أخبار السودان

نقض القاضي قرار الوزير وعادت الصحيفة للصدور!

عبر السنوات تتسرب الأغنية. مثل قطرات مطر تتسرب من ثقوب السقف، تتسرب الأغنية من ثقوب الذاكرة، تطوي صحارى النسيان. تعيد الحياة في طريقها لأكثر الوقائع نسيانا، وتعيد نبض الأسئلة التي تركناها من خلفنا دون إجابة. حين نفتش في ركام الذاكرة، نجد تلك الصور التي حاولنا تثبيت لحظتها في الذاكرة. قمنا بتثبيتها جيدا على جدار الذاكرة. لكننا نكتشف بمرور السنوات أن الجدار نفسه يتحول الى هشيم. نجد بقايا خيوط تلك اللحظات السعيدة من أزمنة ما قبل الكارثة. حين كانت الحياة دافئة. ومواسم الفرح تجب كل ما قبلها. نجد حتى هشيم المرايا التي كنا نرى فيها ذواتنا، تعيد نبض الأسئلة: ماذا جرى للعالم؟ وكيف خسرنا كل شئ؟ ما ذا حدث للعام 1987؟ هل تبق ثمة أمل أننا يمكن أن نستعيد أزمنة حياتنا الضائعة تحت سنابك خيل التتار؟ كيف سمحنا لهم بقتل أحلامنا والمشي في جنازتها؟

عيون الريل عيونها أسرتني فنونها!

قيظ الساعة الثانية في ميدان أب جنزير، غبار المارة والحافلات. من يعبر في النصف الثاني من الثمانينات أمام أكشاك الصحف التي توزع عشرات آلاف النسخ، صحف تكتب عن كل شئ بحرية تامة، حتى ان وزير الداخلية كان قد اغلق احدى الصحف التي وجهت له إتهامات بالعمالة. لكن المحكمة نقضت قرار الوزير وعادت الصحيفة للصدور!. الآن تفرغ الوزراء لما هو أهم، للسمسرة والصفقات، تفرغوا للفساد! حتى أن الوزراء (الخالدون) باتوا بعد أية تغيير وزاري ، يودعون رفاه الكرسي وصفقاته بدموع الثكالى، يشقون الجيوب ويدعون بدعاوي الجاهلية! فالمناصب لم تعد تكليفا مثلما كانت في السابق وفي أي زمان في الدول المحترمة. الوزراء السماسرة في العهد الخراب لا يطلبون الثبات عند السؤال في القبر. يطلبون الثبات عند الإقالة!
نقض القاضي قرار الوزير وعادت الصحيفة للصدور! الآن عسكري صغير في جهاز الأمن يمكنه اغلاق اي صحيفة. ولن تستطيع أن تشكو الا لله! لا يوجد قانون! أين هو القضاء الذي يحكم ببطلان قرار وزاري! كانت توجد مشاكل وكانت الممارسة الديمقراطية بحاجة لوقت لتترسخ! لكن من الذي يصبر؟ يصرخ الجميع في البرلمان، يمارسون الديمقراطية بضراوة، بينما يمتشقون سلاحهم تحت ملابسهم ويغازلون الجيش صباح مساء. والرئاسة نائمة في عسل تهاونها حتى بعد أن إنهالت أخبار الانقلاب الوشيك الذي كان يطبخ على نار الغفلة، نفس النار التي كانت تنسج على ضوئها أكفان حياتنا وقيمنا وأحلامنا. من يرى صحافة أواخر الثمانينات، الحرة، لن يصدق أنه سيأتي زمان تنعدم فيه حتى الحرية وسيغرق وطننا في ظلام الاستبداد. ظلام لن يزدهر فيه سوى الظلم والفساد. كل الشعوب تسير الى الأمام، نحن نسير الى الوراء. نطأ أثناء سيرنا للخلف، كل جراحاتنا القديمة التي كادت تندمل، وننكأها!
نقض القاضي قرار الوزير وعادت الصحيفة للصدور! ولأن الوزير كان إنسانا وكان واعيا لدوره ولشروط النظام الديمقراطي الذي يعلي من قيمة قانون يساوي بين الناس جميعا، فقد قبل بحكم المحكمة. كانت الصحافة حرة تحصي أنفاس كل مسئول، حرية ذهبت بعيدا حين إستغلها أصحاب الغرض للتبشير علنا بالانقلابات ومحاربة نظام الحرية والقانون! نفس من سيزرفون دموع التماسيح بعد ربع قرن على تلميع (من لا يستحق) ودفعهم كبدائل لنظام الحرية والقانون. تلميع الخائن ودفعه للواجهة ليكون بديلا للقانون!
الاعتذار الذي يذّكر بالأغنية ( من بعد ما فات الاوان الليلة جايي تعتذر) لم يفت الأوان وحسب، فات كل شئ. هل سيعيد ندمه التلميعي وطنا تمزق؟ هل سيعيد الحياة الى الملايين التي سحقت تحت سنابك خيول التتار ومشاريعهم الحضارية؟ هل ستعود إلينا قيمنا وأخلاقنا بمجرد إعتذار. إعتذار لا يرافقه ولا حتى شعور حقيقي بالذنب يجبر صاحبه على التواري. هل قلت التواري! بالعكس من كان يجلس من خلف صحيفة صفراء، بات يتربع فوق وجوهنا! (تخيل مدى الوجع في وجوهنا من ثقل شخص مثله!) يعرف أن الذاكرة خلف وجوهنا منهكة، مثل سبورة يمسحها أنى يشاء ويضع (البشاورة) ويبدأ يكتب من جديد! لأي إنقلاب تمهد هذه المرة يا سيدي؟ وحتقلبها كيف وهي مقلوبة تلفظ انفاسها الأخيرة.
دعنا نعظك هذه المرة يا سيدي بمثلما بشرتنا أيام الحرية والقانون، بأنه سيأتي في الغد رجال (يسدون عين الشمس ويعيدون الأمور الى نصابها!) لقد إعترفت بعد ربع قرن أن رجالك لم ينجزوا شيئا سوى أنهم (سدوا) عين الشمس، أطفأوا نور الحقيقة، أزهقوا الأرواح ودمروا وطنا كان أهله أعزة فساموهم العذاب. الآن جاء دورنا لنبشرك: دماء الشهيد هزاع ورفاقه لن تذهب هدرا. الجيل الجديد الذي تفتح في أزمنة الزيف والمعاناة، وعى الدروس كلها. وسوف يشق طريقه مسلّحا بالحقيقة، بالمحبة والصدق والاخلاص الذي يفتقده رجالك الذين (سدوا عين الشمس) جيل سيمضي الى أهدافه العظيمة ولن ترهبه الدماء ولا القوات الخاصة. لن تفت من عضده محاولات المخذلين والأنبياء الأدعياء الكذبة.

ريدتنا البريئة حرام تكسر جناحها.

قبل وصول حيدر بورسودان كانت الفرقة على وشك الذوبان من الحر، وربما بسبب سأم القيظ كان كل عازف منكفئ على آلته الموسيقية، يهدهدها مثل طفل بيديه، كأنه يخفف عنها قيظ الساعة الثانية بعد الظهر، أو يحاول حمايتها بجسده من كارثة وشيكة يراها مثل زرقاء اليمامة تعبر حجب الغيب الى مصيرنا المحتوم: شجرا يسير في المتاهة! وكل بضع لحظات كان أحد العازفين يلقي في الفضاء بحفنة أنغام مفاجئة. تتناثر بسببها عصافير الحديقة في الفضاء، كأن العصافير نفسها كانت تشم رائحة الكارثة الوشيكة التي كانت تزحف في قطار الغيب. تلفظ الآلة الموسيقية المحتضرة بسبب القيظ أنفاسها الأخيرة في فضاء اللحن. حتى يعود المغني ويبث روحه فيها. ويسحب النغم من خلفه مثل ساحر يسحب الأرانب الى النهر.
صاح صديقي عصام في العازفين: (بطلوا الجوطة دي وغنوا لينا حاجة)! كأنه عرف أن لاحل ولا علاج لهذا الجحيم سوى نسائم الغناء الجميل. وصل صوت احتجاجه ذائبا الى آذان العازفين فلم يعره أحدهم ولا حتى إبتسامة، كل شئ ذائب في قيظ الحديقة. حديقة الحيوانات! نفس الحديقة التي بدأ النظام الانقلابي(إنجازاته التسويقية) بقرع الاجراس فوقها! ليس أجراس الكنائس، أو المدارس، بل أجراس المزاد العلني الذي غرق فيه الوطن كله. حتى أنه وبسبب القمع والبطش لم يكن يسمع من صوت طوال حوالي ربع القرن سوى قرع الأجراس تعلن أن الوطن معروض للبيع! وصوت بكاء الوزراء الذين تنتزع من أفواههم كعكة السلطة! سيقول صاحب الفكرة الجهنمية: قلب العاصمة تسكنه الحيوانات؟ والبشر يسكنون في سقط لقط! (لا بد أنه يقصد منسوبي المؤتمر الوطني حين يقول البشر!)

أسرتني بوسامة رقة وإبتسامة!

يا للغناء الجميل، بهت الجميع من روعة الأداء ومن الصوت الدافئ الجميل، حتى حيوانات الحديقة المتوحشة همدت في أقفاصها، من روعة الصوت البشري. مندهشة من مقدرة البشر على الأتيان بأشياء متناقضة تماما. كيف يستقيم أنّ من يمسك بندقية يصطاد بها الأبرياء من البشر، يستطيع بنفس اليد التي يضغط بها على زناد الموت، أن يصنع مثل هذا السحر الذي يصعد مباشرة الى شغاف الروح!
يستطيع البشر أيضا فعل أشياء جميلة بخلاف أسر ملوك الحيوانات! البشر الذين لا يسلم منهم حتى قرود الغابات القصية. مثلما حكى صديق انهم كانوا يقومون بصيدها في الغابات باستخدام مشروب المريسة! وحين تسكر القرود تخلد للنوم! في أمان الغابة وشريعتها! حيث لن يجرؤ عسكري مرتشي على القبض عليها وجلدها في الاسواق بتهمة معاقرة البهجة. لكنها حين تستيقظ تجد نفسها في قفص، ملقى في عربة قطار بائس قديم، يزحف في رحلته الطويلة المضنية الى أعلى النهر.
كأن الأسد الذي أخلد للصمت في حضرة سحر الغناء الجميل، كان يعلم أن ذلك آخر عهده بالفرح، وأن الزمان بدأ دورته للوراء، وأن مملكة الظلام قادمة، وسيكون هو شخصيا من أول ضحاياها وسيفقد، مملكته، بيته الذي ستتطاول فيه الأبراج!

يا سيد السماحة يا معنى الملاحة!

بعد أن قدّم المغني وصلته الاولى، كان البرنامج التالي مصارعة نوبية. كانت مشاهدة المصارعة النوبية شيئا رائعا، والأجمل منها كان المذيع الداخلي الذي يذيع مجريات المصارعة، رغم أن المصارعة كانت على كل حال تجري أمام أعيننا. لكن المذيع كان يستخدم عبارات مدهشة. تجعلك ترى ما يحدث أمام عينيك بعينيه هو، بصورة مختلفة كثيرا عما تراه فعلا. حين إستطاع أحد المتصارعين أن يصرع خصمه أرضا كان المذيع الداخلي مصرا على قوله: (وما معروف الحيحصل شنو!) رغم أن الحاصل كان معروفا على الأقل بالنسبة للمشاهدين!
معارض للكتب، ندوات أدبية، الفيتوري والابنودي. دعانا صديق الى حفل في الجامعة. كان صديقنا عبد الكريم يسمي نفسه في الجامعة حسام، اسم فرائحي قليلا يوحي بالانطلاقة والعولمة. فانطلقنا (نعلم) الناس ان هذا ليس اسمه وان اسمه الحقيقي هو عبد الكريم! وهو اسم جميل، ربما غير مطابق لمواصفات عاشق في نهايات القرن العشرين لكنه ليس سيئا.
جاءت فنتاة تتقصع ونادته: هوسام! يا للكارثة كاد إسمه المزيف ان يتحول الى صاروخ!
قال عصام الذي كان يتحدث بخليط من اللهجة النوبية والعربية: (أنا نمشي نكلمه نجي!)
عاد بعد قليل سألته: كلمته؟
يبدو أنه ذهب لمآرب أخرى فقد قال: طلع من إندنا!
من وين؟
كان لدينا قريب لديه مشروع زراعي في منطقة لم نسمع بها من قبل، لكن اسمها النوبي كان جميلا، يبدو ان عصام كان قد سمع بالاسم ويريد استخدامه في جملة مفيدة، فرغم أن الفتاة أخبرته انها من جزيرة لبب،. لكنه قال حين سألته عن بلدها:
من جهات جرتوت!

يا سيد السماحة يا معنى الملاحة ..ريدتنا البريئة حرام تكسر جناحها!
مثل الساسة الذين كانوا يمارسون الحرية بضراوة، يخطبون بحماسة في البرلمان كأن البرلمان سيعيش أبدا، فيما يخفون بنادقهم ومسودات بيان الانقلاب الأول، داخل ملابسهم، كانت الشوارع تموج بالحركة، بالحياة، كأن الجميع يمارسون أيضا الحياة بضراوة، يسابقون دقات الساعات وخطوات الموت القادم، في الموعد الرهيب: 30 يونيو 1989!

[url]http://ahmadalmalik.blogspot.nl/[/url] [email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. صديقى الزميل وبلدياتى الجميل احمد الملك
    كيف اخبارك يا دفعة يا راجل يا شفيف،، سنوات بعمر الغياب ومدد الزمن لم نلتقى حيث كانت أخراها تواصلا بالتلفون وانا بامريكا فى العام 2002، حاليا اقيم بكندا، اقرأ لك بين الفينة وضحاها عندما تكتب، وانا كذلك انشر بعضا من كتاباتى واشعارى هنا بعضا من المرات وقد تجدنى متواجدا بكثر على الفيس بذات الإسم أبراهيم سليمان أبوناجى فأرجو الإضافة حتى نلتقى يا عزيزى، تحياتى الغاليات وكل سنة وانت بخير وانعم عافية.

  2. ******** التحية لك يا ود الملك وانت تفتح جرحا لا يندمل ********** لعن الله بني كوز و من شايعهم من احزاب الفتة والفكة ******* لقد ساقوا بلدا بكامله بانسانه الي الزوال ****** كانت الخرطوم عاصمة الفكر و الثقافة و الان اضحت عاصمة الفساد و الوساخة *********

    ****** معارض للكتب، ندوات أدبية، الفيتوري والابنودي.******** اتدري اين الفتوري الان ؟؟؟ **** الان هو باحد القري المغربية يلوك ما تبقي من شيخوخة بعد ان انتزع من جوازه السوداني عنوة **** اصبر بعد ان يرحل من هذه الدنيا سوف ياتي من يزرف عليه دموع التماسيح ثم يطفق يعدد محاسنه ****

    ***** اما بخصوص حسين خوجلي كان علي الشعب ان يضعه في ماكينة شاورما حتي ينضج لحمه و يسيل شحمه و هو من تسبب فيما يجري من بلاوي الان **********

    ***** شكرا صديقي **** اعلم ******* ان الفجر ات لا محال *********

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..