ، مما أوصل البلاد إلي هذه الحالة الحرجة من تاريخها المجيد ،فإذا لم يتعظ القوم بطارف التاريح وتالده ويحزموا أمرهم علي المضي قدما نحو تحقيق السلام والإستقرار في ربوع الوطن الحبيب بالإستجابة لصوت العقل والإيفاء بمطلوبات التحول الديمقراطي صدقا لا ينقصه عزم حتي وإن أدي إلي ذهاب السلطة لغيرهم، فإن البلاد ستقبل علي مزيد من التشرزم والحروب وتصبح أكثر عرضة للإستقطاب الدولي من ذي قبل وستظهر تحالفات جديدة تحارب الوطن بضراوة لكن بإرادة الأجنبي الذي يهدف لإستغلال مواردنا وتسخيرها لنهضة بلاده ورفاهية شعبه .
إن الإنتخابات إذا لم تجري في جو معافي سليم محاط بالرضا والقبول من كافة القوي الوطنية فإنها ستزيد من عذلة النظام وستحظي بمقاطعة شعبية كبري كما أن نتائجها ستكون الحافز الأكبر لإنتصار الثورة السودانية التي تنتظم في صفوف الكادحين من أبناء شعبنا الحر أساتذة وطلاب ومثقفون ورجال أعمل ومهنيون وغيرهم منمن تحولت حياتهم لجحيم لا يطاق أشبه بأزمنة الرق والعبودية0.
أحمد بطران عبد القادر
[email][email protected][/email]
* لقد محضتهم النصح لو ينتصحون.