السودان: استفاقة في زمن ضائع..!ا

معاوية يس *

أثار قرار الرئيس السوداني عمر البشير الأسبوع الماضي إلغاء ما يسميه الإسلاميون سياسة التمكين في وظائف الخدمة المدنية، بعد 23 عاماً من إدناء أهل الثقة والولاء، وتقريب منافقي الحركة الإسلامية «النافقة»، وتشريد مئات الآلاف من السودانيين الشرفاء – رجالاً ونساءً – من وظائفهم بداعي ضرورات الصالح العام، وبعد أكثر من عقدين من تفريغ الخدمة المدنية من مضامينها كافة، إذ بات الوزير ووكيل الوزارة من الشخصيات الشرفية التي لا تملك سلطة ولا قراراً، فيما يعين المدير العام للوزارة من المحسوبين على محفل الحركة الإسلامية يكون بيده الحل والعقد، وتنفيذ سياسات تُنَاقَشُ و«تُطبخُ» خارج الوزارة لتحقيق الغرض النهائي لـ «التمكين»، وهو الاستئثار بالسلطة والثروة والوظائف؛ أثار القرار استحساناً ليس في مكانه من عدد من فضلاء السودانيين، كأن البشير استعاد وعيه المفقود، وأفاق لتوه من غيبوبة أدخلته فيها بطانته السيئة، والحزب الذي ينتمي إليه، وهو حزب الشيطان الذي قضى على أخضر البلاد ويابسها.

صحيح أن من المنطقي بالنسبة لمن استحسنوا قراره أن يتمسكوا بأن يأتي شيء خير من ألا يأتي مطلقاً. ولكن هل من المنطقي أن يتوقع العاقل أن يستفيق البشير بعد 23 عاماً من انقلابه العسكري الظالم، وهو الذي بقي رئيساً للمحفل الحاكم طوال تلك السنوات ومشاركاً أصيلاً وأوَّلَ في فظائع النظام: تكسير الخدمة المدنية إلى درجة أن الحكومة أعفت نفسها من تقديم أي خدمات عمومية لدافعي الضرائب، وضحايا الجبايات، فلم يعد ثمة تعليم مجاني، ولا خدمات صحية مجانية، ولا تنافس على الوظيفة العمومية. وولغت حكومات البشير المتعاقبة في ذلك الغي والفساد حتى أقدمت على فصل الجنوب، وتكريس موارد الجيش والشرطة لقتل المدنيين في دارفور، وإشعال الحروب الأهلية في أرجاء الوطن حتى لم تعد فيه رقعة إلا وأثخنتها جراح الحرب ونار القبليَّة والتمييز العرقي.

هل يمكن نسيان تلك الفظائع والمآسي كلها لمجرد أن البشير أفاق من سباته العميق ليلغي شكلياً فحسب استئثار محفله الحاكم بالخدمة المدنية؟ وما الدلائل القوية التي تضمن أنه سينفذ ما أمر به؟ كم من المرات أمر وقررّ ووعد ولم يتغير في الواقع شيء؟! كم أعطى الصحافة حريتها وألغى الرقابة القبلية والبعدية ولا تزال الصحف تصادر، ويُعزل رؤساء تحريرها، ويستولي جهاز الأمن على ممتلكاتها؟ وكم من القرارات التي اتخذت وتتخذ في عهد البشير تشريعاً للفساد، تزييناً للسيئات، وإشاعة للانحلال؟

والأشد سوءاً أن منطق استفاقة البشير يعفيه من الموبقات التي ارتكبها نظامه وأقطاب محفله وهو على رأسهم. ولعل ذلك هو ديدن الخلاف بين المحفل ومدعي المحكمة الجنائية الدولية الذي يرى أن فظائع دارفور لا بد أن تكون ارتكبت بمعرفة البشير وموافقته وبقرارات أصدرها بنفسه، بصفته رئيساً تنفيذياً وقائداً أعلى للقوات المسلحة. هل يريد البشير أن يعفي نفسه من المساءلة عما حدث من تدمير للخدمة المدنية السودانية التي لم يعد لها وجود؟ هل يريد أن يقايض الضمير السوداني بقرار إلغاء «التمكين» الوظيفي في مقابل تخلي مئات الآلاف من الموظفين المحالين ظلماً للتقاعد وملايين من أبنائهم وبناتهم وزوجاتهم الذين هزمتهم تلك الإحالة وكسرت كبرياءهم، وساقتهم سوقاً إلى وحل الانحلال، وذل السؤال، وبؤس المسغبة عن مطالبهم العادلة بملاحقة «مهندسي» تلك السياسات الشريرة، والرؤوس التنفيذية التي أقرتها ووفرت حماية لتنفيذها؟

لنفرض جدلاً أن البشير استفاق فعلياً، وفتح عينيه على بضعة جوانب من الصورة المشوهة للوطن الذي ظل ينفرد بحكمه منذ 23 عاماً، أو لا يزال هو نفسه رئيساً للحزب الذي نظم الانقلاب، وأتى بالسياسات القبيحة التي أكتوى ملايين السودانيين بنيرانها؟ كيف يفيق ولا تزال الجماعة نفسها تحيط به كما السوار يحيط بالمعصم؟ كيف الإفاقة وبقربه نافع على نافع وعلى عثمان طه وعبدالرحيم حسين وغيرهم من الزبانية الذين أذاقوا الشعب الويل والثبور؟

الواقع أن الحلم بأن يستيقظ البشير ليركل الحركة الإسلامية النافقة وواجهاتها الحزبية الكثيرة التي اخترقت بها المواطنين وشعوب العالم لا يعدو أن يكون دغدغة لعقول أناس طيبين. فقد أضاع البشير عشرات الفرص للفكاك من أسر المنظومة الحزبية الشريرة التي صنعت له الرئاسة، وسلمته مفاتيح الحكم. ليس لأنه لم يدرك كُنه تلك الفرص، ولا لأنه دائماً يخطئ توقيت الخروج. ولكن لأنه جزء من تلك الجماعة باعترافه بلسانه، ولأنه قبض ثمن سياساته الراهنة من قوى كبرى يهمها تنفيذ مخططها لتقسيم السودان إلى ما لا يقل عن ثلاث جمهوريات خائرة لا حول لها ولا قوة. كان بإمكان البشير أن يخاطب الشعب السوداني يوم صرع شيخه الدكتور حسن عبدالله الترابي في «المفاصلة» الشهيرة سنة 1999، ويقول له إنه ظل طوال السنوات العشر الماضية (منذ انقلاب 1989) أسيراً لدى الترابي وجلاوزته، وأنه تحمَّل من أجل الفكاك من تلك القبضة مذلة الحكم برأسين، ثم بثلاثة رؤوس، وأنه سكت على مضض البقاء في منصب شرفي بينما يمسك التنظيم بخيوط الحكم، وأنه منذ اللحظة التي عزل فيها الترابي من رئاسة البرلمان ألقى بـ «طاقية» الحزبية ليعتمر «قبعة» القومية، وليكون رئيساً للسودانيين من الطوائف والقبائل والفئات كافة، وأن تحرره من عبودية الترابي والحركة الإسلامية النافقة يعني قومية النظام والحكومة، والسيطرة على الأجهزة والسياسات الأمنية.

بيد أن الرجل لم يُقْدِمْ على شيء من ذلك، لأنه جزء من الحركة النافقة، وعضو أصيل في نظام المصلحة والمّفسدة والتدثر بثياب الدين المسيّس. ويعتقد بأن بإمكانه البقاء بعيداً بمفرده من اتهامات الفساد التي تملأ أفق بلاده، لأن لا دليل على أنه أثرى أو فسد، لكنه مستعد لغض الطرف عن ثراء الخُلَّص والمحاسيب وذوي القربي. مشكلة الرجل مع شعبه ليست في سباته، ولا نياته، بل هي بالأساس مشكلة صدقية، إذ لَتشِدُّ ما احترف النظام صناعة الأكاذيب، ومداراة المفاسد، والتمادي في ابتكار سياسات إنهاك الشعب وإرهاقه مادياً بلا ما يستحقه ذلك من مقابل خدمي. ليقل البشير ما يريد قوله عن إعادة تأهيل الخدمة المدنية وغيرها من مواعين الدولة. لكن من المؤكد أن شعبه لن يثق بما يقوله، ولن يصدَّق أن رئيسه المنتمي إلى الحركة الإسلامية النافقة منذ مرحلة الدراسة الثانوية يستطيع أن يغادر مستنقعها الآسن وهواءها الملوث ليستنشق رائحة الضمير المتحرر من خَبَثِ التسلُّط والفساد، غير المكبَّل بأعباء إزهاق الأرواح وظلم العباد. ليس صحيحاً أن شيئاً خير من لا شيء، لأنه لن يأتي شيء أصلاً إلا إذا اتحدت صفوف السودانيين لاقتلاع نظام المحفل الخماسي ومحاسبة أقطابه على كل الفظائع التي ارتكبوها.

* صحافي من أسرة «الحياة».

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. هل سمعتم بتوبة ابليس؟ فلكن واقعيين !! هذا الرجل نافق الله في دينه ونافق الجيش والشعب في قومية ثورته فليس من العسيرعليه منافقة شعبه للمره المليون!! ..

  2. الحساب ولد بعد الانتفاضه باذن الله في زمن البشير التجار فلسو وباعو ممتلكاتهم ودخلو السجون والموظفين اصبحو مليونيرات وبنو العمارات عندي جاري في الحي موظف قبل الانقاذ كان ماشي كداري وساكن في غرفه مع اهله والان بني عماره من ثلاثه طوابق وراكب لاندكوروزر موديل 2011 وعندو كوريلا 2011 وعندو جياد من اين هذا يا القشير كلكم لصوص من القشير لي الغفير والامثله كثيره اين قانون الثراء الحرام من اين لك هذا وانا علي يقين لو حسبنا مرتبه ما بشتري ليه اللاند كروزر حسبنا الله ونعم الوكيل

  3. البشير الان غائب مغيب فهو لا زال فى سكرته ولن يفيق منها الا ان يموت او يخلعه الشعب من السلطة هذا الرجل ادمن الثراء وحب السلطة والفساد ووصل لدرجة كبيرة من الظلم فهو يرى بعين غير التى نرى بها نحن فهو دائما على صواب وغيره على خطأ اصابه عمى البصيرة والعياذ بالله فهذا وصل مرحلة يستحيل اصلاحه رجل كذاب ومنافق وقاتل وظالم فكيف ترجو خيرا برجل يتنفس هذه الصفات الرذيلة والعياذ بالله اما بطانته من الكيزان حدث ولا حرج هؤلاء اشبه بقوم لوط عندما تسلموا السلطة ظهرت للناس سيئاتهم نبذوا الدين وراء ظهورهم وجعلوه سلعة تموينية كالسكر يتاجرون بها ودخلوا الاسواق من اوسع ابوابها وملكوا الاراضى والعقارات وبنوا العمارات والقصور من اموال الشعب وتركوا الوطن ومشاكله حتى وصلنا الى الحضيض من قائمة الدول الفقيرة والفاسدة اللعنة على هؤلاء القوم وعلى رئيسهم البشير الفرعون الكبير فقد دمروا البلاد وافقروا العباد واكلوا اموال الناس بالباطل لعنة الله عليهم ستين مرة .

  4. الذين فصلو والذين اهملو بلغ معظمهم الان الستون وقد فصل منهم من فصل ورفض تعيين من رفض بحجة العمر او عدم الولاء كيف يتم تسوية هذة المشاكل وارجاع الحقوق الجدسر بالذكر ان محموعة كبيرة جدا من هولاء المفصولين هاجرو خارج السودان ويدعون الله سباحا ومساء لمن ظلمهم لم يترك البشير مجالا لمواطن سودانى ليضع رجله داخل السودان امتلات الوظائف بالطفيليين والمحسوبين الذين ضيعو السودان لما ال اليه الان من سوء اذا اراد البشير رفع سياسة التمكيين يجب رد الاعتبار وتعويض كل من تضرر وتغيين كل من فصل فى موقعه او انتظار دعوات المظلوميين

  5. البشير تابع لقطر وقطر صهيونية امريكية

    هل تعلمون بأن قطر اقعنت حكومة ليبيا الجديدة بفتح سفارة اسرائيلية لديها والان السفارة الاسرائيلية فاتحة وشغالة في ليبيا؟

    قطر تنفذ مخططات اسرائيل في المنطقة

    والبشير هو كبش الفداء بالله ما تستحي على وجهك ما بتخجل وبتقول مادام شيخ حمد معانا مافي مشكلة ؟ قاعد ليك 23 سنة ما قادر تحكم وبعد دا بتفصل الجنوب وترجع ثاني للشحدة وتبقى كومبارس لشيخ حمد في تسترك بشيخ حمد ماعندك غيرة على بلدك ولا على مواطنيك قاعد تزرع في الفتن انت ما سمعت باللواء احمد عبد الوهاب ؟ ما سمعبت بابوكدوك ؟ ما سمعت بحسن بشير نصر ؟ ما سمعت بعد الله خليل لما حرك قواته ضد المصرييين ؟ نميري دا قعد معاك فترة اتعلمت منه شنو؟ ديل كلهم كانوا بياكلوا النار انت مجرد حثالة صغرتنا قدام العالم وخليت كل الجنسيات تحتقر فينا.
    الله يذلك في الدنيا قبل الاخرة انت وكرتي وعلي عثمان والترابي وعبد الرحيم ووزير ماليتك الحرامي دا والمتعافي والجاز وكل اللصوص الذين معك الله يجمعكم جميعا في جهنم الله يشردكم ويشرد اولادكم وحريمكم ويفضحهن ويفضحكم معاهم

  6. من أجمل ما قرأت

    يجب أن لا ينخدع الشعـــب السوداني بهذا الغثاء ، و أن يكفّ المطبلون عن بيع الأوهام للناس. إذ لا بديل إلاّ اجتثاث هذه الآفة من جذورها و إعادة حقوق الشعــب السوداني إليه بمصادرة الثروات التي نهبوها و محاكمتهم جزاءً وفاقا.

    هذا النظام هو أكثر أنظمة العالم فساداً . هذا المسخ الذي يسمى البشير تصيبني رؤيته بالغثيان و الدوار.ألا لعنة الله عليه و جلاوزته الوالغين في الفسادو الثراء الحرام.

    فرج الله قريب

  7. كل أول ليهو آخر،،،،، مهما طال الزمن وهم يتمتعون في الثراء أكيد حيجي يوم يتحاسبو فيهو لكن اللي أنا مستغربه ليهو جدآ القشير والشرذمه اللي معاهو كيف ما بتعظو من الحاجات اللي حصلت لحني مبارك وكل الرؤساء الجائرين

  8. حاول يا ابو فاطمة ناقش المكتوب امامك وبين نقاط اختلافك
    حتى يستفيد المتابع من فكرك ووعيك

  9. يا جماعة الكلام ساهل جدا والكذب اسهل … تمكين شنو الانتهى انشاءالله تكونوا صدقتوا … النسا ديل ح يكونوا مكنكشين ليوم الدين

  10. سلمت استاذ معاوية ..
    وللاسف البشير وعصابته لا يخفى عليهم حال الشعب والبلد والتذمر الحاصل من سياستهم الغبية ..وماحدث ليس صحوة انما نوع من التخدير والمراوغة وكسب الزمن وهو في النهاية الغاء شكلي كما ذكرت لا يعتد به.

  11. أولا :أنتم ترتكبون ذنبا عظيما عندما تصفون هؤلاء بالاسلاميين فالاسلام براء من الظلم و أكل أموال الناس بالباطل و قد أنكر الله على المشركين نسبة أفعالهم المنكرة الى الله حيث قال "واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها أباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله مالا تعلمون"

    ثانيا:نتيجة هذه الخطوة أن الأشخاص الذين تسببوا في المشاكل الموجودة الان سيتركون مسؤولية تحمل تبعاتها على غيرهم بعد أن سرقوا الجمل بما حمل

  12. فليكمل البشير جميله بعد ان اعترف بخطا التمكين وليصحح ما بنى عليه .. فما بنى على باطل فهو باطل .. الحل يكمن فى الحل .. فقليل من الحكمة والشجاعة قد يخرج البلاد والعباد من آثام التمكين وتبعاته .. والا فانتظار الطوفان وحينها لن ينفعهم الاستجداء وفهم الدرس متاخرا .. 😀 :confused:

  13. صراحة اجمل ما قرأت لما لمسته في هذا المقال من واقع مؤسف عاشه ويعيشه االشعب السوداني طيلة الـ23 عام ولا زال.
    أستاذ معاوية سلمت يداك وأدامك الله فخراً وعزة ويحق لي ولكل سوداني غيور وصاحب ضمير يقظ أن يفخر بك ولا اسكت الله لك حساً ومتعك الله بالصحة والعافية.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..